|
لماذا ينتقمون من العراق الجديد؟ الجزء الثاني
في هذا الجزء نحاول تفكيك الأسس الفكرية بأبعادها التاريخية التي تتحكم في توجيه عقلية السلفيين في خارج وداخل العراق، والتداعيات السلبية لهذه البنى الفكرية " مجازا " على الواقع العراقي الحالي. فأذا رجعنا خلفا الى عمق التاريخ، سوف نجد عنوان عريض هو ثقافة مغلقة، انتجت عقلية نمطية شاذة ترفع القتل الى مستوى البطولة. ولنا بهارون العباسي نموذج واضح لهذه العقلية. حين اقام منارة من جماجم" الاعداء" يرتفع عليها صوت اللة سبحانه وتعالى خمس مرات في اليوم، والذي كان يحج سنة، ويغزو أخرى، ويمتلك من الجواري ألآلاف، ويبكي عند سماع موعظه ما، وهو على موعد مع تلك الليالي الحمراء المعروفة. انها الأزدواجية في كل أبعاد الحياة. مع ذلك أتهم بصفة الرشد. هؤلاء يرون الحاكم "المسلم" الظالم المستبد الدموي الذي يقمع حرية شعبه, بل حتى الذي يحارب الأسلام بأقصاء الأسلاميين وملاحقتهم, حاكما شرعيا لا يجوز " أو على أقل تقدير لا يجب " شن الحرب عليه حتى لو فقد الشعب المحكوم من قبله حريته بشكل كامل, بينما يرون في الأجنبي "الكافر"حتى لو " وهذا ليس توصيفا للأمريكان بل مجرد افتراض " جاء هذا الأجنبي بمشروع أنساني حضاري " أيضا كأفتراض" وصدق في خدمة الشعوب وتخليصها من الديكتاتوريات، بل احترم بصدق هويتها المتمثلة بالأسلام, وخلص المعارضين الأسلاميين من قمع وأرهاب السلطة, يرون فيه محتلا كافرا يجب أعلان الجهاد ضده ومحاربته بأقصى ما يكون. وبالذات أذا كان سببا في تقويض هيمنتهم التاريخية " فهم لا يهاجمون الأمريكان في بلدانهم واراضيهم المحتلة " بل في أرض الرافدين التي تعتبر ذاكرة " انتصاراتهم " أبتداءا من كربلاء مرورا بالفتنة الطائفية في بغداد وانتهاءا بالمقابر الجماعية. لذلك تركوا " الجهاد " في كل المناطق ليتوجهوا الى العراق فالقضية عندهم ليست ارضا محتلة، فهناك اراضي محتلة في الكثير من دول المنطقة. وانما تاريخ وفكر مهددين. المشكلة ليس زوال صدام وانما معادلة اشراك كل مكونات الشعب في قيادة العملية السياسية وهذا يحطم القاعدة التي قامت عليها عقيدتهم السياسية الأستبدادية وبعدها الطائفي العنصري ذات الأمتدادات الأقليمية، ليكون الواقع العراقي الجديد بنظرهم ثغرة تقوض أركان هيمنتهم التاريخية التي أقيمت على تزييف وطمس الحقائق، وعلى التبرير اللاعقلائي لحوادث التاريخ. هذه العقلية التي لم تقف ولو للحظة واحدة أمام مرآتها النفسية لتكشف عن الخلل البنيوي المتجذر تاريخيا فيها. بدلا عن ذلك تستمر وبدون خجل ولا حياء بتكرار وسيلتها المرضية في الهروب الى الأمام بألقاء كل التبعات على الآخر وان كان مجهولا، بل غير موجود في الأساس. كيف لا وهم أحفاد من أتهم شخص واحد وسموه بأبن سبأ " في حين يتهمون انفسهم بالغباء " ونسبوا له كل تلك القدرات العجيبة بالتنقل مئات الكيلومترات بساعات، ليتلاعب " بالصحابة" وفيهم من هو " مبشر بالجنة " كي يدفعهم على الخروج عن طاعة الخليفة " بمفهومهم " وأعني به الأمام علي (ع)، ومحاربته. ليهدروا أرواح الآلاف من الطرفين. وقبلها أتهموا نفس هذا الشخص الوهم، أبن سبأ, في أحداث "الفتنة الكبرى" التي أدت في النهاية الى أول انتفاضة في تاريخ المسلمين أودت بحياة الخليفة الثالث " ليسموها بالفتنة الكبرى " دون ان يحللوا اسبابها، بل أعرضوا عن بطون كتب التاريخ التي تذكر وتبين تلك الأسباب. لتصبح كل تلك جذرا لأختطاف أبناء الطلقاء الأسلام " أسلامهم هم " من أهله الحقيقيين، ليحولوه الى ملك عضود لا يتخلي فيه الحاكم عن كرسيه وعن حكمه منذ تلك اللحظة وحتي الآن الا ان يقبض عزرائيل روحه او يقتل من قبل أقرب المقربين منه أو أبعد،بدافع حب السلطة او يبعث له الله هولاكو العصر القديم او الحديث ليدمر ملكه. ليصبح كل هذا قدرا لنا في ان نقيس على كل ماهو مشوه، على لصوص قدامى وجدد، تجد القوم يتبجحون برفضهم للأحتلال، مع أنهم قدموا كل العروض له شرط أن تعاد عجلة التاريخ الى الوراء لتضع على سكة الظلم والتمييز الطائفي والأثني من جديد. تلك الطائفية المقيته التي تأججت في عروق الأمين العام لتلك الجامعة لتترجم حقدها على أتباع مذهب أهل البيت (ع) ورفضها وصولهم للحكم " وان كان بمشاركة الآخرين " ليؤجلوا مؤتمرا لهم خشية أن يشارك فيه الشهيد المرحوم عز الدين سليم، وبعد أن صدرت أوامر مباشرة أو بالأيحاء للمجرم الزرقاوي بمساعدة من يعرفهم الشعب من البعث الصدامي بالاستعجال باغتياله وتم ذلك ليعقدوا مؤتمرهم الذي كرسوه للوقوف بوجه مجلس الحكم للأسباب نفسها. ان القوم يعيدون قميصهم القديم، لكن بموديل جديد اسمه " الأحتلال " بينما سلموا هم مفاتيح مدنهم له بدون قتال، أملا بعودة السلطة أليهم، لكن بنسخة معدلة قليلا. لماذا لم يصمد الويلاد من رجالات الحرس الجمهوري ورجال الظل ومخابراتهم وسفاحي شيعة العراق وكورده من منتسبي الامن العامة لاسبوع واحد في بغداد !! يا للعار دبابتين تهزم اولادهم و تأسر بغداد. نعم لا يتكلمون عن تلك الايام لمحاولة طمس تلك الفترة التي طمرت روؤسهم بالوحل. انهم كانوا ومازالوا يراهنون على عمقهم الأقليمي، عسى ان يحقق هذا العمق لهم حلم العودة كي يتسيدوا على الأغلبية الساحقة من العراقيين ويستعبدوهم كالسابق. ولو علموا سابقا ان الأنتخابات تضمن لهم ذلك لرأيتهم أشد المطالبين بها بأعتبارها رأي الشعب والشرع، وهكذا حالهم الآن من العملية الدستورية. يريدون تدميرها لأيجاد معادلة تآمرية تحبك في الخفاء وقد أوضحنا بعض ابعادها في الأجزاء الستة من ".. والأغلبية المستضعفة " التي نستأنف الباقيةمنها قريبا أن شاء اللة. لنعود الى السؤال نفسه، لماذا يحن العرب غير العراقيين لأيام الجرذ ؟ من بين الأسباب الهزائم المتكررة التي تعرضوا لها كنتيجة لتلك العقلية المتعنتة، التي رفضت مكاشفة نفسها، لتشاهد نقاط ضعفها، دون الخجل من تلك النقاط، لتحويلها لاحقا الى عوامل قوة، بعيدا عن النفاق السياسي والنفاق الأجتماعي. وان يعترفوا بحقيقة أنهم أهدروا أرواحا واراقوا دماءا أكثر من تلك التي هدرت من قبل الآخرين. عقد هزائم الفلسطينيين وغيرهم أمام اسرائيل أفقدتهم عنصر الأطمئنان وساعد في تعميق ذلك ماحصل لهم من قبل ملك الأردن السابق من تقتيل في " ايلول الأسود"وخيبات أمل من انظمة