جلسة ساخنة للجمعية الوطنية العراقية

 

د. لميس كاظم

 

 عُقدت الجلسة السادسة والخمسين، للجمعية الوطنية العراقية، إجتماعها المسائي، والتي كانت كمرسة لإستلام مسودة الدستور العراقي الجديد. أكد السيد حاجم الحسني، رئيس الجمعية، إستلام المسودة وشكر جميع من ساهم في كتابتها وقبل أن يختتم أعمال الجلسة وضح السيد الحسني بأن المسودة لاتزال تحوي على نقاط عالقة لم تحل بعد وستُمهل الكتل الساسية ثلاثة ايام للمناقشة وحل كافة الاشكالات. قبل أن ينهي الجلسة أكد على غياب مبدء التوافق في المسودة. ثم أنهى الجلسة على عجل وبدون تصويت أو أستكمال حضور المندوبين. كانت تلك هي أقصر جلسه في تأريخ الجمعية، فهي لم تستغرق سوى دقائق قليلة، لكنها حسمت مسثقبل العراق السياسي القادم.

  ثم عقد السيد الحسني مباشرة مؤتمر صحفي وضح فيها النقاط الشائكة في مسودة الدستور وكان أبرزها:

الفيدرالية وتشكيل الأقاليم

الغاء او حذف أسم حزب البعث الصدامي من مسودة الدستور

صلاحيات السلطات الرئاسة.

  أن استلام الجمعية الوطنية لمسودة الدستور أعطاها الجانب الدستوري الشرعي لإستمرار العملية السياسية بكاملها. فلو لم تسلم المسودة في وقتها المقرر لكانت الجمعية امام خيارين لا ثالث لهما: أما التأجيل لاسبوع اخر أو حل الجمعية الوطنية نفسها وأن تصبح الحكومة الحالية، حكومة تصريف أعمال، لغاية الانتخابات القادمة.

  من خلال الجو المشحون في المؤتمر الصحفي الذي عقده الكثير من قادة الكتل والتنظيمات السياسية نستنتج بأن هذه المسودة هي خلاصة توافق لأفكار ومطالب القائمتين، الكبيرتين، الفائزتين فقط . إذ تم التوافق على عدم التنازل عن مطاليبهما الاساسية ألا وهي موضوعة أعتبار الدين الاسلامي المصدر الاساسي للتشريع ولايجوز تشريع اي قانون يتعارض مع مصادر تشريع الدين الاسلامي وبنفس الوقت أن لا يتعارض مع المبادئ الديمقراطية.

وهنا تكمن وجه التناقض بين المبادئ الديمقراطية ومصادر التشريع والاسلامي. فكما هو معروف هناك تقاط اختلاف واسعة بين المفردتين. أن هذا نوع من الصياغة أو الديباجة المتداخلة والمتعارضة فيما بينها ستولد نقاط خلاف ساخنة في المستقبل. لكن الكتلة الكردستانية وافقت على هذه الصياغة مقابل ضمان الفيدرالية في الدستور بعد أن رفضها الطرف الثالث.

  كما أمهلت المسودة قادة الكتل السياسية الثلاث الى الوصول الى نقاط مشتركة حول النقاط الثلاث الساخنة وفي حالة عدم حلها، وهذا ما سيحصل في احسن الاحوال، ستطرح المسودة للتصويت داخل الجمعية الوطنية العراقية وستفوز بأغلبية اصوات الكتلتين الفائزتين وسيتم عرضها على الشعب العراقي في الاستفتاء العام الذي سيعقد في منتصف الشهر العاشر وستقر لاحقاـ تلك المسودة، بنفس طريقة الانتخابات السابقة.

  فعلى مايبدوا أن لجنة الحوار الوطني واللجنة الوطنية المغيبة عن الأنتخابات ترفض الفيدرالية لثلاث محافضات أو أكثر وتحاول أن تتفق على فيدرالية لمحافضتين لا أكثر. هذا التخوف هو ليس ضد فيدرالية الكردستانية الحالية فحسب بل وضد الفيدرالية للمناطق الوسطى والجنوبية المزمع تشكيلها بعد إقرار الدستور.

  أما موضوع حزب البعث الصدامي وأصرار الجنة المغيبة عن الانتخابات على الغائه من الدستور. فهذه ليست موضوعة شائكة ويمكن التوصل الى حل وسطي وهو أن يتضمن الدستور فقرة تمنع تشكيل وتحريم نشاط كل أشكال التنظيمات والأحزاب والجمعيات الأرهابية والدكتاتورية والفاشية والقمعية والمتطرفة والتي برامجها لا تسجم مع فقرات الدستور وبذلك يتخلص الدستور من هذه المشكلة. أما الاصرار على الغاء او حذف فقرة حزب البعث الصدامي انما يعكس حاله الخوف المسلط على تلك التنظيمات من قبل بقايا نفايات البعث الصدامي المنتشرة في الكثير من المدن العراقية والتي أعادت تشكيل هياكلها التنظيمية والسياسية وعقدت اجتماعاتها داخل وخارج الوطن وأعادات الصلة بقيادتها في الخارج، مستفيدة من ضعف الأداء الحكومي والأنفلات الأمني وتنامي دور الأرهابين والقتلة والمجرمين. وكان اسطع دليل على تلك التهديدات هو محاولات القتل والأغتيالات التي جرت في الثلث الساخن . كان أبرزها هو المحاولة الفاشلة لإغتيال محافظ الرمادي وإغتيال أحد أعضاء هيئة علماء المسلمين كما أغتيل قاضي التحقيق في سامراء وأغتيال ثلاثة من هيئة علماء المسلمين في الأسبوع المنصرم. هذه الرسائل الدموية كانت تحث المفاوضين على عدمو القبول بتلك الفقرات من الدستور.

  أنا اعتقد أن الموضوع يعكس حالة عدم الانسجام بين اللجنة المغيبة عن الانتخابات وبين الكتلتين الفائزتين في الجمعية الوطنية . فكل طرف يحاول أن يمط فقرات الدستور لمصلحته في محاولة لوضع العصا لمنع عجلة الدستور من الدوران وعدم تقديم التنازل المطلوب لأنجاح المسيرة الديمقراطية.

  فحالة التباين الشديد في مطاليب الكتل المتفاوضة ورفع سقوف المطاليب الى الحد الغير منطقي وعدم التنازل أي من الأطراف المتفاوضة عن مطاليبها والغاء مبدء التوافق الوطني أدى الى أنفراط عقد الزواج العرفي الذي عقد بين الكتلتين الفائزتين وبين اللجنة الوطنية المغيبة عن الأنتخابات. هذا الطلاق العرفي، الديمقراطي، دفع بالكتلتين الى عدم تأجيل الموعد المحدد لتسليم مسودة الدستور الى الجمعية الوطنية لتثبيت شرعيتها الدستورية. وبنفس الوقت، هي محاولة للضغط على اللجنة المغبية عن الانتخابات، لقبول بشروطهما أو اقرار المسودة بالصيغة التي أتقفا عليها واستثائها من المشاركة العملية السياسية برمتها. لكن الطرف الثالث سيحاول أن يفشل المسودة عبر الأستفتاء بالضد في ثلاث محافضات بأغلبية الثلثين من ابناء تلك المحافضات.

  أن تقديم المسودة بصيغتها الشائكة، الغير متكاملة، دفع بممثلي اللجنة المغيبة عن الانتخابات الى رفض مسودة الدستور برمتها، ولكنهم ابقوا الباب مفتوح للنقاش، من خلال البيان الذي القي بعد أنتهاء الجلسة مباشرة. وهي أشارة واضحة بأن الطلاق الديمقراطي قد تم بينهما ولن يتوصلوا خلال هذه الايام الثلاثة القادمة الى أي إتفاق مشترك حول النقاط الشائكة وعندئذ ستعود المشكلة الى نقطة الصفر. أن أنفراط عقد الوحدة الوطنية سيزيد من عدم أستقرار الوضع السياسي والامني في البلد وسيزيد من حدة التفجيرات الوطنية المفخخة وسيكون المواطن هو الضحية الأولى من كل هذه العملية الديمقراطية.

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com