|
مظاهرة من أجل العبودية!!
د.عبدالخالق حسين Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
أفادت وكالات الأنباء، وكما شاهدنا على شاشات التلفزة، تظاهرات في بعقوبة وكركوك يوم 26/8/2005، تأييداً لصدام واحتجاجاً على مسودة الدستور. وقد حمل المتظاهرون بمدينة بعقوبة صور الرئيس المخلوع صدام حسين، ورددوا هتافات مؤيدة لحزب البعث، كما وحملوا لافتات مكتوب عليها (الرئيس صدام صانع النصر والسلام) منددين بالدستور الجديد بذريعة أنه يفتت وحدة العراق وهم الذين عملوا على تفتيت الوحدة الوطنية منذ اغتصابهم للسلطة عام 1963. كذلك حمل متظاهرون من يسمَّون بالتيار الصدري بالإشتراك مع البعثيين في مدينة كركوك صور مقتدى الصدر ولافتات تدافع عن حزب البعث، وفي تناغم تام مع حلفائهم البعثيين الصداميين ولذات الغرض. هذه المظاهرات لها دلالات عديدة، وتعني أموراً كثيرة نذكر منها ما يلي: 1- إن العراق ولأول مرة في تاريخه يستطيع أعداء الحكومة الخروج بمظاهرات معادية للسلطة بهذه العلنية وتخرج الشرطة لحمايتها بدلاً من سحقها كما كان يحصل في العهود الماضية. أما في العهد البعثي المقبور فكان هذا النوع من الاحتجاج يقابل بفتح مقبرة جماعية للمتظاهرين. وهذا دليل الديمقراطية التي لم يستفد منها غير أعداء الشعب وأعداء الديمقراطية ذاتها. فالحرية التي وفرتها لهم أمريكا وبريطانيا يطالب هؤلاء المتظاهرون بسحب قواتهما لكي يخلو لهم الجو لتنفيذ ما تبقى من مخططاتهم الإجرامية لإعادة نظام الإبادة الجماعية. 2- هذا دليل على نجاح صدام حسين في تحويل قطاع واسع من الشعب العراقي إلى عبيد يمجدون العبودية ويرفضون العيش أحراراً مع بقية الشعب بسلام في نظام ديمقراطي حر وعادل لا يميز بين مكونات شعبه. فقد أثبت صدام حسين أنه كان عبقرياً في الإجرام criminal geniusبكل معنى الكلمة، حيث استطاع الربط بين آيديولوجة البعث والطائفية وصبهما في سبيكة صلبة، خدمة لأغراضه الشخصية ودوام تسلطه على الشعب وتحويل هؤلاء باسم الآيديولوجية القومية والمذهبية إلى أداة طيعة لقمع الشعب. لقد نجح صدام في ترويض هذه الوحوش الكاسرة إلى إرادته وطوع بنانه، أشبه بمروض الوحوش في السيرك. فما أن سقط نظام المروِّض حتى انطلقت هذه الوحوش في أوساط الشعب لتنهش بالناس الآمنين بمنتهى الوحشية. 3- كنا نعتقد خطأً، بأن معظم البعثيين كانوا يتمنون سقوط النظام لكي يتحرروا من العبودية وينضمّوا إلى الشعب ليساهموا في إعادة بنائه بعد أن هدمته الحروب العبثية ودمره الحصار الاقتصادي. ولكن للأسف الشديد، تنكر هؤلاء لشعبهم وأدمنوا على العبودية وصاروا على استعداد تام للتضحية بأنفسهم ومستقبلهم من أجل عودة عبوديتهم. فهؤلاء هم أعداء الحرية والديمقراطية، وكما وصفهم المتنبي: لا تشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد ولوكان المتنبي حياً اليوم لقال (إن البعثيين لأنجاس مناكيد). فالكل يعرف كيف حوَّل صدام حزب البعث إلى جهاز للتجسس يحصي على الناس أنفاسهم وكان يعامل بمنتهى الوحشية حتى أقرب الناس إليه عندما يشك بولائه. سمعنا كيف انتقم من وزير الصحة الدكتور رياض الحاج إبراهيم، كما وعرفنا قصة الطبيب راجي عباس التكريتي وهو من عشيرة الجلاد الذي عاقبه بعد أن ألقاه في قفص حديدي وأطلق عليه كلاب جائعة افترسته وهو يتفرج على الضحية. كذلك نعرف كيف عامل صهريه حسين كامل وصدام كامل بعد أن استدرجهما من عمان إلى بغداد وذبحهما بطريقة حرب القبائل في الجاهلية لغسل العار وإعادة شرف القبيلة، وجاءوا برأسيهما إليه في أكياس بلاستيكية ليؤكدوا تنفيذ أوامره وولاءهم له. فهل حقاً يستحق هكذا جلاد الدفاع عنه بخروج مظاهرة من أجله. وهل يدافع عن هكذا جلاد غير العبيد الذين أدمنوا على العبودية؟ إن هذه المظاهرة تتطلب من علماء النفس والاجتماع دراسة هذا الشعب وآثار البعث عليه وكيف يمكن تحويل الإنسان إلى وحش كاسر وآلة طيعة وعبد ذليل في ظل الاستبداد. 4-مظاهرات البعثيين تمت بتنسيق تام مع ممثليهم في لجنة صياغة الدستور الذين تمادوا في ابتزاز الأعضاء الآخرين لإلغاء الديمقراطية وفرض شروط تعجيزية على الدستور وإبقاء ما كان مفروضاً على الشعب في العهد البائد. المؤسف أنهم نجحوا في طرح أنفسهم كمتحدثين باسم السنة العرب، وهم الذين ادعوا أنهم كانوا ضحايا البعث وصدام. وهاهم يدافعون عن البعث وصدام حسين وتصرفوا كبعثيين لا كسنة عرب. وقد ارتكبوا جريمة شنيعة بحق السنة العرب بجعل البعث رديفاً لهم. كان عليهم أن ينأوا بأنفسهم والعرب السنة الذين يمثلونهم عن البعث وجرائمه لا أن يدافعوا عن هذا البعث المجرم ويجعلوا من أنفسهم واجهة له. فكلما استجابت لهم الحكومة على طلب، تمادوا أكثر في مطالبهم بإلغاء المكتسبات الديمقراطية. فهم يطالبون بإسقاط مبدأ (اجتثاث البعث) من الدستور وإطلاق سراح جميع المعتقلين الإرهابيين وسحب القوات الأجنبية وبذلك ستتوفر لهم الفرصة الكاملة لإغراق العراق بأنهار من الدماء والمقابر الجماعية وعودة النظام الفاشي. كما هدد أحد قادة المظاهرة بكل صفاقة ووقاحة، وهو جنرال سابق في جيش صدام قائلاً:«أمامنا كل الخيارات والطرق، ونحن قادرون على اشعال العراق بكامله». ومن المؤسف حقاً أن القوات الأمريكية استجابت لهذا الابتزاز إذ قال بيان للجيش الأمريكي يوم السبت 27 آب 2005، إنه تم إطلاق سراح قرابة ألف معتقل من سجن أبو غريب "بناء على طلب من السلطات العراقية". ويأتي هذا الإجراء، الذي يعد أكبر إطلاق سراح لسجناء حتى الآن في العراق، في أعقاب مناشدة ممثلي السنة في المحادثات المتعثرة لصياغة الدستور، الحكومة العراقية بدء الإفراج عن آلاف المحتجزين لشهور دون توجيه اتهامات. bbcarabic.com). ولكن هل إطلاق سراح هؤلاء المجرمين الذي اعترفوا بجرائمهم سيقنع ممثلين "السنة العرب" في الموافقة على الدستور والبناء الديمقراطي في العراق؟ أشك في ذلك والأيام القادمة سوف تثبت ذلك. 5- أثبت التيار الصدري أنه صار ملاذاً لفدائيي صدام وغيرهم من البعثيين الشيعة، يوفر لهم الغطاء لمواصلة جرائمهم بحق الشعب، وفي هذه المرة باسم الدين والتيار الصدري عن طريق افتعال الأزمات والصدامات الدموية مع التنظيمات الشيعية الأخرى وابتزاز الناس وجر البلاد إلى حرب أهلية طاحنة بحجة المطالبة بتقديم الخدمات للشعب وسحب القوات الأجنبية وإنهاء الاحتلال الأجنبي. ولكن الهدف هو ذات الهدف الذي يعمل من أجله الإرهاب البعثي الصدامي-السلفي الزرقاوي. 6- لقد كشفت هذه المظاهرات بطلان ادعاءات بعض الكتاب العرب الذين روجوا للإرهاب في العراق ووصفوه بأنه مقاومة وطنية شريفة ولا علاقة لها بصدام حسين. وانتقدوا كل من يحاول الربط بين "المقاومة" وصدام حسين بأنه يريد تشويه سمعة المقاومة. فماذا يقول هؤلاء السادة الآن بعد أن رأوا بأعينهم كيف حمل المتظاهرون من "المقاومة الشريفة" صور صدام حسين وهم يهتفون بالروح بالدم نفديك يا صدام؟ هل المطلوب من الشعب العراقي أن يدفع المزيد من الضحايا ليثبت لهؤلاء العربان أن ما يسمونه "مقاومة وطنية" ما هو إلا أعمال إرهابية هدفها إعادة حكم البعث الصدامي ليهلك الحرث والنسل، ليس في العراق فحسب، بل وفي المنطقة العربية كلها؟ إن هذه المظاهرات التي شارك بها الآلاف من البعثيين والصدريين وهم يحملون صور صدام حسين ومقتدى الصدر ويدافعون عن البعث وضد مبدأ اجتثاثه وخلاص الشعب من شروره قد كشفت المستور وفضحت أولئك الذين أدعوا أنهم يدافعون عن حقوق السنة العرب أو عن فقراء الشيعة من التيار الصدري، إنهم في الحقيقة بعثيون فاشيون حد النخاع، يدافعون عن حزب البعث وصدام حسين ويعملون على إجهاض الديمقراطية الوليدة وبدعم من بعض دول الجوار لحماية أنظمتهم الجائرة. ولكن هيهات أن يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء. فمصير البعث قد انتهى في مزبلة التاريخ وإلى غير رجعة والخزي والعار للعبيد الذين تظاهروا دفاعاً عنه ورفعوا صور جرذ العوجة. إنهم يحنون لأيام عبوديتهم. يقول المثل العراقي الدارج: (الدجاجة تموت وعينها على المزبلة!).
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |