ما جدوى مشاركة عراقيي الخارج في الاستفتاء والانتخابات؟

 

د. عبدالخالق حسين

Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com

 

لا شك أن هذه المقالة ستثير عليّ سخط نسبة من العراقيين في الخارج وأنا حريص على إبقاء علاقة حميمة مع الجميع، ولكن ما العمل طالما أني أؤمن بصحة ما أقول وأني أكثر حرصاً على مصلحة الشعب الجريح حتى ولو جاءت على حساب علاقتي مع الآخرين. لا شك أنه في الظروف الاعتيادية فمن حق جميع العراقيين، في الداخل والخارج، المشاركة في تقرير مصير وطنهم ومستقبل شعبهم. ولكن كل شيء في هذه الحياة خاضع لمتطلبات المرحلة ولمعادلة الربح والخسارة، وحتى المشاركة في الاستفتاء والانتخابات. فإذا كانت هناك مصلحة وطنية في مشاركة عراقيي الخارج فبها، أما إذا كانت الخسائر أكثر من المنافع فيجب إعادة النظر بالموضوع إلى أن تتوفر الظروف المناسبة التي تسمح بهذه المشاركة.

 ففي الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم 30 كانون الثاني الماضي، دفع الشعب العراقي نحو 75 مليون دولار تكاليف مشاركة عراقيي الخارج، صرفت هذه المبالغ على إيجار مباني وتشكيل لجان وتعيين مسؤولين ...الخ تحت رقابة وإشراف الأمم المتحدة المعروفة بكرمها اللامحدود في الصرف بلا حساب طالما كان الشعب العراقي هو الذي يدفع الفاتورة. والأخبار التي وصلتنا من بعض الأشخاص الذين شاركوا في هذه اللجان تفيد عن استغلال بشع لهذه الأموال للمصالح الشخصية وتحقيق المواقع السياسية والاجتماعية والانتفاع المادي، إضافة إلى الصراعات بين المنتفعين المتنافسين أنفسهم على هذه المنافع إلى حد المهزلة. وفي النهاية، كان تحصيل مشاركة عراقيي الخارج في تلك الانتخابات مخيباً للآمال. إذ كانت حصيلة الأصوات 265 ألف صوت أي أن الصوت كلف العراق 400 دولار في حين أن أغلى الأصوات في الانتخابات في العالم لم تصل إلى 20 دولار للصوت الواحد.

يجب الاعتراف بحقيقة مفادها أنه ليست هناك إحصائية مضبوطة عن عدد العراقيين في الخارج. فالرقم يتراوح بين ثلاثة ملايين وخمسة ملايين نسمة موزعين في الشتات في مختلف أنحاء المعمورة، ومن الصعوبة بمكان فتح مراكز تسجيل وتصويت في كل هذه الأنحاء. وكان أكثر من مليون منهم مؤهلاً للتصويت. والذين تقدموا للتسجيل كان أقل من هذا العدد بكثير. والذين شاركوا فعلياً في التصويت كان بحدود 25% من الذين يحق لهم التصويت. ففي لندن التي يقيم فيها نحو مائة ألف عراقي، شارك في التصويت حوالي تسعة آلاف فقط أما في فرنسا فقد شارك في التصويت (1061) فقط مقابل تكاليف باهظة.

ونحن إذ نسأل، ما دور هذا العدد في تقرير النتائج النهائية على الجمعية الوطنية؟ وهل هذا هو الوقت المناسب لتبذير أموال الشعب العراقي من أجل إشباع رغبات البعض في تنفيذ الدوغما فقط؟

 ففيما يخص الاستفتاء على مسودة الدستور، أعتقد أن الدكتور فريد أيار، الخبير الاعلامي- عضو مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، قد حسم الموضوع عندما أوضح: " أن عدم إجراء عملية الاستفتاء في الخارج يعود الى قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الذي صادق عليه مجلس الحكم واعتبر دستوراً مؤقتاً للعراق حيث نصت الفقرة (ج) من المادة (61) على "يكون الاستفتاء العام ناجحاً ومسودة الدستور مصادقاً عليها عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو اكثر". أؤكد على عبارة (الناخبين في العراق) ولم تشر المادة إلى العراقيين في الخارج. وكما أوضح الدكتور أيار، ففي حالة ("رفض ثلثي الناخبين في ثلاث محافظات او اكثر" فإن احتساب أصوات الخارج تصبح مشكلة ذلك لأنهم غير مسجلين على محافظة معينة داخل العراق وهنا يحار المرء هل يحسبهم ضمن ثلثي المحافظة المعترضة أم هم تابعون للمحافظات التي لم تعترض).

 لذلك أرجو عدم ضياع الوقت والجهد والمال في سجالات لا تغني ولا تسمن من جوع، من أجل مشاركة عراقيي الخارج في الاستفتاء على الدستور والتي لا تجدي نفعاً على أي حال.

وذات الكلام ينطبق على الانتخابات المزمع إجراؤها في ديسمبر (كانون الأول) القادم. أعتقد أن مشاركة عراقيي الخارج، وأنا منهم، في هذه الظروف الصعبة تعتبر نوعاً من الترف ليس من الإنصاف أن يدفع الشعب تكاليفه الباهظة. إن هذه المشاركة تكلف الدولة أموالاً طائلة يمكن توفيرها لما هو أفضل ويدر نفعاً كثيراً على فقراء العراق في الداخل المكتوين بنيران الإرهاب ويعانون من الفقر بسبب تفشي الباطلة وإيقاف إعمار العراق والإرهاب. العراق الآن يمر بظروف قاهرة ومهدد بحرب أهلية طائفية قذرة يهيئ لها فلول البعث ويدق ناقوسها حليفهم الإرهابي الأردني المعتوه الزرقاوي ويتلقى الدعم من قطاع واسع في البلاد العربية وإيران لإفشال التجربة العراقية وبالتالي إلحاق الهزيمة بأمريكا ومنعها من دمقرطة المنطقة ولو على حساب الشعب العراقي. إن تصاعد المجازر الرهيبة ضد العراقيين الأبرياء وقتل الشرطة العراقية يهدف إلى إشعال حرب أهلية وتدمير العراق، وفي مثل هذه الظروف يكون الحديث عن الدستور والانتخابات نوع من البطر، ناهيك عن السعي لمشاركة عراقيي الخارج في هذه الانتخابات.  

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com