|
الحالمون بكاترينا غيت (1) في الوقت الذي كان فيه العالم يتابع تطورات الأوضاع المأساوية في مدينة (نيو اورليانز) والمناطق المجاورة لها التي ضربتها أقوى إعصار مدمر في تأريخ الولايات المتحدة الأميركية وتسارع الحكومات والمنظمات الإنسانية إلى الأعراب عن تعاطفها مع الضحايا وترسل فرق الإنقاذ ومواد الإغاثة إلى المناطق المنكوبة اوتتبرع بمبالغ نقدية لأعادة تأهيلها ، في هذا الوقت تحديدا انهالت علينا- عبر وسائل الأعلام العربية- مقالات وتعليقات حول هذه الفاجعة الإنسانية بأقلام العديد من الكتاب العرب تتسم –ماعدا بعض الاستثناءات النادرة- بطابع الشماتة بالضحايا الأبرياء( ومعظمهم من النساء والأطفال والمعوقين والمرضى والشيوخ) واعتبار هذه الكارثة،عقابا إلهيا لهم، ليس لجرم ارتكبوه،بل لمجرد كونهم مواطنين أميركيين، ومن المفارقة حقا أن هؤلاء الكتاب يقعون في تناقض فاضح،عندما يدافعون فى نفس الوقت عن السكان الزنوج (الذين يشكلون حوالى 60% من سكان المدينة) ويتهمون السلطات الأميركية بممارسة سياسة التفرقة العنصرية إزاءهم والتقصير في إنقاذ أرواحهم وتركهم يواجهون الموت غرقا وما إلى ذلك من الانتقادات اللاذعة والاتهامات الجاهزة لكل مقام ومقال ما دام الأمر يتعلق بأميركا(عدوة الشعوب) كما يزعمون. إننا لا ندافع عن الولايات المتحدة الأميركية –فهي ليست بحاجة إلى من يدافع عنها- ولكننا نستغرب من دعاة (الأخلاق الفاضلة والعدل والمساواة بين الشعوب) إن تصدر عنهم كلام ينم عن الحقد الأعمى ، ليس على الحكومة الأميركية ، بل على الشعب الأميركي والشماتة بأناس ابرياء لم يستطيعوا الإفلات في الوقت المناسب من الكارثة لعجزهم البدني.وهؤلاء الكتاب الذين يتشدقون ليل نهار بالإنسانية والإسلام والعروبة لا يتورعون عن التعبير عن ابتهاجهم بالكارثة التي أدت إلى وفاة أناس أبرياء غرقا وعطشااو جوعا. إن معارضة النهج السياسي لحكومة الولايات المتحدة الأميركية والمحافظين الجدد والاختلاف ألأيديولوجي مع حزب وجماعة ليس مبررا للشماتة ومن الواضح تماما إن هذا النوع من السلوك يدل على تأصل نزعة الشر والأنتقام لدى البعض والأستخفاف بمعاناة الأخرين وينم عن مشاعر بدائية وعنصرية مقيتة . (2) يقول الشامتون:كيف إن اقوي واغني دولة في العالم تعجز عن حماية مواطنيها من إعصار مدمر؟ وربما لا يعلم هؤلاء إن الإعصار كاترينا الذي بلغت سرعته 280كم/ساعة هي اقوي إعصار في تأريخ الولايات المتحدة الأميركية وقد صاحبتها إمطار غزيرة وفيضانات وسيول كاسحة اجتاحت خمس ولايات امبركية فى ان واحد، يبلغ اجمالى مساحاتها، مساحة بريطانيا تقريبا وان ارتفاع أمواج البحر العارمة التى ضربت ميناء نيواورليانز( الواقع تحت مستوى سطح البحر) قد بلغ حوالي (8.5) متر. وكانت الساطات الأميركية الفدرالية والمحلية قد حذرت السكان مسبقا وطلبت منهم مغادرة المناطق الخطرة طواعية وقد تم فعلا اجلاء معظم السكان من المناطق الخطرة وبضمتهم من لا يمتلك المال اللازم لذلك، ولكن المشكلة الحقيقية كانت تكمن في أن السلطات الأميركية لم تقم بعمليات إجلاء قسرية في الأيام الأولى للكارثة،وثمة دائما في أميركا نسبة من السكان لا تعجبها الانصياع لأوامر الحكومة وتفضل أن تتمسك برأيها بصرف النظر عن النتائج وقد تلكأت السلطات المحلية والفدرالية فى اللجؤ الى الأجلاء القسرى خلال الأيام الثلاثة الأولى للكارثة مما أدى إلى نشؤ وضع مأساوى، حيث كان السكان الذين لم يغادروا المدينة ولم يتم اجلائهم يموتون من الظمأ الشديد والأوضاع الصحية السيئة وحرارة الجو ، ومما زاد الطين بلة أن الكثيرين من أفراد الشرطة المحلية لاذوا بالفرار ، كما ان الوكالة الفدرالية للطوارئ بدت عاجزة تماما عن اتخاذ الأجراءات اللازمة في الوقت المناسب. ولم يكن المشهد يختلف كثيرا عن مشاهد مشابهة في الدول المتخلفة التي تعرضت إلى كوارث طبيعية من أعاصير وفيضانات.وكان من السهل تصور هذا لأن معظم من فضل البقاء في المدينة كانوا من السكان السود الفقراء، حيث انتشرت بينهم أعمال العنف والنهب والسلب. ولم تتحرك ماكنة الدولة الأعظم الا فى اليوم الرابع للكارثة،حيث بدأت اضخم حملات اجلاء وانقاذ في تأريخ الولايات المتحدة ، وهى حملات واسعة النطاق تشمل خمس ولايات امريكية ولا تقتصر على مدينة نيو اورليانز فقط حيث تم اجلاء عشرات الألوف من البشر يوميا من المناطق المنكوبة وإسكانهم في مخيمات معدة لهذا الغرض فى الولايات المجاورة، واذا نظرنا الى هذه الجهود بموضوعية وحيادية، نرى انها تدل على توفر قدرات لمواجهة كارثة بهذا الحجم لا تتمتع بها اى دولة اخرى فى العالم وهى اجمالا جهود تستحق الثناء لا السخرية والشماتة. (3) لم يدرك الرئيس بوش خطورة الموقف في بادئ ألأمر ولكنه أصيب بصدمة ،عندما اتضحت إمامه الصورة الحقيقية للدمار الذي خلفه الإعصار والمأسى الناجمة عنه بسبب الأخطاء المرتكبة في الأيام الثلاثة ألأولى لوقوع الكارثة (تلكؤ الأجهزة الفدرالية المكلفة بمواجهة مثل هذه الحالات الطارئة وعجز السلطات المحلية عن السيطرة على الموقف والضجة الكبرى التي أثارتها وسائل ألأعلام الأميركية على وجه الخصوص) ، كل هذه العوامل اجبر الرئيس بوش على أن يتولى بنفسه ألأشراف على عمليات ألإنقاذ وإعادة الحياة إلى المناطق المنكوبة ، حيث قام بأربع زيارات إلى هذه المناطق لحد الآن وأعلن عن تخصيص مبلغ(200) مليارد دولار لأعادة تأهيلها وتقديم منحة شهرية لكل لاجىء تبلغ ألفى دولار شهريا وتعهد بأن السكان الذين شردهم الأعصار سيكون بوسعهم العودة الى مناطق سكناهم الأصلية فى منتصف شهر أكتوبر القادم ولقد تم لحد الأن إصلاح معظم شبكات الكهرباء والماء والأتصالات وغيرها من الخدمات الأساسية فى الولايات المتضررة،ولو حدثت كارثة مماثلة فى دول العالم الثالث لكانت الخسائر أعظم وأفدح وربما وصل عدد الضحايا إلى عشرات الألوف( وليس عدة مئات ،كما هو الحال اليوم في الولايات الأميركية المنكوبة) كما إن إعادة الخدمات لم تكن تتم بمثل هذه السرعة وربما تطلب الأمر في مثل هذه الحالات عدة سنوات وليس عدة أسابيع. ولم يكن الأميركيون أمريكيين حقا لو لم يشرعوا باستخلاص الدروس والعبر القاسية من هذه الكارثة ولم يعاقبوا المذنبين والمقصرين بسببب الأخطاء المرتكبة، حيث تم فصل مدير الوكالة الفدرالية للطوارئ وسيمثل إمام اللجنة التحقيقية الخاصة التي شكلها الكونجرس لتقصى الحقائق وستتبعها إجراءات أخرى لمعاقبة المقصرين على ضؤ التقرير المنتظر للجنة ، وليس المهم هنا الية عمل النظام الأميركي فقط ، حيث القانون فوق الجميع ويخضع المواطنون للمساءلة اذا خالفوا القوانين المرعية وبضمتهم الرئيس نفسه، ولكن الأهم من ذلك ما سينجم عن هذه الكارثة من نتائج وتداعيات ،ليس بالنسبة إلى الولايات المتحدة فقط ولكن لبقية العالم وقد تكون اخطر مما تبدو الآن.والأسئلة التي تتردد اليوم على السنة معظم ألأميركيين، هي من هذا القبيل: - لماذا ساعدنا بسخاء ضحايا كارثة تسونومى والكوارث الأخرى في العالم الثالث إذا كنا عاجزين عن إنقاذ إحدى مدننا ؟ - ولماذا نحن في العراق وأفغانستان ( ثلث منتسبى الحرس الوطني فى ولايتي لويزيانا وميسيسيبي كانوا في وقت وقوع الكارثة في هذين البلدين) إذا كنا نعانى من نقص في عدد أفراد البوليس ؟ وفى هذه الحالة تتصاعد المطالبة بسحب القوات الأميركية من العراق وتقليص عددها، مما سيؤدى إلى تدهور الوضع الأمنى فى العراق والأخفاق التام للعملية السياسية الجارية الأن واستيلاء التيارات الأسلاموية المتشددة على الحكم، كما تزداد مقاومة الأميركيين للنهج الأممى في السياسة الخارجية الأميركية التى تتصف به إدارة الرئيس بوش، هذه الأممية التى تنعكس سلبا على ميزان المدفوعات الأميركى . ويمكن للأرهابين الأسلامويين استغلال هذا التراجع الأميركى واعتباره نقطة ضعف تجبر الأدارة الأميركية على التركيز على القضايا الداخلية وليس حل القضايا على الصعيد العالمى مثل محاربة الأرهاب وتمويل برامج المساعدات الخارجية لمكافحة الفقر والأمراض فى افريقيا والبرامج الإنسانية والطبية والعلمية فى جميع انحاء العالم وحتى فى الفضاء مثل الرحلات الفضائية الدولية. إن كارثة نيو اورليانز يمكن أن تحي العزلة الأميركية التي تطالب بها شريحة واسعة من ألرأي العام ألأميركي. كما إن موقف بوش سيضعف إلى حد كبير، ولو حدثت كارثة نيو اورليانز خلال ولايته الأولى لم يكن يشهد ولاية ثانية ، لأنه هو بالذات قام في الآونة الأخيرة بتقليص الأموال المخصصة لبناء الإنشاءات الوقائية حول( نيو اورلياز) . وبالرغم من كل هذه التداعيات المنتظرة ليس من المتوقع أن نشهد (كاترينا غيت)كما يحلم الشامتون لعدة اسباب لعل فى مقدمتها تمتع الحزب الجمهورى بألأغلبية فى المجلسين (النواب والشيوخ) والتضامن العالمى مع الولايات المتحدة الأميركية فى اعادة اعمار المناطق المتضررة ، والكفاءة العالية والقدرات الفنية والمالية الكبيرة التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأميركية والتى لا نظير لها فى العالم ،وهذه حقائق غابت عن الحالمين بكاترينا غيت .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |