صدام خط أحمر

 

علي الشلاه

كاتب واكاديمي عراقي

مدير عام المركز الثقافي العربي السويسري

erde4uns@hotmail.com

 

 

صعق العراقيون في اليومين الماضيين بقيام عدة افراد برفع صورة الدكتاتور المهزوم صدام التكريتي في  مظاهرة صغيرة في احدى المدن ذات الاغلبية السنية العربية في العراق بحجة معارضة الفدرالية ومعارضة الدستور ، الامر الذي ازم الموقف في كل المدن والمحافظات العراقية واضعف جبهة الرافضين للفدرالية لأنه صورهم وكأنهم يطالبون بعودة الحكم الطائفي العنصري المتخلف نكاية بضحاياه الذين يشكلون غالبية مطلقة في العراق ، كما اعطى الحادث على تفاهته دعماً كبيراً للقوى المطالبة بالفدرالية لأنه قدم البرهان على وجود نزوع للصدامية لدى الأقلية التي كانت تحكم العراق بالحديد والنار وان الزعم  بزوال هذه الطروحات المريضة بزوال صدام ، وان لا خوف على الأطراف من المركز، هو مجرد تهويمات لا ارضية لها في العراق ، كما اضعف هذا الحدث موقفنا نحن الذين نقول دائماً ان صدام مجرم والمجرم هويته الاجرام وليس الطائفة او العرق الذي تحدر منه ولا يجوز تحميل السنة العرب وزر جرائم صدام الذي كان رأس عصابة اغتصبت السلطة واستخدمت الطائفية لتبرير بقائها وان بعض ضحاياه كانوا سنة وان كانوا أقل من ضحايا المكونات العراقية الاخرى بكثير .

وقد يبدو منطقياً ان يقوم اتباع صدام برفض الدستور- أي دستور - لأنهم لايعرفون ماهو ولم يسمعوا به طوال خمسة وثلاثين عاماً كان فيها ابو المعارك التكريتي ظل الله في الأرض والآمر الناهي الذي حول جهالهم الى وزراء ومدراء على قاعدة الولاء وليس الكفاءة وسلكهم على رقاب العراقيين،  في حين يريد هذا الكائن الخرافي المسمى الدستور ان يعتمد الكفاءة والشهادة الأكاديمية ويريد تحديد الصلاحيات والمسؤوليات ويتحدث عن حقوق الانسان وعن الانتخابات ولجان النزاهة وغيرها مما لم يألفه هذا النفر البدائي الجاهل .

اني اريد التذكير هنا بأن صدام ليس الطاقة الكهربائية لكي نتظاهر من أجلها وليس احتلالاً واجب الزوال لكي نبين رأينا فيه وضده بالتظاهر ، ان صدام هو الكارثة التي جرت كل الكوارث وهو القاتل الذي يتوزع ضحاياه في كل بيوت العراقيين الشرفاء من زاخو الى الفاو ، وان هؤلاء الضحايا لم ينالوا الانصاف بعد،  وهناك قتلة مجرمون من اتباعه مازالوا يقتلون ويفجرون العراقيين كل يوم ، وان الذي يرفع صوره يضيف نفسه الى قائمة المجرمين هؤلاء ، وليس الأمر مجرد اغاضة لهذا الطرف او ذاك يتعمدها المراهقون والجهلة وهم يرون السلطة بيد غيرهم ، وان هؤلاء المتظاهرين يضعون حاضناتهم  الفكرية والمذهبية في دائرة الاتهام بجرائم صدام والشراكة فيها ممايزيد الازمة تعقيداً ويفاقم حلولها على العقلاء.

ان على الحكومة ان تفرض القانون وان تمنع كل المظاهرات غير المجازة سلفاً ، كما يحصل في كل دول العالم المتحضر ، وان تبين ان هكذا مظاهرة تصيب الوحدة الوطنية العراقية بمقتل وهي ممنوعة بتاتاً ، كما ان على العقلاء والوجهاء والناشطين السياسيين في مناطق هذه المظاهرة ان ينتبهوا الى الخطورة التي تحملها هذه المظاهرة على التعايش الاخوي بين المكونات العراقية وعليهم تحديداً وعلى مستقبلهم أيضاً ،  فما الذي يجبر ابناء البصرة والعمارة وكركوك والنجف وكربلاء على تقاسم ثرواتهم مع اناس يمجدون قتلتهم ويسعون الى هلاكهم ؟

ان على الاحزاب العراقية كافة وخصوصاً تلك التي تدعي تمثيل السنة العرب استنكار هذه المظاهرة والتبرؤ منها حتى لا تترك مجالاً للمشككين واصحاب الأهواء والمصالح والقادمين من وراء الحدود والمخابرات القريبة والبعيدة في استغلال هذه الحادثة لدق اسفين بين العراقيين يصعب رتقه فيما بعد .

ان تمجيد صدام مثل تقسيم العراق خط احمر لن يرضى به العراقيون مطلقاً ولعل المتبحرين يدركون ان نعرات صدامية مثل هذه قد تذيب هذا الخط الأحمر وعندها سيكون دعاة الصدامية اول الخاسرين وقد علمتنا تجارب السنوات الماضية ما يؤكد ذلك ، فهل يتعظ الجهلة ؟

 

 

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com