|
الأهداف الحقيقية وراء رفض النظام الفدرالي حمزة الجواهري ناشط سياسي عراقي / ابو ظبي
أثناء كتابة هذه المقالة، كنت قرأت أكثر من مقال يشير لذات الأفكار والرؤى التي سترد بها، ولكن كان لابد لي من التأكيد على تلك الآراء السديدة والتمسك بها كما العروة الوثقى حتى يتم لنا التخلص من المرض الخبيث الذي استشرى بالجسد العراقي، ذلك المرض الخبيث كما السرطان المتمثل بالتوأمين الأزليين، البعث والإرهاب. ربما الأكثر استفزاز لضحايا النظام المقبور هو ذلك النباح الملح والغبي من قبل دعاة عودة الجيش القديم وكذا محاولات إعادة تأهيل البعث تحت مسميات كثيرة مختلفة، وكأن البعث لم يرتكب جريمة من أي نوع كان، أما تلك الجرائم التي لا يمكن تصور حجمها، ما هي إلا من فعل البعث الصدامي، في حين لم يستطع دعاة هذه النظرة الغريبة أن يبينوا لنا السبب الحقيقي وراء ارتكاب تلك الجرائم، فهل هي مجرد سلوك شخصي لنفر من البعثيين؟ أم هي جزء من الفكر البعثي الشمولي؟ ففي الواقع أن المسألة تكمن بفكر البعث الذي يعتمد أساسا التفرد بالسلطة ولا يقبل بأي شريك إلا على أساس أنه شريك مؤقت من أجل تجاوز مرحلة من مراحل عملية السيطرة المطلقة على السلطة، وهذا السلوك ليس حكرا على البعثيين فقط،، فهو سلوك أي حزب يحمل الفكر الشمولي. إن الربط فيما بين البعث والقوات المسلحة القديمة من الوضوح بحيث لا يمكن التجاوز عليه أو الفصل بينهما، لذا نجد الكثير من الأطراف السياسية ذات الجذور البعثية قد عملت ومازالت تعمل بكل قوة على إعادة تأهيل الجيش القديم بحجة واهية وهي أن ليس جميع البعثيين مجرين، فقد تبين فيما بعد، أو الذي حصل على أرض الواقع هو أنهم أعادوا تأهيل المجرمين، فكان نتيجة ذلك أن قللوا من فاعلية الجيش والقوات المسلحة الجديدة في محاربة الإرهاب لوجود ذلك الاختراق الخطير في هذه المؤسسات، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فإن إعادة التأهيل من حيث الأساس تهدف إلى خلق الظروف الموضوعية من أجل الانقضاض على السلطة بانقلاب عسكري على الحكومة المركزية التي تمتلك كافة السلطات في البلد، وهذا هو السبب أيضا في إصرار البعثيين على رفض الفدرالية كونها توزع السلطات في البلد مما يجعل من المهمة صعبة جدا أن تكون من خلال انقلاب عسكري، حيث أن الانقلاب يعتبر أحد أهم الآليات التي يؤمن بها البعث في الوصول إلى السلطة، حيث كان قد جربها عدة مرات في العراق وفي دول عربية أخرى. ربما لاحظ معي جميع المراقبين السياسيين ذلك الاصطفاف البعثي العراقي والعربي من أجل إفشال مشروع النظام الفدرالي في العراق، فلو عدنا إلى طبيعة اعتراضاتهم على مسودة الدستور، سنجد أنها تتمثل أولا بالموقف من حزب البعث كونه محظور كأي حزب شمولي النزعة، والهوية العربية للعراق بغض النظر عن الهوية القومية للمكونات الأخرى في المجتمع العراقي، وبالخصوص الكورد التركمان كونها القوميات الأوسع بعد العرب ضمن النسيج العراقي المعقد من حيث التركيب. أما الاعتراض الأهم فهو على الفدرالية، وهنا مربط الفرس بالنسبة لهم، فلو رجعنا لسلوكيات هذه الكتلة السياسية المصطفة اليوم من أجل الوقوف بوجه النظام الفدرالي، نجدها تحمل هوية سياسية محددة واضحة، وهي الارتباط بحزب البعث أو كيانات سياسية ضعيفة تطلب مودة هذا الكيان المسخ، ولا ترتبط أصلا بمذهب إسلامي، فهم خليط من السنة والشيعة، وربما الشيعة ضمن هذا التكتل الرافض للفدرالية يشكلون التيار الأوسع، ولكن الدعوة تبدوا كما لو أنها سنية، أو هكذا أريد لها أن تكون، حيث جاء هذا الخلط بسبب مصادرة الواجهات البعثية إرادة المجتمع السني العربي، والحديث باسمهم كنتيجة لنشاط فلول النظام المقبور في تلك المناطق، فمن يرفع صوته يكون قد عرض نفسه وعائلته لعقاب شديد. لقد قالها الجميع وحذروا من إشراكهم، لأنهم لم يشاركوا بكتابة الدستور إلا من أجل شل أعمال اللجنة المسؤولة عن كتابته، ومن ثم إدخال العملية السياسية في متاهات لا نهاية لها ما لم يتحقق لهم الهدف الأسمى المتمثل بإعادة تأهيل البعث والبقاء على مركزية السلطة مع التأكيد على الانتماء العربي، لكي يكون الانقلاب العسكري بعد إقرار الدستور مدعوم من الدستور ذاته، وكذا مدعوم عربيا بإقرار من الدستور العراقي أيضا، وما الانقلاب العسكري الذي يعدون له إلا من أجل حماية الدستور الذي يمكن تعديله وإعادة تفصيله حسب المقاسات البعثية بأسرع وقت ممكن. تلك هي المؤامرة بخطوطها العريضة. الاستراتيجية التي إتخذوها لأنفسهم بسيطة للغاية، جميع المتفاوضين البعثيين في لجنة كتابة الدستور يجلسون على طاولة المفاوضات ومن خلفهم فرق الاغتيال كما وصفهم د ليث كبة بصدق، ليس هذا وحسب، فإنهم ينسقون مع ما يسمونه بالمقاومة، يدا تصافح وأخرى تقتل الأطفال وتشعل الحرائق في بغداد لرفع درجة الحرارة إلى حد الغليان، والإعلام العربي يقف بصفهم تماما وهذا ما يؤكد ما ذهبنا إليه ويفضح النوايا الحقيقية من وراء تلك الدعوة، فإننا نسمع فضائية العربية تذيع خبر الانتهاء من كتابة المسودة بالشكل التالي، "مسودة الدستور لا تلبي طموح الشعب العراقي"، وفضائية الجزيرة تقدم رفض حزب إسلامي صغير للمسودة قبل أن يعلنوا الخبر الذي استبشر به الشعب وخرجت المدن العراقية ترقص فرحا بهذا الانجاز التاريخي، إذا ليس غريبا أن نرى هذا النوع من التضامن بين فلول البعث والمحيط العربي الذي يريد شرا بالعراق وشعبه، فإنهم مذعورين من نجاح العملية السياسية في العراق، وفي الواقع إن أكثر ما يثير الذعر في نفوسهم هو النظام الفدرالي الذي إتفق عليه العراقيين، لذا فالمسودة لا تحقق طموحهم، بل تصيبهم بمقتل. نحن الضحايا، نعرف تماما أن هذه الرفض للواجهات البعثية سوف يستمر مادام الضباط الطائفيين والعنصريين خارج ثكناتهم، ذلك لأن التشكيلات المنحلة هي الوحيدة التي تستطيع أداء المهمة الأساسية وهي السيطرة على السلطة من خلال الانقلاب العسكري. وهكذا فإن إن ثمة إجراء كان الأصح منذ سقوط النظام وحتى هذه اللحظة، وهو حل الجيش الصدامي والقوات المسلحة بعد أن حلت هي نفسها وانتقلت إلى الجحور بلمح البصر تاركة ورائها ركاما هائلا من المعدات العسكرية المحطمة، أما الشرطة التي لم تكن تملك سوى تلك البنادق الصدئة، فقد ذابت هي الأخرى معلنة بذلك انتماءها المطلق للنظام البائد، فتركت السجون والمعتقلات ومواقع الحراسة وجميع المخافر، وخلع الجميع ملابسهم العسكرية ليرتدوا بدلا منها الثياب الشعبية، وهكذا انتهى الجيش والقوات المسلحة العراقيين بعد أن عبرت دبابة الأمريكية واحدة فقط جسر الجمهورية متجهة نحو صوب الكرخ. في الواقع بقي افراد هذا الجيش يعيشون بحالة من الهلع والخوف من انتقام الضحايا وأهاليهم، فقد كانوا وحدهم يعرفون تماما حجم الجرائم التي ارتكبوها بأيديهم، لكن بالرغم من حجم جرائمهم وبشاعتها، لم يحدث أي عمل انتقامي، فما حصل هو أن الحاكم الأمريكي للعراق المحتل قد أصدر شهادة وفاة لهذا الجيش وباقي القوات المسلحة وذلك بحلها رسميا، كانت حقا شهادة وفات ولم تكن قرارا بالحل، لأنها لم تكن موجودة أصلا. في الواقع لم تبقى تلك الفلول الجبانة طويلا في الظل، فلم تلبث أن عادت من جحورها لتعمل بوضح النهار مع الواجهات السياسية البعثية جنبا إلى جنب بعد أن أدركوا أن لا أحد يريد بهم السوء، وليس هناك من هو على استعداد ليزيد من مأساة العراق ويأخذ بالثأر رغم وفرة السلاح في الأسواق الشعبية، وبذات الوقت أدركوا أيضا أن الوضع مشجعا للعمل بالضد من العملية السياسية وإقامة نظام ديمقراطي تعددي طالما انتظره العراقيين. ربما سوف يبدي هؤلاء الرافضيين للفدرالية بعض التنازلات في المرحلة الحالية، بأن يقبلوا بمبدأ الفدرالية لإقليم كوردستان دون أن يكون لباقي المناطق العراقية، فإنهم بهذا أيضا يستطيعون الوصول إلى هدفهم بمساعدة دول في الجوار والسيطرة على المركز وجميع أراضي العراق باستثناء كوردستان، وهذه الأخيرة سوف لن تستطيع الصمود طويلا أمام الضغوط والتحرشات الإقليمية، فالتنازل يمكن أن يكون تكتيكا جيدا ويسهل عليهم العملية ويجعل منها عملية بعدة مراحل، الأولى تكون السيطرة على المركز والجنوب ومن ثم كل العراق. لذا أجد من الضروري لمستقبل العراق سد الطريق على تلك الفلول من الدخول إلى الجيش والقوات المسلحة مرة أخرى، هذا من جانب ومن جانب آخر، الاستمرار بسياسة اجتثاث البعث من أعمق جذوره في العراق، والعمل على حضر أي فكر شمولي على غرار البعث، لكن مع التأكيد على ذكر البعث فقط دون تحديد الصفة كونه صدامي أو غير صدامي، لأن في حال وصف البعث بالصدامي، فإن ذلك قد يعني أن هناك بعث شريف، وهذا مخالف للواقع، وكذا فإن وصف البعث بالصدامي قد يعني أيضا أن الأحزاب التي تمتلك برامج سياسية هدفها النهائي التفرد بالسلطة، هي أحزاب مشروعة، بهذا يكون كتاب الدستور قد ارتكبوا خطا كبير بحق الأجيال، لأن هذه الأحزاب سوف تبقى تعيق أي عملية سياسية حقيقية تهدف إلى البناء وإسعاد الشعب العراقي بإقامة نظام ديمقراطي تعددي وفدرالي، وسيكون همها الوحيد هو التفرد بالسلطة ورفض الشركاء، ولابد أن تعود التصفيات الجسدية والهدم وكل أشكال العنف للعراق، ولكن بأيد أخرى غير بعثية. النظام الفدرالي للعراق إذا، يجب أن يبقى أسمى الأهداف كونه يوحد العراقيين ولا يفرقهم كما يزعم البعثيين، فقد سمعناهم وهم يرفضون دون أن يكون لديهم دليل مقنع، كما ولابد من تنظيف الجيش الجديد وقوى الأمن الداخلي من فلول البعث كضرورة موضوعية بعد أن عرفنا أهدافهم بوضوح.، وحضر عمل أي جهة تدعوا لإعادة تأهيل القوات المسلحة القديمة وترفض النظام الفدرالي وتدعي عروبة العراق بكل مكوناته، ويجب أن تعتبر هذه القوى خارجة على القانون، لأنها تريد شرا بالعراق، ويجب أن يتم إبعادها عن العملية السياسية لضمان استقرار البلد ونجاح العملية السياسية. كما ولابد من تهيئة قوة طوارئ قوية وفاعلة وغير مخترقة من قبل فلول البعث، الصدامي وغير الصدامي، لتكون على أهبة الاستعداد كي تتحرك للقضاء على كل من تسول له نفسه إن ينال من العملية السياسية ومستقبل العراق من خلال الانقلاب العسكري، ويجب أن نركز كل الإمكانيات المتاحة من أجل القضاء على الإرهاب البعثي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |