الى قناة الجزيرة: دعوة لاثبات المصداقية

يحيى السماوي

alsamawy@adam.com.au

قبل أسابيع قليلة، نقلت وسائل الاعلام، الأجنبية منها والعربية، مشهد اللقاء القصير الذي شهدته العاصمة التركية (أنقرة) بين وزيري خارجية كل من الباكستان واسرائيل. غير أن فضائية (الجزيرة) انفردت من بين كل الفضائيات، باتخاذ ذلك اللقاء مادة رئيسة لنشراتها الاخبارية ولبرامجها السياسية فانشغلت به أسابيع عديدة، كما لو أن ذلك اللقاء كان حدث العام، والفأس الذي سيهدم جدار الوحدة الاسلامية.

على امتداد أسابيع عدة، جندت فضائية (الجزيرة) مراسليها ومحلليها وكتابها وضيوفها الدائمين والمؤقتين، للحديث عن ذلك اللقاء القصير، وما سيترتب عنه من تداعيات سلبية و(تسونامي) سياسية على قضية فلسطين فقالوا عن ذلك اللقاء ما لم يقله مالك في الخمر، رغم أن مالكي (الجزيرة) والعاملين فيها يعرفون تماما أن السيدين برويز مشرف ووزير خارجيته، لم يسبق لهما أن أدعيا الحسب العروبي، والنسب لعدنان أو قحطان، بل ولم يسبق لأي منهما أن شغل موقع رئاسة مؤتمر قمة عربي، أو اجتماع استثنائي طارىء لوزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، بالشكل الذي شغله الشيخان أمير قطر ووزير خارجيته !

وقبل بضعة أيام، تناقلت وسائل الاعلام ذاتها مشاهد اللقاء الحميم الذي جرى بين الشيخ حمد بن جبر آل ثاني وزير خارجية دولة (قناة الجزيرة) وبين نظيره (الشيخ) سيلفان شالوم، وزير خارجية اسرائيل... غير أن قناة الجزيرة لم تقم الدنيا ولو لساعة واحدة احتجاجا واستنكارا، فلم تخصص للخبر أكثر من سطر خجول تضمنته احدى نشراتها الاخبارية، سرعان ما تلاشى في باقي النشرات بعد سويعات محدودة، وكأن الأمر كان لقاء عابرا بين موظف من موظفي بلدية الدوحة، وعامل تنظيفات اسرائيلي - وليس بين وزيرين مساهمين في صناعة القرار السياسي لبلديهما... بل ولم تقدم فضائية الجزيرة تفسيرا معقولا لحالة الارتباك التي بدت على وجه الشيخ حمد آل ثاني، في اللقاء الصحافي الذي جمعه بشقيقه (عفوا نظيره) الشيخ سيلفان بن شالوم... فالوزير القطري، وعلى رغم ضخامته الجسدية، بدا ضائعا في كرسيه عند طرف الطاولة، وكأنه يجلس على (خازوق)، وليس على كرسي وثير، في حين كان الشيخ ابن شالوم يتوسط الطاولة باسترخاء كالطاووس، معبرا عن سعادته بأول لقاء علني يجمعه بنظيره القطري، بعد سنوات عديدة من لقاءات سرية متواصلة... (في هذا المقطع من حديث الشيخ ابن شالوم، إزرق وجه الشيخ ابن جبر، وقد كظم غيظه من نظيره الذي بات واضحا أنه لا يحترم الأسرار، ولا يتورع عن نشر غسيل الدهاليز والأقبية السرية، على حبال الرأي العام العالمي والعربي).

الأنكى من ذلك، أن الوزير القطري (العربي)، لم يجد متنفسا لارتباكه، سوى الطلب من القادة العرب بالسير على خطاه، والاسراع بعقد لقاءات مماثلة، مكافأة لاسرائيل على ما أسماه ب (خطوتها الايجابية) بالانسحاب مع أنه يعرف جيدا أن الانسحاب الاسرائيلي من غزة - ورغم نواقصه - كان نتيجة أمرين جوهرين، أولهما التكلفة الباهضة للاحتلال بفعل الكفاح المسلح للمقاومة الاسلامية والوطنية الفلسطينية، وثانيهما الأمر الأمريكي الصارم... فالادارة الأمريكية - ولأسباب عديدة منها حالة الاحتقان العربي، والوضع الأقليمي اضافة الى الوضع الراهن في العراق - هي التي أصدرت أمرها الى المجرم شارون بالانسحاب، حسب ماجاء في التقرير الذي أعدته المحللة السياسية الاسرائلية (تانيا راينهارت) ونشرته في صحيفة (يديعوت أحرونوت) بتاريخ 18 - 8 - 2005 وقد سبق هذا الأمر، ضغوط أمريكية على الحكومة الاسرائلية، بدأت بارخاء قبضة مؤسسة (ايباك) التي تمثل لوبي الضغط الصهيوني، من خلال محاكمة اثنين من زعمائها بتهمة نقل معلومات سرية الى تل أبيب، ثم تبعتها بخطوة ضغط أخرى تمثلت في تجميد الدعم المالي الأمريكي إثر قيام اسرائيل ببيع أسلحة متطورة الى الصين، وآخرها كانت خطوة ايقاف التمويل المالي الخاص بمشروع انتاج سلاح مشترك خصصت له واشنطن عدة مليارات... ويبدو أن الزيارة الأخيرة التي قامت بها كوندوليزا رايس الى تل ابيب بتاريخ 7 أغسطس، وحسب ما جاء في صحيفة يديعوت أحرنوت، قد حسمت الأمر وفق ما جاء بلسان الجنرال الاسرائيلي (وورد) للصحيفة ذاتها. مضافا الى ذلك أن أكثر من 50 % من الاسرائليين كانوا مع الانسحاب حقنا لدماء أبنائهم حسب استطلاعات للراي العام نشرته صحف اسرائيلية عديدة من بينها صحيفة ها آرتس.

فاسرائيل اذن كانت مرغمة على الانسحاب وليس كما يتوهم بعضهم... ثم أن اسرائيل ما تزال تحتفظ بعشرات الآلاف من الأسرى الفلسطنيين، اضافة الى احتلالها الضفة الغربية، فلماذا يريد الشيخ حمد بن جبر آل ثاني مكافأة المجرم شارون ؟ ولماذا يصر على أن يكون العراب القومي للسياسة الاسرائيلية في هذا الوقت بالذات.

قبل أسابيع قليلة اقامت قناة الجزيرة الدنيا ولم تقعدها لأسابيع عدة، لأن دولة ليست عضوا في جامعة الدول العربية سمحت لوزير خارجيتها بمصافحة وزير خارجية اسرائيل، والجلوس اليه بضع دقائق...

وقبل أيام قليلة، حدث اللقاء الفضيحة في الهواء الطلق، بين الشيخين حمد بن جبر آل ثاني وسيلفان بن شالوم، لكننا لم نشاهد بعد، حركة نحل برامجية كالتي شهدناها قبل اسابيع على شاشة الجزيرة...

قد يكون لباكستان من الأسباب ما يدعوها الى التخلي عن القضية الفلسطينية، أو، الوقوف على التل، لكونها ليست عضوا في جامعة الدول العربية، ولم يسبق لرئيسها أن تم تكليفه بملف القدس... وقد يكون لأنها تخشى على مفاعلاتها النووية، من ضربة اسرائيلية، كالتي حدثت لمفاعل تموز (فالقنبلة النووية الباكستانية وكما أثبتت الأحداث، للديكور السياسي وليست للردع)... ولكن ماهي مبررات الشيخ القطري في ركضه سرا وعلانية لاستعطاف اسرائيل وكسب ودها ؟ هل أن الشيخ حمد بن جبر آل ثاني يخشى أن تقوم اسرائيل بتوجيه ضربة مدمرة لاصطبله الخاص بالخيول العربية الأصيلة؟ أم أنه يخشى من قيام قاذفاتها الاستراتيجية بتدمير ميدان سباق الجمال الهجن في الدوحة ؟

هل كانت قناة الجزيرة ستكتفي بسطر واحد يتيم، في نشرة اخبارية، لو أن هذا اللقاء قد عقد بين شالوم ومسؤول خليجي آخر ؟

ثمة سؤال آخر، باتساع الأفق العربي، أتمنى لو تخصص له الجزيرة برنامجا من برامجها العديدة للايجابة عنه، أو كشف مسوغاته، وهو : لماذا اختار الشيخان الوزيران، عشية الذكرى السنوية لمجزرة صبرا وشاتيلا، موعدا للقائهما الحميم الذي قررا فيه تطوير علاقاتهما الدبلوماسية. ففي السياسة لا وجود للمصادفات. بقدر وجود التخطيط المسبق للخطوات والمواقف.

هذه الاسئلة وغيرها، نتمنى معرفة اجاباتها في برنامج مثل (الاتجاه المعاكس) أو (بلا حدود) وغيرهما من البرامج الكثيرة التي أعدها محللو الجزيرة ومراسلوها حين قام وزير خارجية باكستان بمصافحة سيلفان شالوم والجلوس اليه بضع دقائق في أنقرة.

أنها مجرد دعوة كي تثبت لنا الجزيرة التزامها بميثاق الشرف الصحفي.


 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com