|
دعوة لتطهير القضاء ومحاكمة القضاة المقصرين علي آل شفاف 14.09.2005
إن التطبيق الأخرق لمبدأ فصل السلطات, وخصوصا فصل السلطة القضائية ـ في ظرف كالذي يعيشه العراق حاليا ـ وتركها بدون أي رقيب, وتحت سيطرة مجموعة من قضاة البعث ـ مع احترامنا للقضاة الآخرين ـ يعبر عن عدم نضوج فكري و مراهقة سياسية و "ببغاوية". إننا في أشد الحاجة ـ حاليا ـ للحكمة والحنكة والشدة والضبط والإنضباط, لإخراج العراق من واقع مترد, نشأ من تكالب قوى البغي والشر والعدوان والجريمة. لقد بدأت سلسلة الأخطاء المكلفة جدا, والتي لم يتعامل معها سياسيونا بمسؤولية ووعي واهتمام كاف, عندما تركت جميع مرتكزات النظام البائد وهياكل أجهزته الإجرامية ـ متمثلة بجميع أفرادها ـ تسرح وتمرح وتعيث فسادا. تلك الجماعات التي هربت واختبأت في المجاري والحفر في الإسبوع الأول بعد سقوط الصنم. خوفا من قصاص الشعب, كما هو معتاد ومفترض ومطلوب. ولكن . . ما الذي جرى؟ أقولها بكل مرارة وحرقة!! لم نعتبر من الماضي . . لم نعتبر من نتائج "عفا الله عما سلف", ولم نعتبر مما جرى في الإنتفاضة حيث أن من رأفنا بهم ـ هم أنفسهم ـ من وشى بنا وقتلنا, تبجح بعضنا جهلا فقال: "ملكنا فكان العفو منا سجية * * * فلما ملكتم سال بالدم أبطح". ودعى آخرون إلى نسيان الماضي تفاؤلا بمجئ من يفترض أنهم خبروا السياسة ودروبها, والحياة ومآسيها, والظلامة وبشاعتها؛ أولئك الذين ينتظرهم البؤساء ليستعيدوا لهم الحقوق المهضومة وليقتصوا من الظلمة والمجرمين, وليبنوا عراق الأمل المنشود . . ولكن . . لا ندري ألسفها كان في حلومهم؟ أم خرقا في أفكارهم؟ أم خضوعا للأمريكان والعرب؟ أم تصاغرا؟ أم قصورا؟ أم حب السلطة؟ أم أن حجم المؤامرة كان أكبر من إمكاناتهم, لكي يتجاهلوا خطر العصابة "البعثية" , أو يتساهلوا معها؟!! ولكي نكون منصفين! فحسن النية ـ قد يكون ـ متوفر لدى بعضهم, ولكن . . هذا لا يكفي. إذ أن حسن النية ـ إن توفر ـ لا يبرر جسامة الخطأ وفداحة الخسارة. ولكي نكون منصفين مرة أخرى! فإن بعضهم بدأ ـ توا ـ في فهم الواقع وما يمليه من ضرورات عملية. وربما أحس بعضهم ـ أخيرا ـ بفداحة الخطأ في عدم القضاء على القتلة والمجرمين. وبدأ يعمل لإصلاحه على الرغم من الصعوبات الجمة. بعد أن صارت حياة الملايين من الشعب العراقي ـ واقعيا ـ أمانة في أعناقهم. عليهم تحمل المسؤولية كاملة عن أي خسارة تحدث نتيجة خطأ ناشئ عن قصور أو تقصير, ولا مجال للمجاملة والمهادنة في مقابل دماء وأرواح الناس وأقواتهم. فتلك مسؤولية كبرى من يتصدى لها, عليه أن يكون بحجمها وبمستواها. إن حجم المؤامرة وبشاعتها وخسة الخصم ونذالته, لا تواجه بتطبيقات خرقاء لأفكار نشأت في دول مستقرة, تعيش حالة رخاء اقتصادي وثبات سياسي, جاء بعد فترات معاناة وألم وحروب ودمار. كان تعاملهم فيها مع الواقع تعاملا دقيقا, حتى استأصلوا شأفة الخطر والجريمة والتسلط بالقوة . . وبعد كل ذلك بدأوا بتطبيق الأفكار التي تتناسب مع الحياة المستقرة الجديدة. لكن سياسيينا قفزوا على هذه الحقيقة وتجاهلوها, ليحاولوا تطبيق المبادئ المتقدمة للحرية الفردية المتناسبة مع نمط حياة الفرد الأوربي أو الأمريكي, على واقع العراق الحالي!! فكان أول قرار لهم يعبر عن غباء سياسي, واستخفاف بدماء الملايين من ضحايا نظام البعث, ونفاق سياسي واضح للغرب؛ وذلك بإلغاء عقوبة الإعدام. تلك التي عادوا إليها "بعد خراب البصرة". ولو تحجج أحدهم بالضغط الأمريكي لكان عذره أقبح من ذنبه. إن تطبيق مبدأ فصل السلطات في ظرف العراق الحرج الحالي ( ولا أقصد تثبيته في الدستور), وترك العنان لبعض المجاميع من قضاة البعث المجرم ليحققوا العدالة, التي تعني القصاص من رفاقهم وأسيادهم . . ليعد جهالة وحمق وغباء وجريمة . . خصوصا وأن بعض هؤلاء القضاة ـ أنفسهم ـ يستحق القصاص أو العقوبة على أقل تقدير. أي استخفاف هذا؟ . . بل أي سخف أن تضع الجلاد أو من يتعاطف معه حاكما, وتنتظر منه العدل والقصاص؟ فإذا كانت الجمعية الوطنية هي الرقيب على السلطة التنفيذية وهي ممثلة للشعب الذي هو رقيب عليها فمن هو الرقيب على السلطة القضائية إذا؟ وهل أن القضاة ملائكة أو معصومون لا يخطئون أو يتآمرون؟ وما هو أساس القداسة الزائفة للقضاء؟ وكلنا يعلم أن القضاء إذا فسد, فسد المجتمع وانتشرت الجريمة وسادت الفوضى. وقد قيل: "من أمن العقوبة أساء الأدب" . . فضلا عن أن الغريزة الإنسانية تدفع للإنتصاف من الظالم. لذا علينا تطهير القضاء العراقي ـ فورا ـ ووضعه تحت رقابة الشعب متمثلة بأي هيئة شعبية متخصصة ـ كاللجنة القانونية في الجمعية الوطنية مثلا ـ لمتابعة سلامة سير القضاء وإصدار الأحكام وتناسبها مع حجم الجرم ومتابعة تنفيذها ـ أيضا. كما أن على مثل هذه اللجنة تحديد القضاة المقصرين ومحاكمتهم تحت عناوين تبدأ من الإهمال الوظيفي والتقصير في أداء الواجب وتنتهي بالتشجيع على الجريمة والإرهاب وتضييع الحق الخاص والعام. كما أن على الدولة ـ من جهة أخرى ـ تقديم الحماية الكافية للقضاة غير المقصرين. وتقديم الرعاية والرواتب التشجيعية بما يجعلهم في مأمن من الحاجة للرشوة أو المحسوبية وغيرها. أن التطبيق الأعمى للنظريات واستنساخها دون النظر لاختلاف العوامل البيئية أو الواقعية المؤثرة في النتيجة النهائية لا يمكن أن يأتي بالنتائج المرجوة. كما هو الحال في المجال العلمي (النظري والعملي أو التطبيقي). حيث نجد أن هناك فرقا واضحا بين الفيزيائي (الذي يقابل المنظر أو المفكر أو المثقف), والمهندس (الذي يقابل السياسي). فالمهندس ـ مثلا ـ لا يمكنه تطبيق دورة "أوتو" المثالية ـ مباشرة ـ ليصنع على أساسها محرك للسيارة أو غيرها. لأنها مثالية تهمل المتغيرات الواقعية, وتفترض عدمها. بينما لا يمكن للمهندس إلا الأخذ بهذه المتغيرات, وإلا لن يتمكن من تصنيع المحرك. فعلى ساستنا تغيير طريقتهم في التعامل مع الواقع العراقي, بما يتلاءم والخصوصية والحالة الواقعية. آخذين بنظر الإعتبار مفصلية المرحلة التأريخية البالغة الأهمية, التي نمر بها. وعظم المؤامرة التي تستهدف العراق.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |