الدستور العراقي ...أنتكاسة مشروع الاصلاح الامريكي
فهد ناصر
fehed_naser@hotmail.com
رغم كل مظاهر الفرح والسعادة التي أظهرها الرئيس الامريكي جورج بوش بمناسبة اكمال مسودة الدستور العراقي،الا ان تلك المظاهر كانت تحمل في طياتها أعترافات مضمرة بأن مشروع أمريكا للشرق الاوسط،مشروع الاصلاح السياسي ووضع حد لممارسات الانظمة القمعية والاستبدادية وأطلاق الحريات السياسية وأقامة الانظمة الديمقراطية واقرار حقوق الانسان قد واجه صفعة قوية جدا،فالآمال والتمنيات العريضة التي رافقت حملات الدعاية الامريكية حول عصر الحرية وحقوق الانسان تواجه نكسة قوية من السهل تلمسها بعد أول قراءة بسيطة لمسودة الدستور العراقي.
لعل الدعاية السياسية والاعلامية الامريكية التي أنطلقت قبل أنطلاق الشرارة الاولى للحرب الامريكية ضد النظام البعثي القذر،أرادت وفي كل لحظة ان تطبع في أذهان العراقيين اولا وفي أذهان مواطني البلدان الاخرى التي وضعتها الادارة الامريكية على أجندتها المستقبلية من أجل احداث التغيير السياسي وتغيير الانظمة الحاكمة فيها،ثانيا،من ان العراق سيكون الخطوة الاولى او البؤرة التي تنطلق منها كل قيم الديمقراطية وحقوق الانسان والاصلاح السياسي والرفاه لتعم الشرق الاوسط وربما العالم قاطبة ،غير ان هذه البؤرة قد بدءت بالتحول الى بؤرة لاشعاع قيم الرجعية والتخلف ومعاداة الانسان،بؤرة لتصاعد حدة النزعات الطائفية والقومية اللاانسانية،بؤرة للحرب والقتل والدمار وسط حمى أعلام فاقد لكل التوجهات الانسانية والحضارية ولايعنيه سوى اشاعة مشاهد السيارات المفخخة وقطع الرؤوس وجثث الابرياء والاطفال،يؤرة لأنهيار كل السمات الحضارية والمدنية للمجتمع وتحول الانسان في العراق الى ألعوبة بيد قوى سياسية وعشائرية ودينية غارقة في الرجعية وأستلاب أرادة وكرامة الانسان واخضاعه بقوة السلاح او بقوة التحميق الديني والطائفي والعشائري.
بؤرة الاشعاع او جنة الديمقراطية كما تدعي الادارة الامريكية في كل أحاديثها عن العراق،قد تحولت الى بؤرة للارهاب المتنامي وطغيان عهد الملثمين او بؤرة للارهاب وتياراته وفصائله التي أصبحت قوة تتنافس مع أمريكا بكل قواها العسكرية في مسألة حسم الاوضاع السياسية في العراق.ان بوش وبكل خسة يسعى مرة اخرى لتضليل الامريكيين عندما يدعي ان أستمرار الحرب والمواجهات مع الجماعات الارهابية في العراق تعني حماية المواطن الامريكي من الهجمات الارهابية او حماية الولايات والمدن الامريكية من مخاطر تحولها الى ساحات حرب مع الارهابيين او ان أنسحاب القوات الامريكية من العراق سيضعف امريكا إإإ فأي خسة هذه،وأي صلافة أن يعلن بوش من ان حربه مع الارهابيين ستطول حماية للامن الامريكي إإإ ولم لا، مادامت هناك أنقاض بلد يدعى العراق تحول الى ساحة للحرب والدماراو مادام هناك بشر ابرياء يذبحون في كل لحظة وكل يوم وتحولت حياتهم الى حجيم متواصل بيد وحوش الارهاب الاسلامي او بيد عصابات البعث القومي الفاشي او بيد مخابرات دول تجد ان تعقيد الاوضاع في العراق سياسيا وامنياَ سيزيد من المشاكل والعقبات التي تواجه أمريكا وتعجزها أخيرا من الاقدام على أية خطوة بأتجاه احداث تغيير فيها من على شاكلة أيران وسوريا او دول عربية اخرى تكررت كثيرا على لسان ساسة البيت الابيض وقد نجحت هذه الدول في مساعيها وانها تتطلع لاقامة نظام حكم في العراق مشابه لحكمها وان كان نسخة مشوهة وبائسة لكنها أشد فتكا وسحقا لحرية وأرادة العراقيين.
لم تكن مسودة الدستور العراقي التي اعلنت الا مشروعا ملغوما وأنذارا بتعقيد الاوضاع السياسية وتهديد بحروب ونزاعات عرقية وطائفية من الصعب التكهن بعواقبها،دستور كتب لمصلحة قوى معينة وهو تعبير صارخ عن تطلعاتها القومية والطائفية،هذه القوى وعندما وضعت أسم صدام وحزبه الفاشي في ديباجة الدستورفأنها تريد ان توجه رسالة شديدة الوضوح الى العراقيين بأن خلاصهم من الدكتاتورية والقمع والاضطهاد البشع يجب ان يدفعهم للقبول بما تريده هذه القوى او تخطط له.انها تسعى لاستغلال أسم صدام وشبح حزبه المرعب مثلما تسعى لاستغلال بكائياتها المريرة ومظلوميتها المتواصلة واتخاذها وسيلة للابتزاز في لعبة المساومات والمحاصصات القميئة وأقصاء قوى سياسية كثيرة .ان هذه القوى ومثلما تكرم صدام وتتغنى بكل جرائمه عندما تضعها في ديباجة دستور قومي وطائفي فأنها تكرس حكم أسلامي وان كان تحت اسم الجمهورية العراقية.
ان من يتحدث عن الدستور العراقي وانه يشكل فاتحة لعصر جديد في العراق ونموذجا جديدا سيجد ما يمكنه التحدث به فكل شيء غائم ومبهم وخصوصا ما يتعلق بمسألة الحقوق والحريات ،فكل شيء محفوظ ومصان شريطة ان لايتعارض مع بنود الدستور الاسلامي الذي ينص صراحة على منع اصدار اي قانون يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية،يقولون انه دستور جديد، نعم فمادام لم يقر بمنع ممارسة الطقوس والشعائر الدينية العنيفة والقاسية فهو دستور جديد لانه يتيح لقوى الاسلام الشيعي ان تنظم مهرجان الدم والجلد بالسلاسل ثارا او استذكارا لواقعة كربلاء،مثلما سيعطي للقوميين الاكراد ان يتاجروا بمآسي حلبجة والانفال وبممارسات نظام البعث ضد جماهير كردستان.
الدستور العراقي اذا ما أقر فانه سيكون درسا قاسيا جدا للادارة الامريكية وهي تشاهد ان الادعاءات حول الحريات الفردية والمدنية والحقوق الاساسية المعاصرة ،أقرار واحترام الهوية الانسانية للافراد بعيدا عن كل أشكال التمييز والتعصب التي حملتها أسوة برايات الحرب ضد نظام البعث وصدام حسين،قد أخلت مكانها لحقوق الطوائف والقوميات والاقليات والعشيرة حتى أصبحت هوية الانسان تعرف من خلال انتماءه لطائفة او قومية معينة وليس على اساس انسانيته او منجزاته وابداعاته ولا على أساس افكاره ومساهمته في بناء المجتمع او الدور الذي يمكنه ان يقوم به،فيما أصبحت الشريعة الاسلامية بكل أحكامها المشوهةِ والمستلبةِ لارادة الانسان وتطلعاته ورغباته،تحتل مكانة الاحكام والقوانين المعاصرة او تلك القوانين التي طالما تمنى العراقيون ان تسود في بلادهم ،قوانين تنطلق من كرامة الانسان وحقوقه وحرياته وتكون اداة للحد من تنامي النزعات والاعراف الدينية والعشائرية والقومية بشكل يزيد من المواجهات والصراعات وبما يهدد مستقبل ملايين البشر.
ان الحديث عن بلد تسوده سلطة القانون سيزاح جانبا لصالح الحديث عن بلد تسوده سلطة الطائفة والقوميات المتعددة والمتصارعة وقيم العشيرة البالية بما يساهم في تشويه العلاقات الاجتماعية ويخلق معضلات كبيرة امام حرية النشاط السياسي والفكري الذي لاينطلق من ارضية طائفية او قومية.
ان من يريد مستقبلا حرا ومشرقا للعراق عليه ان يقول لا لهذا الدستور.