الحرب السورية ـ الإيرانية على العراق

 

عزيز الحاج

أصبح تسلل الإرهابيين من الحدود السورية لتقتيل العراقيين أوضح من الوضوح! وبحسب التقارير المنشورة فإن مالا يقل عن 150 متسللا إرهابيا يعبرون من الحدود السورية وهم من مختلف الجنسيات العربية. لهذا، فبرغم قتل واعتقال المئات منهم، فإن أعدادهم تزداد. ومعارك تلعفر الأخيرة أثبتت من جديد جريمة إدخال المجرمين القتلة من سورية. ثم من لا يعرف أن قيادات ميدانية من بعث العراق متواجدة على الحدود السورية لقيادة عمليات القتل والتفجير والتفخيخ وبوتيرة متصاعدة كل يوم؟ إن جميع مراوغات النظام السوري وجميع تصريحاته الخبيثة لن تنفي الشواهد الكثيرة عن التدخل السوري الواسع النطاق من خلال هذه الموجات الإرهابية المتتالية التي تتسلل للعراق. كما ليس خافيا أن البعثيين العراقيين هم الذين يقودون حرب الإرهاب داخل العراق وأن الزرقاويين السلفيين هم حلفاؤهم وتحت قيادتهم وحمايتهم داخل العراق.

 الملاحظ أن الحرب الإرهابية على العراق تفاقمت واشتدت بعد زيارة بشار الأسد لطهران للتنسيق حول كيفية مواجهة الضغوط الأمريكية وتصفية الحسابات مع واشنطن عن طريق تصعيد الإرهاب في العراق، وخلق حالة عدم استقرار دائمة تزرع الخوف والقلق، وتعيق بل وتدمر عمليات البناء وحماية الخدمات، ولإرباك وتعطيل مجمل العملية السياسية في العراق. إن الورقة العراقية هي في نظر نظام الملالي ونظام البعث السوري هي الورقة الأقوى عندهم لمواجهة ضغوط المجتمع الدولي بعد أن اضطرت سوريا وبمذلة لسحب قواتها من لبنان وبعد أن بلغ صبر المجتمع الدولي من النشاط النووي العسكري الإيراني ينفد. ومعلوم أن الاتحاد الأوروبي توهم خلال عامين كاملين أن الدبلوماسية مع نظام الملالي سوف يجدي. ولكنه برغم جميع الوعود والتعهدات الأوروبية لإيران بتقديم المساعدات السخية في كافة الميادين شرط وقف برنامج تخصيب اليورانيوم، فإن إيران استغلت فرصة العامين لمواصلة نشاطها النووي العسكري ووصلت الحالة منذ أيام لتحدي مجلس الأمن صراحة في القمة الدولية. وتذكرنا هذه المناورات وميوعة المواقف الأوروبية بالموقف من صدام ومراوغاته. إن الاتحاد الأوروبي ظل مترددا حتى عن طرح المشكلة في مجلس الأمن لاتخاذ قرارات أقوى لوقف الخطر النووي الإيراني، الموجه ليس لإسرائيل بالطبع، ولا ضد الولايات المتحدة بل لتهديد الدول العربية واستمرار ابتزازها وابتزاز العراق خاصة.

أما آخر حلقات التدخل الإيراني السافر في العراق فالفتنة الدموية الجديدة لمقتدى الصدر ومليشياته، بمهاجمة القوات البريطانية عنوة واعتقال الشرطة الموالية لها جنودا بريطانيين سلموا للميليشيات وليس للحكومة العراقية. أما تهمة الاعتقال فإنها من السخف والهراء بحيث لا يصدقه غير أغبى الأغبياء! أما الدافع الآني فهو إجراء صفقة مع الإنجليز لإطلاق أحد الدعاة الصدريين الخطيرين للإرهاب والمسئول عن مقتل سبعة عن الأقل.

 إن الفتنة الجديدة الهادفة للضغط لخروج القوات البريطانية من البصرة هي جزء من خطة إيرانية ـ سورية وصدامية لإحراج القوات الصديقة وبأمل خروجها ليخلو الجو نهائيا للإرهابيين من كل الأنواع وكورقة ضغط يتوهمها النظامان ضد الضغوط الأمريكية بخلق المشاكل للأمريكان داخل العراق. لقد دفع الصحفي الأمريكي الحر دنيس فنسنت حياته لأنه فضح في تقاريره سطوة المليشيات الشيعية في البصرة وخضوع الشرطة العراقية هناك لها ولا سيما لأنصار مقتدى الصدر. كما فضح سيارة الموت التيوتا التي تخطف الناس مساء وتغتالهم، وهي نفس السيارة التي اختطفت الصحفي وقتلته بمنتهى الوحشية بعد يوم واحد من نشر آخر تقاريره عن البصرة وشرطتها ومحافظها في الصحافة.

إن الحرب السورية على العراق هي تصدير الإرهاب من الخارج وإسناد البعثييين الذين هم القوة الرئيسية للإرهاب. أما التدخل الإيراني فهو متعدد الأشكال، وهو خبيث ماكر وسافر ومستتر تطبيقا لسلوك البازار والملالي في إيران. هذا التدخل يمتد من صرف أكثر من مليار دولار سنويا إلى تنظيمات وميليشيات موالية لها، وعلى ما يسمى ب"المعونات الخيرية"، وإلى تصدير الإرهابيين من حزب الله في لبنان والمئات من عناصر الباسداران (حرس الثورة) وإطلاعات (الإستخبارات الإيرانية) وتفجير الفتن الدموية من خلال جيش المهدي الذي يتشكل معظمه من فدائيي صدام ورجال مخابراته بعد لبسهم العمائم. كما تقوم إيران بتسهيل تهريب النفط العراقي لإيران وتهريب المخدرات للعراق.

لم يكن خطر الصدريين ليستفحل لهذا الحد لو أن القوات الأمريكية اعتقلت الصدر بعد صدور أمر إلقاء القبض العراقية عليه إثر اغتيال المغدور عبد المجيد الخوئي الذي تم بعد يوم واحد فقط من تحرير بغداد من قبضة عصابة النظام المنهار. وبعد فوات تلك الفرصة، [ لا يزال الأمر القضائي باقيا]، كانت هناك فرصة فتنة النجف واحتلال جيش المهدي للحرم الحيدري. هنا تدخل "البيت الشيعي" والمرجعية لحل المشكلة بحقن الدماء ولكن بثمن خروج الصدريين من الحرم بكامل أسلحتهم وهم يلوحون بإشارات الانتصار، لتفجير الفتن والأزمات في بغداد والجنوب. ومن الأغرب أنه، بدلا من محاسبة الصدر واتباعه تم ضمهم للبيت الشيعي ودخلوا في القائمة الشيعية الموحدة ليصبح منهم وزيران أو أكثر وعدد كبير من النواب. هذا لا يمكن وقوعه في غير عراق اليوم!! أما أخونا الدكتور أحمد الجلبي فقد بلغ إعجابه بمقتدى الصدر لحد وصف حركته ب"تيار المحرومين"! والدكتور محمد الربيعي يتوجه البصرة "للتوفيق بين الطرفين" أي القوات البريطانية وأعوان الصدر بدلا من الذهاب لتشخيص المجرمين وطلب محاكمتهم.

إن هناك نظريات وآراء عند بعض الوطنيين مفادها أن فضح وإدانة جرائم الصدريين والانتهاكات التي تقترفها سائر المليشيات في الجنوب ضد المرأة والأقليات الدينية واستخدام العنف لفرض "حكم الشريعة"، هما خدمة للبعثيين لأن خطر هؤلاء هو الأكبر اليوم ولأنهم هم القوة الكبرى في جيش الإرهابيين الذي يضم السلفيين الزرقاويين أيضا. صحيح أن هذه القوى الإجرامية هي المسئولة عن عمليات التفجير والقتل الجماعي ولا سيما ضد المواطنات والمواطنين الشيعة"، ولكن هذا الخطر الأكيد لا يبرر الصمت عن التدخل الإيراني واسع النطاق في الجنوب وحيث تكاد البصرة تصبح ولاية إيرانية، وحيث تتدخل المخابرات الإيرانية حتى في تعيين الموظفين واستبدالهم. كما أنه ليس مقبولا الصمت عن تبعية الشرطة للمليشيات المرتبطة بإيران بدلا من أن تكون خاضعة للحكومة المركزية. إن الانتهاكات المقترفة في الجنوب والتي وصلت حتى للعدوان على الحلاقين والجامعات ولابسي الجينز، هي الأخرى نوع من الإرهاب.أما تبرير هذه الجرائم بكونها ترتكب من مجرد أقلية، او أنها رد فعل على جرائم صدام ضد الشيعة وأن مقترفيها هم من "ضحايا البعث"، فإنه تبرير يبلغ درجة تبرير الانتهاكات وتشجيعها. إن ألمانيا الهتلرية فتكت بأكثر من خمسين مليون أوروبي، وكان الشعب الألماني كله تقريبا يعبد هتلر؛ ولكن الشعوب المتضررة من العدوان الألماني والإيطالي والياباني في أوروبا وآسيا، لم تمارس عمليات انتقام من شعوب الدول الثلاث المعتدية، بل على العكس قامت بمساعدتها على إعادة التعمير والتقدم. إن أسطوانة "نحن ضحايا أمس ويحق لنا الانتقام"حجة واهية وخطرة أيضا.

 أجل وأجل! إنها حرب إيرانية ـ سورية وصدامية على العراق وتتخذ مختلف الأشكال. وإذا كان بعض المسئولين العراقيين يصرحون أحيانا عن التدخل السوري، فإن الحكومة العراقية صامتة عن التدخل الإيراني الفاضح. والحجة السورية بكونها عاجزة عن ضبط حدودها مع العراق هي أوهى من خيوط العنكبوت. إن نظاما يحصي على الناس أنفاسهم في الداخل ليس عاجزا عن ضبط حدوده. وسوريا، التي تضبط حدودها عند الجولان وتضرب بيد من حديد على كل تسلل للقيام بعملية ما ضد إسرائيل، هي نفسها التي تزعم كونها عاجزة عن ضبط الحدود مع العراق!!

دعونا عشرات المرات لطرح مسألة التدخل السوري على مجلس الأمن ولكن المسئولين العراقيين يواصلون المجاملة. أما عن إيران فكيف نتوقع من أحزاب وتنظيمات لها عشرات الصلات بنظام خامنئي أن ترفع صوتا ما ولو لمجرد نقد إيران! 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com