|
مهمات أمام القوى الديمقراطية في العراق حمزة الجواهري 2005-09-14 على خلاف حزب البعث في العراق، لم تأتي النازية أو الفاشية عن طريق الانقلاب العسكري أو بفعل مؤامرة، فقد جاءت كنتيجة لاستحقاق انتخابي ديمقراطي، لكن في النتيجة أن هذين الحزبين نجحا في صهر جميع مؤسسات المجتمع المدني بداخل حزب السلطة المنتخبة، والذي تحول في مراحل متأخرة إلى مؤسسة وخرج عن كونه حزبا، وعلى التوازي من ذلك تم لهم تهيش القوى الأخرى في البرلمان ومن ثم السيطرة التامة على السلطة التشريعية، ومن خلال آليات الديمقراطية تم لهم تفريغ محتوى استقلالية القضاء، استطاعوا فعل ذلك بعد إمساكهم بالسلطة التنفيذية من خلال الانتخابات. وهكذا لم تبقى في هذه البلدان، العريقة بنظامها الديمقراطي، أية سلطة خارجة عن سيطرة الدولة، ولم يستطع الإعلام من الصمود والحفاظ على استقلاليته، فكل ما يتعارض وأيديولوجية السلطة فهو إما خائن أو عميل أو مرتزق يعمل لصاح جهة أجنبية. بهذه الوسائل وغيرها تم التجاوز على كل أنواع الحريات الشخصية تحت سلسلة من التشريعات الجديدة لتضمن الولاء للسلطة التي كانت منتخبة، وهكذا نشأ النظام الشمولي في هذه البلدان العريقة بديمقراطيتها، وأعيدت التجربة في أكثر من بلد، كان العراق منها وكذا إيران. قد يظن المرء إن حزب البعث في العراق هو وحده من يحمل الفكر الشمولي ولديه الرغبة بالاستحواذ على السلطة والتفرد بها، الأمر أبعد من ذلك بكثير، حيث يبدوا إن الأحزاب التي تسعى لانتهاز أية فرصة للوثوب على السلطة والاستحواذ عليها كثيرة، وتعمل وفق آليات النظام الديمقراطي وكأنهم أبرياء من الفكر الشمولي وليسوا معنيين بالأمر، في حين هم من يمثل الخطر الحقيقي اليوم على الساحة العراقية الآن كونها من ضحايا النظام المقبور وتكتسب شرعيتها من الظلم الذي أصابها، في حين هي تحمل كل فيروسات هذا المرض الخطير. وما ورثناه من النظام البعثي المقبور قبل وبعد سقوطه، هو غياب للدستور وتعطل القوانين في البلد وشل القضاء أو خروجه عن الاستقلالية وتعطل عجلة الإنتاج وانهاء منظمات المجتمع المدني تماما بعد تحولها إلى دوائر أمنية وإستخباراتية وقمعية للأعضاء وإشاعة الفوضى في مناحي الحياة وأتساع نطاق القتل والسرقة وتطور وأتساع أشكال الجريمة وحتى نشوء الجريمة المنظمة وأتساع نطاق الأمراض الاجتماعية الأخرى، كان لابد للمجتمع أن يخلق علاقاته الجديدة لكي تستمر الحياة، فكان الحل السحري بالعودة إلى المرجعيات التي كان الزمن قد عفا عليها ولم تعد تلبي حاجات المجتمع منذ زمن بعيد، وهكذا كانت العودة إلى المرجعية الدينية والعشيرة والحزب الحاكم ومؤسساته القمعية وحتى العصابة المسلحة أو احتكام الفرد العراقي إلى سلاحه كملاذ أخير للوقوف أمام التحديات التي لا قبل له بها، بظل هذا الوضع، استفادت تلك الأحزاب، وبدعم من المرجعيات الدينية أو العشائرية، وتبوأت الصدراة في العملية السياسية التي تهدف إلى بناء نظام ديمقراطي تعددي فدرالي وهي لا تؤمن أصلا بالشريك. المشكلة هي في الأحزاب التي صادرت الشارع العراقي البسيط بظل غياب المرجعيات الحقيقة له، والذي عمق من هذه الحالة هو توقف العملية الإنتاجية بشكل شبه كامل، في الوقت الذي نعرف به أن هذه الأحزاب تحمل برامج طموحة جدا وأكبر من حجمها الحقيق بكثير، لذا لا يجب أن نتوقع أنها سوف تتخلى عن أحلامها وتترك هذه الفرصة لتقيم نظامها الذي ترغب به بدلا من نظام ديمقراطيا نطمح له، وبالسهولة التي يرغب بها التيار الديمقراطي الليبرالي واليساري، خصوصا وأنها تحمل بداخلها خصومة فكرية مع هذا التيار بالذات تكاد أن تكون من ثوابتها في حين هي المسيطر حاليا على السلطة حاليا، ومازالت هناك أحلام كبيرة لأحزاب وتيارات سياسية آخذة بالتشكل وقسما منها قد تشكل فعلا وأخرى دخلت في العملية السياسية منذ اليوم الأول، وهي في واقع الأمر تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى السيطرة على السلطة بمختلف الوسائل المباحة وغير المباحة من أجل إعادة مجدها المفقود، كل هذه القوى وتلك مدعومة من الخارج بشتى أنواع الدعم الخفي والمعلن. كل هذه القوى تحاول أن تستغل آليات الديمقراطية من الاستئثار بالسلطة لكي تتفرد بها في نهاية المطاف، لأنها جميعا تشترك بقاسم مشترك واحد، وهو رفض الشريك من أي جنس كان. الخوف كل الخوف، هو أن يتمكن أي طرف من هذه الأطراف من السلطة في الوقت الحالي بشكل كامل، لأنه سوف يجهض الجنين الذي طالما انتظرناه على أحر من الجمر، وهو إقامة نظام ديمقراطي تعددي فدرالي بظل دستور متوازن يحفظ حقوق الجميع. إذا لابد للقوى لقوى اليسار والديمقراطية في العراق أن تنسق نشاطها وتتوحد لتأخذ دورها الحقيقي دون ان يمنحها أحد حضوة أو أن تكون أرقاما صماء في المعادلة العراقية الصعبة. أما لماذا نعتبر هذه المرحلة بالذات حرجة جدا وتقتضي تكاتف قوى اليسار والديمقراطية والليبراليين لسد الطريق على القوى التي ترفض الشراكة بالسلطة ولها برامجها التي بعضها غير معلن لكي لا يثير حفيظة الآخرين، هو أن هذه الفترة مازالت لا تختلف من حيث الجوهر مع تلك الفترة التي سبقت سقوط النظام الدكتاتوري. فإننا نلاحظ مما تقدم، ومن خلال فهمنا للعملية التاريخية لتطور المجتمعات، إن أنماط المرجعية للفرد كلها خارجة عن إرادته، وإنما أملتها عليه الضروف الموضوعية، فهي ليست برغبة من فرد أو جماعة ولا حتى برغبة من السلطة، ولكن هناك عوامل كثيرة تمليها، فللمجتمعات البدائية مرجعياتها وكذا المتحضرة، حيث أن علاقات الإنتاج هي التي تملي شكل المرجعيات للفرد أو الجماعة، هذا الأمر صحيح أيضا بالنسبة للمرحلة القادمة، أي بعد أن تعود عجلة الإنتاج للدوران من جديد وفق نمط إنتاج مختلف. فمسألة بناء النظام الديمقراطي يعني العودة إلى الدستور، والمقصود هنا الدستور الجديد للنظام الديمقراطي، والقانون والقضاء الذي بدأ يكتسب من الآن استقلالية وإن كانت غير واضحة جدا، وذلك لقصر عمر النظام الجديد، وكذا عودة منظمات المجتمع المدني للعمل، جميعها سوف تشكل مع القانون، مرجعيات جديدة للعراقي في المرحلة القادمة، ما لم يكون هناك، عوامل خارجية أقوى من فاعلية حركة التاريخ، كنشوء نظام شمولي جديد يعيد العجلة للوراء من جديد كما فعل النظام الشمولي المقبور، أو الحفاظ على آليات الحركة الطبيعية في المجتمع على أساس يضمن وصول المجتمع إلى تلك الحالة التي يعود بها المجتمع بشكل واعي إلى مرجعياته المتحضرة. إن عودة عجلة الإنتاج من جديد تأتي كاستجابة لحاجات المجتمع ككل، والعودة للسيطرة على الوضع الأمني هو أيضا ما تمليه حاجة المجتمع لذلك، وكذا الأمر صحيح بالنسبة لتبني النظام الدستوري التعددي التداولي والعودة للاحتكام للقضاء المستقل، بحيث تعتبر كلها حاجات اجتماعية ملحة وخارجة عن إرادة الفرد وإن كان هو من يصنعها، بل ويناضل من أجلها. من هنا تنشا ضرورة الحفاظ على ما أنجز لحد الآن من خطوات معتبرة في مجالات بناء الجيش والقوات المسلحة الجديدة بأسسها الجديدة وعدم التنازل عنها مقابل أي ثمن كان، وكذا الحفاظ على ما استطاعت قوى اليسار والديمقراطية أن تثبته من ضمانات دستورية في المسودة المقترحة للاقتراع خلال الشهر المقبل، وكذا ما استطاعت القوى الديمقراطية إن تحققه من استقلالية القضاء وتعزيزها، مع التأكيد على مبدأ فصل الدين عن الدولة والذي لا يعني حرمان الأحزاب ذات النزعة الشمولية من ممارسة دورها في السياسة شرط أن لا يكون هناك جنوح لمصادرة السلطة بالكامل وعزل القوى الديمقراطية واليسار. إن تضامن قوى اليسار والديمقراطية إذا ضرورة تمليها المرحلة من أجل إفساح المجال لعودة عجلة الإنتاج للدوران بحرية من جديد في بلد واعد من جميع النواحي. إن عودة عجلة الإنتاج للعمل، في العموم الغالب ستكون سريعة وقوية، بحيث ستعيد لساحات العمل جميع العاطلين وربما ستكون هناك شحة بالموارد البشرية لتغطية الاحتياجات التي من المتوقع أن تتزايد بشكل ثوري رغما عن إرادة السلطة والأفراد كنتيجة لتوفر الموارد الطبيعية بشكل وافر في العراق وتمتع البلد ببنية تحتية تسمح بهذا النوع من الانفجار، وكذا حاجات السوق الجديدة العطشى لكل شيء، وفي حال توفرت كامل شروط الأمن والاستقرار في البلد سيكون الأمر مختلفا تماما عن البداية، وذلك للرغبة العارمة لرؤوس المال الأجنبية التي يسيل لعابها عند الحديث عن العراق، فهي جاهزة تماما للدخول بشكل كبير جدا لسبب كثرة هذه الأموال التي لا توجد لها فرص للاستثمار حاليا في بلدانها الأصلية، والعراق الجديد سوف يكون أنسب ملعب لها بعد أن تتوفر شروط السلامة كاملة لهذه الأموال كونها جبانة ولا تغامر في ظل وضع أمني وسياسي غير مستقر، وهذا ما هو عليه الحال في العراق حاليا، لذا من الضروري العمل على استعادة الأمن ودعم الاستثمار الوطني وتشجيع الاستثمار الأجنبي للدخول والمساهمة في العملية الإنتاجية. بالضرورة سوف يصاحب هذه العملية نمو سريع جدا لمنظمات المجتمع المدني من نقابات وإتحادات مهنية أو فئوية تدخل في نسيج عملية التحول والتي لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال، هذه المنظمات هي التي سوف تكون بالكامل من مصلحة قوى اليسار والديمقراطية وترسخ من وجودها في المجتمع وتعزز من دور هذه القوى بإدارة عملية التحول التاريخي المنشود. ففي حال حدثت فعلا هذه المتغيرات الجديدة والتي من المتوقع أن تحدث بسرعة شديدة، ستجعل من المرجعيات التي أنشأها النظام المقبور لا تلبي الاحتياجات الجديدة للفرد والجماعة، مما يسرع بتراجع وتلاشي المرجعيات البالية كالعشيرة والطائفة والقومية بسرعة هائلة، فهي تبدو اليوم وكأنها كارزمية لا تقاوم، لكن بالتأكيد سوف يتضاءل دورها في أقل تقدير، وهذا ما يشل بشكل تدريجي من فاعلية القوى المسيطرة حاليا على أكبر حصة من مقاعد البرلمان أو الحكومة والتي تعتمد على دعم تلك المرجعيات القديمة. مهمات قوى اليسار والديمقراطية في هذه الفترة يمكن استنباطها من خلال السياق ولكن لا بأس إن نزيد من التركيز عليها، فالمهمات الأساسية الملقاة على أحزاب ومنظمات اليسار والديمقراطية في هذه المرحلة هو أن تتوسع في قواعدها، وأن تضع البرامج التي تخدم تطور العملية الديمقراطية وبناء المجتمع الديمقراطي، وأن تراقب تلك الأحزاب ذات المسعى الشمولي بألف عين وتصدها عن المشاركة بالعملية الديمقراطية، أو على الأقل شل محاولاتها الرامية للتفرد بالسلطة، وأن تراقب تصرفات الأفراد الذين، ربما وبشكل فجائي وبغفلة من الجميع، يظهرون للسطح وهم يحملون أسلحة الحزب الشمولي ويعودون بالعجلة للوراء حتما، حيث إن الكثير من عناصر هذا النظام والذين تم تبرئة ساحتهم من التورط بجرائم النظام، والكثير من الذين يشاركون في العملية السياسية حاليا يحملون أدران الفكر الشمولي ونزعاته وحتى مؤامراته التي نتوقعها كل يوم وكل لحظة من الآن فصاعدا، فعمليات الالتفاف كثيرة ومتنوعة ولكن علينا أن نضمن أن ليس هناك من سبيل إلى وضعها موضع التطبيق بأي حال من الأحوال. على هذا الأساس لا يجب أن يسمح القانون الجديد للانتخابات أن يسيطر من خلاله حزب على السلطة لوحده ويسير الأمور لوحده خلال فترة انتخابية معينة حسب القانون كما هو الحال بالنسبة للنظام الأمريكي أو البريطاني أو الفرنسي والكثير من الأنظمة الديمقراطية في العالم تشترك بمثل هذا النوع من الأنظمة، وهي جميعها غير مناسبة للعراق، لأنها لن يستطيع أن ضمان استمرار النظام الديمقراطي في العراق لكثرة الأحزاب ذات النزعة الشمولية، لذا يجب أن يكون النظام يسمح فقط بشراكة لكل الأحزاب بالسلطة في آن واحد سواء في الهيئات التشريعية أو التنفيذية، فتفرد حزب بسلطة من هاتين السلطتين يعني إنه قد وضع الخطوة الأولى لإقامة نظامه الشمولي. إن ضمان هذه المهمة هي مسؤولية المشرع أولا ومن ثم مسؤولية منظمات المجتمع المدني التي تشارك بالسلطة ثانيا ومسؤولية المثقف والمراقب السياسي والفرد عموما، ففي حال تلمس هذا الخطر يجب أن يعالج بالإجتثاث من الجذور وليس مجرد التوبيخ أو الحرمان، أما الانكفاء في الماضوية التي نراها اليوم ستزول ليس برغبة منا أو بتخطيط لحزب أو منظمة أو وسيلة إعلامية، شرط أن لا يحسب المشرع لها حسابا وأن لا يكون هناك تشريع يدعم وجودها. أضف إلى ذلك الظواهر التي نشأت كنتيجة طبيعية للمارسات النظام المقبور والتي تخيف الكثير من السياسيين تلك المتمثلة بالطائفية المقيتة والعشائرية والكثير من الأفكار الظلامية للاتجاهات الدينية، في الواقع لا خوف منها إن كانت تمثل نزعات فردية ما لم تتحول إلى برامج سياسية لأحزاب أو منظمات، وهنا نستطيع أن نفرز بسهولة بالغة من هي الأحزاب والمنظمات التي تحمل برامج سياسية تتفق وعملية التحول الديمقراطي واستمرار تداولية السلطة واستقرار النظام السياسي الجديد عن تلك التي على الضد من ذلك، ببساطة يجب إن تكون مثل هذه الأحزاب خارج القانون وغير مصرح لها بناءا على مستلزمات المجتمع الجديد، وهذا ما نصت عليه مسودة الدستور التي بين أيدينا حاليا، فهي أفضل ما يمكن التوصل إليه بظل الواقع الموضوعي الحالي بالنسبة لقوى اليسار والديمقراطية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |