وزير الإمتاع , والمؤانسة

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

أمتعنا السيد الوزير بمحاضرته الشهيرة الغناء أيما إمتاع.فقد ذكّرنا- وشكرا له- بالحكواتية أيام زمان- وأعتقد أننا تابعنا أحدهم في مسلسل أيام شامية - إن لم تخني الذاكرة التي دمرتها فنون وسوالف العربان- ومنبع الإمتاع, أنهم كانوا يعيدوننا دائما إلى الأجواء والمؤئرات الغابرة بسحرها ورومانسيتها ,وفروسيتها,مع فارق وحيد, أنه لم يكن هنا لا سحر, ولا رومانسية ,ولا تشويق البتة في هذا اللقاء.وكل ما فعله السيد الوزير هو أنه أفلح فقط بالعودة بنا إلى زمن منقرض ,ولّى من أيام الحقب الشمولية والناصرية البائدة ,وإحياء الكيفية التي كان الناس وقتها يفكرون ,ويتصرفون, ويتكلمون,ويخطبون ويتعاملون مع من يختلف معهم بالرأي والأفكار.
فقد امتعض وزير الإعلام البعثي, الذي نشأ وترعرع في مدارس التعتيم والتلفيق والحصار, من قيام بعض الكتاب والصحفيين بالتغريد خارج سرب تراث المنظمات الشعبية ,والذي يبدو أنه فشل في استقطاب أدمغة جميع الناس ,ذاك الصرح الذي بنوه بعرق المخابرات على مدى عقود من الزمان,ورفرفوا بها طويلا في سماء سوريا.ومما قاله في موعظة التقريع ,والتقريظ ,والتشنيع بالكتّاب التي استمد مفرداتها ,على الأرجح, من أحد مخافر الدرك ,وأقبية الإستجواب,أن كل الكتّاب الذين يكتبون خارج صحفه الغراء ,التي لا يقرأها حتى هو بالذات,وصارت تستعمل للف سندويش الفلافل الوجبة الشعبية الأولى للفقراء ,و"الشعيبيات"الجسرية ,و"البليلا"السورية الفاخرة واللذيذة , المستثناة حتى اللحظة ,وشكرا لأولي الأمر الكرام,من قانون ضريبة الرفاهية العجيب في قلب مضارب العربان النابض بالفقراء, يقبضون ما يعادل دخل مواطن ونصف المواطن فقط بالحجم العائلي, وبالعملة المحلية,من رعاياه البؤساء الذين يتابعون ,أيضا ,وبكل انشراح,فضائيته الكئيبة عند المساء. وهذا المبلغ الذي أشار إليه سيادته ,يعادل الراتب على مدار عام كامل –للمواطن والنصف-في ظل حكومته الرشيدة, التي وصل فيها معدل الفقر فيها إلى ثلاثين بالمائة فقط لا غير, بعد "اللفلفة,والتزويق, والتعديلات",وبعد تسع خطط خمسية "ناجحة",في واحدة من أغنى دول العالم على الإطلاق ,وأنا مسؤول عن هذا الكلام أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ومفوضيتها السامية,وسجلنا تفوقا ,وللمرة الأولى, في العمر على بورما ,وبنغلاديش,ورواندا, وحمدا لله على هذا الإنجاز.
كما أردف أن هؤلاء الكتاب مرشحون مستقبلا للكتابة في يديعوت أحرونوت وهذا يعني بالمآل ,وأمام محكمة أمن الدولة العليا تهمة الخيانة العظمى,وبالتالي حكم الإعدام,ويرحمهم الله جميعا من الآن, وإنا لله وإنا إليه راجعون.وفي عرف وتقاليد ممالك الاستبداد, التي تضم رفات ,وهياكل ما تبقى من مواطنين ,تتيح ,وحسب قوانيتها المطاطة المفصلة على مقاس الثوار,لأي سلطوي هدر دم أي واحد من الرعايا , ,والسبايا الأذلاء ,وما ملكت أيمانكم ومخابراتكم العقائدية الثورية,وأن يمسح بهم الأرض مسحا دون أن يسأل أو يستبان,وأن يطلق عليهم تهم التخوين والردة بدون حساب .ولو كان القانون سائدا ,لتقدم السيد الوزير باستقالته فورا بسبب التشهير بالناس أولا,ولعجزه عن تقديم أي إثبات مادي على تورط هؤلاء بقبض أموال من "جهات أجنبية",ولدفع كل ما جناه طوال عمره, كتعويضات عن الأذى والضرر المعنوي الذي أصاب هؤلاء الناس جراء إلقاء الكلام جزافا, وعلى عواهنه وبدون برهان. وكلما دق "كوز الكتّاب بجرة السلطة", يقوم أمثال هذا الحصيف بتوجيه تهم التخوين ,والردة لنخبة مثقفة ارتضت لنفسها الهموم ,ووجع الرأس,وتعريض نفسها وعوائلها لشتى أنواع "المرمطة" والضغوطات,وتشريح الفاسدين والفساد,والإشارة إلى موطن الأخطاء ,واصفا إياهم,وبدون رادع, بأقذع الألفاظ.تاركا ,في الوقت نفسه,الحبل على الغارب للمفسدين ,والمتاجرين بقوت الفقراء.
وما لم يقله السيد الوزير أن هذا المبلغ ,ومن خلال كم مقال,سيُدخل بعضا من الكتاب في نادي المليارديرية ,ويصبحون زملاء لبيل غيتس ,وروبرت مردوخ,والوليد بن طلال ,وباقي أساطين المال,وسيتصدرون بذلك واجهة مجلة فوربس للأغنياء.هذا ,ولا يعلم ,حتى اللحظة, ماذا هم فاعلون بكل هذه الدولارات ,وأين سينفقونها في لاس فيجاس ,أم ماربيا, ولوزان؟وبعد أن يرفع,طبعا, حظر السفر عن معظمهم.واللغز المحير ,الذي قد يستدعي التدخل الفوري لميليس,لماذا لم تظهر عليهم علائم الثروة, والنعمة, والجاه, والدولار التي ظهرت على الذين من قبلهم من سعاة نهب الثروات المعروفين؟وما لم يقله السيد الوزير ,لماذا يكتب هؤلاء في صحف خارجية , هل لأن صحف الوطن الكثيرة- ماشاء الله عليها - ضنّت عليهم ,ولا سمح الله؟,ألا تحتضن بتسامح منقطع النظيركل المواهب والطاقات التي تتفجر يوميا كالينابيع والأنهار في ذرى,ووهاد الوطن الجميل المعطاء؟وهل أغلق ,يوما,أي منبر للتعبير الحر , من أجل عيون الفساد ,وحماية المفسدين المعصومين الذين يجب أن يبقوا فوق القانون والمساءلة ,ودون أن يمس بهم أحد من "الرعاع"؟ وبموقفه هذا, ينطبق عليه المثل الشعبي الذي يقول أنه لا يرحم ولا يترك رحمة رؤساء التحرير, في الدول التي فيها صحافة وإعلام, تنزل على الكتاب.ناسيا أو متناسيا أن التاريخ يمشي بوتيرة متصاعدة نحو الأعلى والأمام ,ولن يستطيع أي وزير ,أو جنرال,ومهما أوتوا من جبروت,وقوة, وصولجان من وقف زحف المنطق,وتقدم العقل البشري نحو مبتغاه,أو أن يسكت الأصوات ,.ويلجم الأفواه,أو أن يوقف حركة الحياة,ولو قيد أنملة, نحو السمو والعلاء,ومهما كان لديه من عبقرية وذكاء ,وفنون للإقصاء.ولكم في الدروس القريبة حكم ,وعبر ,ومواعظ يا أولي الألباب.
ومالم يقله سيادة الوزير, أيضا,وهنا مربط الفرس, لماذا لم تعامل جريدة يديعوت أحرونوت كتّابها بالجزمة ,والكلبشة والبسطار,وهم الذين كانوا يهاجمون شامير ,وشارون ,على الطالعة والنازلة,وينتقدوا نتنياهو وموفاز, و"يجيبوا عاليهم واطيهم " ,ودون أن يتجرأ أي وزير "صهيوني"على وصم كتّابه,ونخبته المثقفة بالجبن ,والخيانة والعار,أو أن يستلمهم العرفاء والخفراء ,والرقباء الأميين في أمكنة أخرى يعلمها السيد الوزير جيدا.وبالمناسبة لا أدري لماذا لا يكون لدى هؤلاء الصهاينة "الأغبياء" وزارة للإعلام,ومقص "للممنوعات" وجيش من الرقباء,كما هو الحال في واحات الثوار؟وأصبحت إسرائيل,وللأسف الشديد,وبرغم موقفها "المشين" من كتّابها, قوة إقليمية كبرى تفرض إملاءاتها ,ومزاجها ,وشروطها على الجميع ,ولا يتجرأ أحد ان يرفع رأسه بحضرتها ,لا في الشرق الأوسط الكبير ,ولا الصغير ,أو حتى "المقمط بالسرير",على مايقوله أحبتنا في الشام.ناهيك عن مدى انتشار ,وامتداد يديعوت أحرونوت من خلال مهنيتها وحرفيتها الفائقة , وهذا لايعيبها,كما أعتقد ويعتقد الكثيرون, بحال من الأحوال.مع التذكير دائما على الموقف المبدئي ,والأخلاقي, الذي لايقبل الجدل والمساومة فيما يتعلق بالاحتلال ,والإجرام ,والقتل ,والقتلة وإرهاب الدولة المنظم الذي يمارس في أكثر من مكان,ولن نهلل لمجرم ,أو مغتصب في يوم ما.كما أن السيد الوزير لم يبشر,ويشر إلى جملة القوانين الرادعة التي يزمع إصدارها قريبا ليقطع دابر كل هذه الثرثرة والترهات ,والتي ستتكفل حسب تصوره بإيقاف كل أولئك المشاغبين ,طويلي اللسان,عند حدودهم.
وبهذه المناسبة الوطنية النادرة ,نقترح على السيد الوزير ,أن يقترح بدوره – ومنشان الله -على وزارة المالية ,أن تأخذ من "فضول" دولارات الكتاب الكثيرة ,وما يزيد عن حاجاتهم الوفيرة ,بعد عودتهم من الريفييرا ,طبعا,كضريبة رفاهية على منتوجات الدماغ,ويخصص ريعها لتجديد مكاتب ,وعفش مكتب السيد الوزير الذي يطلق منه فتاويه الثورية ,وأما تبقى من ذلك,فلم لا يتم شراء مزرعة للسيد الوزير في يعفور ,أوالصبورة ,وصلنفة ,كما هو حال جميع "الشباب",ويصيّف فيها مع الخلان والأحباب,بعد أن يفرغ من صولاته في محاكم التفتيش بعد كل هذا العناء ,ولأنه يستحق الشكر والجزاء على ما أمتعنا به من نهفات ,ونوادر,وأعاجيب النضال ,وعلى مدى تبصره وتعمقه بفقه الشموليات ,والعاطي هو الله ,وحده,رب العباد.واللهم لا حسد,و"حصوة في عين اللي ما يصلي على النبي العدنان".


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com