عربية اخرى مما جعلهم يبحثون في الخارج عن " بطل وان كان بدرجة جرذ" يتماهون في حبه و يحقق لذاتهم المنكسرة قدرا من الأتزان ، فوجدوا في صدام ضالتهم فهو الأنسان المجرم المتهور المستعد دوما لأشعال الفتن والحروب والتضحية بأهل وثروة العراق من اجل امجاد شخصية تغذي عقدة جنون العظمة التي هي انعكاس لعوامل نقص عديدة ارتبطت بايام طفولته المبكرة المفتقدة لعناصر ضرورية لنشأة الأنسان الطبيعية. صدام هذا الذي شرد الملايين من شعب العراق جاعلا من التشريد حالة لاتقتصر على الفلسطيني المعقد منها بل تشمل اعرق شعب صاحب اول حضارة انسانية. صدام الذي اشعل المنطقة كلها بآتون حروب غير منتهية مشيعا بذلك اجواء من التوتر وعدم الأستقرار في عموم المنطقة تشبه تلك الظروف التي عاشها الفلسطيني وهو يتنقل لاجئا هنا وهناك، ان خيباتهم المتعاقبة كونت في دواخلهم حقدا على محيطهم ليظهر لاحقا على شكل محاكاة ومؤازرة لما فعله صدام بدولة الكويت التي كانت تحتضن نصف مليون شخص منهم. هذا يعتبر سببا آخر وراء اثارة الضجات الأعلامية الواسعة ضد الشيعة، من قبل العروبيين خارج الحدود وأقرانهم من البعث الصدامي والوهابية السلفية في الداخل، وكأن نظامهم الصدامي البائد كان ملائكيا، بينما الشيعة هم وراء كل التلفيقات والأباطيل والأكاذيب عن مقابر جماعية وهمية، وان وجدت، فهي من صنعهم فهم مازوخيين ليصلوا الى قتل ذواتهم وحفر مقابرهم الجماعية من قبلهم. نقول لهذه الحثالات ان الشيعة على وصية أمامهم علي (ع) لابنه الحسين (ع) يقول: "أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر, وكلمة الحق في الرضى والغضب, والقصد في الغنى والفقر, والعدل على الصديق والعدو"، فالأمام(ع) يؤكد للحسين(ع) وهو رجل الحق والعدل، أن يكون عادلاً مع الصديق والعدو, وبأن يعطي الأنسان عدوه حقه أذا كان له حق عنده. أن يعطوا كل ذي حق حقه, وأن لا يظلم أحد حق أحد, فهذا هو الذي يجسد احترام الأنسان للأنسان الآخر, وهو الذي يؤكد على بناء القاعدة التي تنتج كل ما يرتفع بالأنسان ويسمو بالأنسانية ألى التكامل, فأذا ما حفظ الناس حقوق بعضهم بعضاً, فعند ذلك سوف يشارك الجميع في تنمية قدراتهم وطاقاتهم وثرواتهم, ويحققوا أيضاً النمو العلمي والعقلي والحضاري, لأن الناس عندما يحترمون حقوق بعضهم بعضاً، فسيشغلون أنفسهم بمسؤولياتهم في تنمية أنسانيتهم بالعلم والوعي والثقافة, ما يجعلهم في الموقع المتقدم للحضارة, أما أذا أخلوا بهذا المبدأ وظلموا بعضهم بعضاً, سواء ظلم الحاكم لشعبه, أو ظلم الشعب لحاكمه العادل, أو ظلم الناس بعضهم لبعض في خطّ التجارة والسياسة والأمن. بغير هذه المبادئ الأسلامية المحمدية العلوية، سنكون أمام عقلية القوم الرعوية التي تفرض على الأغلبية الشيعية وطنية بمقاسات بعثية صدامية أو أن يموتوا بالجملة والمفرق على مذبح العنصرية والطائفية، بعيدا عن المحبة التي هي اساس في خلق اللة لنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتنافس على فعل كل ما هو خير ومفيد للأنسانية جمعاء. انتهى الجزء الثاني
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |