إشكالية "المرأة في الإسلام"

علي آل شفاف

talib70@hotmail.com

 مقدمة

 لندقق أولا المفاهيم المستخدمة. لكي نفهمها بصورة واضحة, ونحدها بحدودها الصحيحة, ومن ثم نستخدمها استخداما واعيا ومسؤولا. لأن تحديد المفهوم بدقة سيوفر لنا وحدة موضوع, بها نركز على محور الفكرة, دون الدوران حولها. وبذلك نوفر على أنفسنا الوقت والجهد ونزداد قربا من مطلبنا أو غايتنا التي ننشد.

 إن مفهوم المساواة هو مفهوم رياضي مجرد وجامد. يعني أن حدي معادلة ما, ذوا مقدار واحد عند توحيد وحدة القياس, أو حيثية المعايرة. أي أننا لو طرحنا أحد الحدين من الآخر لم يفضل شئ. فهو ـ مبدئيا ـ يصلح للتطبيق على قيمتين أو حدين من حيثية واحدة فقط. ولا يتعامل مع عوامل التباين والإختلاف في غير جهة المعايرة.

نعم . . لو وسعنا المعادلة بزيادة عدد المتغيرات فيها, فسنقترب من الواقع تدريجيا. لأن كل متغير سيعبر عن حيثية أخرى من الحيثيات التي تمثل عنصرا من عناصر الحياة.

ولكن . . كم هو ـ يا ترى ـ عدد المتغيرات التي تحكم "معادلة حياة الإنسان"؟

من الواضح ـ عمليا ـ أنه عدد لا نهائي. ولا يمكن حصره أو تقديره من قبل أي إنسان. إذ لم يزعم هذا أحد من قبل, ولن يفعل أحد من بعد. لأنه سيخالف العقل. لأن الإنسان لا يتصف بالعلم الكامل, ولا الإحاطة الشاملة, ولا الحياة الدائمة. ولا يحيط بمتغيرات معادلة حياة الإنسان, ولا يحصيها إلا من له هذه الصفات.

وهنا يكمن الفرق الواضح بين الحكم الوضعي الذي ينبع من علم جزئي ناقص, والحكم الآخر الذي ينبع من علم كلي كامل. والمشكلة ـ في حقيقتها ـ لا تكمن هنا . . فأكثرنا يؤمن بهذا. لكن المشكلة ـ كل المشكلة ـ تكمن في استنطاق الحكم النابع من العلم الكامل. وهنا بيت الداء.

 

هل المساواة بين الناس أو بين الجنسين مطلب صحيح؟

 كثيرا ما نسمع دعاة حقوق الإنسان والمرأة بصورة خاصة, يطالبون بالمساواة في الدستور أو القانون. وهذا جهل وظلم, ولا يخلو من "ببغاوية" ـ أحيانا. لأنه يضع الجميع في قالب واحد. فعلى الجميع ـ مثلا ـ أن يخدم في الجيش, بما فيهم الأعمى والأصم والأبكم والمقعد والحامل والمرضع وغيرهم, فهم متساوون في إنسانيتهم . . وهذا ما لا يقول به أحد . .

لكن التحديد الدقيق للمفهوم يوصلنا إلى أن المساواة (أمام القانون) هي المطلب الصحيح (أي في الحكم أو في تطبيق القانون). وليس المساواة (في القانون). لأن المساواة أمامه لا تحتاج إلا إلى حيثية واحدة, هي الإنسانية. لذلك يمكن تطبيق المساواة هنا.

أما المساواة في القانون, فتفترض اتحاد الأفراد في جميع الصفات (الحسية والذهنية والنفسية وغيرها). وهذا غير ممكن, ولا متعقل. وسيمثل ظلما وتعد واضحا على حقوق هؤلاء الأفراد. فلو قيضت المساواة التامة للمرأة مع الرجل, لوجدنا أن أشد الدعاة إليها, سيكون أشد المعارضين والمطالبين بإزالتها. لأن المرأة سوف لن تتحمل ما لا يتناسب مع قدرتها وطبيعتها ومزاجها الذي يختلف عن الرجل, وهذا الإختلاف ليس سلبيا بالضرورة. وستشعر بالظلم والمعاناة من جراء تحميلها ما لا يطاق. لأنها سوف تفقد حقها في الابتعاد عن الأعمال البدنية الشاقة التي لا تطيقها, والحروب؛ أو الحصول على إجازة حمل أو أمومة أو ما شاكل. وهذه الحقوق محفوظة للمرأة, حتى في أكثر المجتمعات انفتاحا في هذا المجال. مما يعني اعترافا بالتمايز الخارجي وليس الذاتي.

 إن وضع المرأة موضع الرجل تكلف ظالم لها, كما أن وضع الرجل موضع المرأة هو تكلف ظالم له. لأن لكل منهم خصوصيته ومن كليهما يتكون الجنس البشري فهما يشتركان في ذاتيتهما الإنسانية, ويختلفان في القابليات والقدرات والإمكانات التي يفرضها التكوين الجسماني والنفسي (البايولوجي والسايكولوجي) لكليهما. وهذا حكم عام لا يمنع من الإستثناء. تماما كما هو الأمر بين الرجال أنفسهم, أو النساء أنفسهن. فبسبب التفاوت الجسماني بين الرجال, استثني بعضهم من الخدمة العسكرية مثلا, أو من أداء بعض المهمات التي لا تتناسب مع قدراتهم البدنية أو النفسية.

 ولعمري! لو طبق ما تطالب به بعض النساء, لوضعن الكثير من الأحمال عن الرجال!!

فلماذا يسقط الرجال في الحروب دونهن؟

ولماذا يستهلك الرجال أبدانهم في الأعمال الشاقة دونهن؟

ولماذا يقصر عمر الرجال عموما عن النساء بسبب تحملهم تكاليف الحياة الصعبة دون النساء؟ لكنها طبيعة الأشياء . . فلكل شأنه الخاص في هذه الحياة. فالمطلب الصحيح إذا هو "العدل في القانون" و "المساواة أمام القانون" أي في التحاكم أمام القضاء. وهو مطلب عام لجميع الأفراد, دون النظر إلى الجنس.

 وبصورة أدق: المطلب الواقعي الصحيح هو تطبيق القانون على موضوع الحكم, بغض النظر عن الحيثيات الذاتية الصرف له كالجنس ـ مثلا. مع أخذ الحيثيات الأخرى كالقدرات والعاهات, أو الظروف الموضوعية الأخرى بنظر الإعتبار.

 

الفرق بين المساواة والعدل

 علينا ـ بناءا على ما سبق ـ أن نفرق وبصورة واضحة, بين مفهومي العدل والمساواة.

فكما أسلفنا:

إن "المساواة" مفهوم رياضي مجرد وأعمى وجامد, يصلح للتعامل مع "الروبوت" وليس الإنسان. لأنه مفهوم لمعايرة حدين من حيثية واحدة فقط هي الحيثية المحددة للمعايرة, كما مر.

بينما يكون "العدل" مفهوما أعم وأوسع من "المساواة", وهو مرن وحركي (ديناميكي) يمكن تطويعه ليلائم كافة الحيثيات التي علينا أخذها بنظر الإعتبار, عند وضع القانون الذي يحكم وضع المجتمع بصورة عامة, والمرأة بصورة خاصة.

 فبالعدل يمكننا أن نلغي حكم القانون عن شخص ما اضطر اضطرارا واضحا لمخالفته. كالذي سرق لسد جوعه. بينما لا يمكننا عمل ذلك بالمساواة. لأن المساواة في القانون تفرض علينا أن نحاكمه كأي إنسان آخر, لأنه مساو للآخرين بإنسانيته. لكن العدالة تفرض علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار العوامل الأخرى التي اضطرته هو ذاته ـ ودون غيره ـ لمخالفة القانون. فإن رفعنا عنه الإضطرار يصبح مساويا من هذه الحيثية ـ فقط ـ للآخرين, فيقع الحكم عليه.

وهذا هو الفرق بين العدل والمساواة في هذا الموضع.

 

هل يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة؟

 ما تجرأ أحد على الإسلام أو على المرأة في موضوع كما تجرأ عليهما في موضوع "نظرة الإسلام للمرأة", فأسرف الكثير طعنا في الإسلام أو في المرأة ذاتها, انطلاقا من مفاهيم خاطئة أو غير واقعية.

 وسادلوا بدلوي في هذا الموضوع, الذي كثيرا ما ابتعدت عن الكتابة فيه. لكثرة الشبهات والأخطاء والعثرات التي تجعل بعض "الدوغمائيين" من الجانبين, يصنفون الناس: إما مع الإسلام, وإما مع حقوق المرأة. وكأنهما نقيضان أو ضدان. وهذا فهم متعجل وغوغائي, يشترك فيه الليبرالي وخصمه. مع اني ضد التقوقع المصطلحي, الذي يجمد الفرد في قالب اصطلاحي غير مبرر, يقيد فيه حرية الفكر والإبداع؛ كاليسار واليمين والوسط والليبرالي والإسلامي والقومي . . وهكذا. (فأنا كلهم , ولست واحدا منهم)!

 

أقول:

 نظر الإسلام لجنسي الإنسان من خلال زاويتين أو بعدين, هما:

 1ـ البعد الذاتي.

2ـ البعد الموضوعي أو الخارج عن الذات.

 فقد ساوى الإسلام ـ من وجهة نظري المحتملة للخطأ والصواب ـ بين الذات الإنسانية للرجل و المرأة. فشهادة المرأة ـ مثلا ـ مساوية لشهادة الرجل عندما يتعلق الأمر بهما كفردين أو ذاتين إنسانيتين. دون تعلق هذه الشهادة بأفراد آخرين. حيث تدخل عوامل أخرى في المعادلة لتغير نتيجتها فيما بعد.

 ففي سورة النور الآيات (6, 7, 8, 9), قال تعالى: " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)".

 وهذا حكم عادل. نبع عدله من المساواة, لأن الأمر متعلق بذاتين منفردتين وجها لوجه, دون دخول عنصر خارج عنهما. ولا أعلق على الاختيار الدقيق لكلمة "لعنة" على المدعي إن كان من الكاذبين, و "غضب" على المدعى عليها إن كان من الصادقين . . فهو متروك للمتخصصين في بلاغة القرآن الكريم ولمفسريه, أو لبحث خاص في هذا الموضوع.

نلاحظ أن هناك خمس شهادات من الرجل يقابلها خمس من المرأة, ولو كان الإسلام يفرق بين ذاتيهما لكان عدد شهادات الرجل يختلف عن عدد شهادات المرأة. ولكون الأمر يتعلق بهما فقط " وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ", ساوى الإسلام بينهما. وهناك أدلة كثيرة مشابهة, أتركها لمن شاء أن يبحث في هذا الموضوع, لأن هذا مقال مرتجل, وليس بحثا موسعا.

ولو كانت شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل كما قد يفهمه البعض من الآية (282) من سورة البقرة: " . . . وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى . . . " لكان من المفترض أن تشهد المرأة عشر شهادات في مقابل الشهادات الخمس التي يشهدها الرجل في الآية الأولى. وبما أن القرآن لم يذكر ذلك بل على العكس أثبت المساواة في الآية الأولى عند تعلق الأمر بذاتيهما, فستسقط دعوى أن الإسلام يفرق بين ذوات الفرد الإنساني بناءا على جنسه.

إذا كيف نفسر الاختلاف في الآية الثانية؟

يبدو واضحا أن الحكم هنا "منصوص العلة" كما يسمى, فعلة معادلة شهادة الرجل بشهادة امرأتين هي: " أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى". ولست هنا مفسرا للقرآن فأفصل في معنى "تضل" لأن المقال مرتجل ـ كما ذكرت سابقا ـ فأترك الرجوع إلى مصادر التفسير لمن يريد البحث في هذا الموضوع.

ولكن لعل "النسيان" هو أحد المعاني. وعلى كل حال, فالفارق بين الشهادتين ليس ذاتيا, وإنما موضوعي. يتمثل بصفة خارجة عن ذات المرأة؛ قد تكون النسيان أو غيره. وعلى من يخالف ذلك أن يثبت العكس فدليله ـ عندي على الأقل ـ هو الصدق المقطوع به للقرآن (بسلسلة الدليل العقلية المحكمة والوجدانية المطمئنة) وكذلك عدم ثبوت العكس.

لقد سمعت هذه الدعوى كثيرا ممن ليس له دراية, أو حتى عناية فيما يتكلم فيه. فتراه يلقي الكلام على عواهنه, لغرض الظهور والشهرة أو الجدل السياسي والفكري!

 

 


 


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com