|
من المستفيد من تصاعد التوتر في البصرة؟
د. عبدالخالق حسين Abdulkhaliq.Hussein@btinternet.com
إن ما حصل من توتر بين القوات البريطانية والشرطة العراقية يوم 19 أيلول الجاري وانتهت بفقدان ماء وجه الحكومة وهزيمة قواتها الأمنية الملغومة، ما هو إلا الجزء المرئي من تغلغل المليشيات الإسلامية الموالية لإيران في الأجهزة الأمنية ومحاولاتها الرامية إلى جر البصرة وبقية المحافظات الجنوبية إلى فوضى عارمة وبالتالي تحويلها إلى فلوجة ثانية وتحت سيطرة هذه المليشيات التي تنفذ المخطط الإيراني-السوري الرهيب. منذ تحرير العراق يوم 9 نيسان 2003 على أيدي قوات التحالف بقيادة أمريكا وخلاصه من أبشع نظام عرفه التاريخ، تبنت إيران وسوريا خطة جهنمية مشتركة لتحويل العراق إلى "مستنقع فيتنامي" جديد للأمريكان وذلك خوف أن يحصل لهما ما حصل للبعث الفاشي في العراق. وهذا القرار السوري-الإيراني هو تحالف استراتيجي يتقرر عليه مستقبل ومصير النظامين الفاشيين الشموليين ولا يمكن التخلي عنه مهما أعطيا من وعود وعهود كاذبة بعدم التدخل في الشأن العراقي. والمخطط هذا تطلب تشكيل مليشيات إسلامية في العراق تحمل أسماء طائفية تعبث بالأمن. ففي الجنوب جيش المهدي وفيلق بدر، وفي الشمال (المثلث السني العربي) فيلق عمر وأنصار السنة...الخ. وما أن سقط النظام الفاشي حتى سارعت إيران إلى تحريك عميلها الشاب المغرر به مقتدى الصدر، مستفيدة من جهله وتخلفه الثقافي ورغبته الجامحة في الزعامة وحب الظهور، مما يسهل قياده بالشكل الذي تريد منه إيران، فصرفوا عليه ببذخ وشكلوا له قوات ما يسمى ب"جيش المهدي" مهمته إثارة المشاكل والاضطرابات والعبث بأمن البلاد وعرقلة إعمار العراق. وقد بات معروفاً لدى القاصي والداني أن معظم منتسبي مليشيات مقتدى الصدر هم من فدائيي صدام وغيرهم من فلول البعث الفاشي الساقط، حيث وجدوا في جيش المهدي ملاذهم الآمن لمواصلة التخريب، في هذه المرة باسم الدين ومحاربة الاحتلال الأجنبي. لقد قامت القوات الإيرانية في العام الماضي بعملية قرصنة في مدخل شط العرب عندما اختطفت زوارق تابعة للقوات البريطانية بحجة دخولها في المياه الإقليمية الإيرانية. وتم استعراض الجنود البريطانيين في التلفزيون الإيراني بغية إهانتهم كما وقاموا بعمليات إعدام تمويهية للإمعان في إرعابهم وإذلالهم. وأخيراً تم إطلاق سراح الجنود ومصادرة الزوارق. وعمليات مشابهة لهذه القرصنة تكررت على الحدود العراقية-الإيرانية لخلق الصعوبات أمام القوات البريطانية لإرغامها على الانسحاب المبكر. إن الهدف من وجود القوات البريطانية في البصرة هو لصالح العراق، للحفاظ على الأمن وتدريب القوات العراقية المسلحة من أجل رفع قدراتها في حفظ أمن المواطنين العراقيين وإلحاق الهزيمة بالإرهابيين. كما قامت جهات في المجر الكبير قبل عامين بقتل ستة من الشرطة البريطانية جاءوا خصيصاً لتدريب العراقيين. وقد أفادت التقارير أن القتلة لهم علاقة بالجهات الإيرانية. والحكومة البريطانية تتمنى سحب قواتها من العراق بأسرع وقت ممكن، ولكنها في نفس الوقت تعرف أن الانسحاب المبكر قبل إنجاز المهمة سيلحق أشد الأضرار بالشعب العراقي نفسه ويكون نصراً كبيراً للبعثيين وحلفائهم الزرقاويين القتلة. كذلك بات معروفاً لدى أهل البصرة أن إيران كثفت نفوذها وتواجد إستخباراتها ومؤسساتها التجسسية التخريبية تحت واجهة (منظمات خيرية) لمساعدة الفقراء العراقيين. وقد أثبتت إيران خلال العامين الماضيين قدرتها على تنفيذ مخططها الجهنمي هذا في توظيف المشاعر الدينية لدى العراقيين وخاصة في المحافظات الجنوبية الشيعية التي عانت كثيراً من ظلم النظام البعثي الساقط لأغراضها السياسية وعلى الضد من مصلحة الشعب العراقي. وهناك أنباء تفيد على أن إيران جلبت المئات من مقاتلي حزب الله اللبناني إلى البصرة للقيام بشن حرب العصابات ضد القوات البريطانية. كلها هذا يحصل وحكومتنا الرشيدة المنتخبة لا تحرك ساكناً والتزمت جانب الصمت من كل ما تعمله إيران من تجنيد المرتزقة وأعمال تخريب ضد العراق وشعبه. إن تصعيد التوتر مع القوات البريطانية هو جزء من المخطط الإيراني- السوري في شن الحرب على العراق الجديد ومنع استقراره. لقد بادرت المليشيات الشيعية ذات الارتباط بإيران بالتعرض إلى القوات البريطانية مسببة قتل العديد من جنودها في البصرة والعمارة. وكان آخر هذه الأحداث مقتل ثلاثة جنود بريطانيين في الأسبوع الماضي إضافة إلى مقتل سبعة عراقيين، يعتقد أن العقل المدبر لها هو أحد قادة جيش المهدي، أي جماعة الصدر، المدعومة من إيران، وقد نجحت القوات البريطانية في إلقاء القبض عليه واعتقاله. لذا خرج أتباع مقتدى الصدر بمظاهرات صاخبة والتعرض إلى الجنود البريطانيين في مدينة البصرة من أجل إطلاق سراحه. وخلافا لما تقتضيه النظم الديمقراطية، أن تكون القوات المسلحة، بما فيها الشرطة وأجهزة الأمن، بعيدة عن الانتماءات الحزبية والسياسية، يبدو أن أغلب هذه القوات صارت ملغومة من قبل المليشيات الحزبية مثل جيش المهدي وفيلق بدر، وهذا جزء من خطة الأحزاب الإسلامية على استنساخ النموذج الإيراني. فكما تم أسلمة الدستور كتمهيد لحكم ولاية الفقيه، كذلك تم إخضاع القوات المسلحة للأحزاب الإسلامية ومليشياتها ولنفس الغرض. وفي هذه الحالة لنقرأ على الديمقراطية الموعودة السلام. فقد ظهر هذا التغلغل المسيَّس في قوات الشرطة في البصرة بأوضح صوره عندما قامت الشرطة بالتعرض إلى جنديين من القوات البريطانية الخاصة SAS، وبملابس مدنية لأغراض استخباراتية، واعتقالهما. وبدلاً من تسليمهما إلى القوات البريطانية حسب القوانين المتبعة من الطرفين، قامت الشرطة بتسلمهما إلى مليشيات جيش المهدي". وبلغ تصعيد التوتر ذروته يوم 19/9 الجاري عندما تعرضت حشود من أنصار المليشيات الإسلامية وفلول البعث لدبابتين بريطانيتين وأشعلوا النيران فيهما وجرح العديد من الجنود. وغرض تسليم الشرطة العراقية الجنديين البريطانيين إلى المليشيات الإسلامية (جيش المهدي) هو للمقايضة من أجل إطلاق سراح أحد قادتهم المعتقل لدى القوات البريطانية. وهذا دليل واضح على تواطؤ الشرطة العراقية مع المليشيات المسلحة. ويبدو أن الوضع في العراق بلغ حداً من التسيب والفلتان الأمني بحيث رفضت الشرطة المحلية في البصرة تنفيذ أوامر وزير الداخلية القاضية بإطلاق سراح الجنديين البريطانيين. وكما صرح قائد القوات البريطانية في البصرة أن استلموا معلومات تؤكد نية المليشيات قتل الجنديين مما تطلب الأمر بقيام القوات البريطانية شن هجوم مسلح على البيت الذي اعتقل فيه الجنديان وتم إطلاق سراحهما عنوة.
ماذا يعني كل هذا؟ 1- يعني أن البصرة صارت مستعمرة إيرانية خاضعة للنفوذ الإيراني، خاصة وإن صور الزعماء الإيرانيين الدينيين (خميني وخامنئي) معروضة في الدوائر الرسمية بما فيها مكتب المحافظ الذي هو من التيار الصدري. وبذلك فإن البصرة هي أول كانتون تنفذ أوامر طهران بدلاً من أوامر بغداد. 2- لا سيادة للحكومة المركزية على المحافظات وإن أوامر وزير الداخلية لا يعيرها أحد. إذ لو كان هناك ذرة من الانضباط العسكري والسياسي والإحترام المتبادل بين المركز والأطراف، لاستجاب المسؤولون في محافظة البصرة لتعاليم وزير الداخلية بإطلاق سراح الجنديين لحماية ماء وجه الحكومة على الأقل وعدم تمريغ سمعتها في الوحل. 3- القوات العراقية المسلحة ملغومة على نطاق واسع بالمليشيات الإسلامية وفلول البعث وحتى بالسلفيين من أنصار الإرهابي الأردني الزرقاوي. وهذا ما أكده مستشار الأمن الوطني الدكتور موفق الربيعي في تصريح له لوكالات الأنباء يوم أمس (20/9/2005). 4- يجب أن يعرف بلطجية الملشيات الإسلامية وقادتها أنهم مهما بلغوا من فهلوة وشطارة واستطاعوا تمرير شقاواتهم وإبراز بطولاتهم الفارغة على العراقيين الفقراء وإرعاب النساء والطلبة والمسيحيين والصابئة، فإنهم لن يستطيعوا التغلب على قوات دولة كبرى من وزن بريطانيا وأن إيران التي أوقعتهم بهذه الورطة سوف لن تأتي لنجدتهم. 5- إن المناظر الهستيرية التي شاهدناها على شاشات التلفزة مقززة للغاية وتبعث على القرف وتبين بشكل واضح دور البعثيين وحلفاؤهم الصدريين في هذه المهزلة. وهذه الأعمال أساءت كثيراً إلى سمعة العراقيين في الخارج إذ كشفتهم للعالم الخارجي وهم يرقصون حول دبابة بريطانية وهي تحترق ويحاولون تمزيق الجندي البريطاني وهو مشتعل بالنيران، كأنهم من آكلة لحوم البشر. وفعلاً أحال النظام الفاشي الساقط عشرات الألوف من المراهقين والشباب من أبناء شعبنا إلى وحوش ضارية إثناء تدريبهم في منظمة فدائيي صدام وهم يمزقون حيوانات ويأكلون لحومها نيئة والدماء تسيل عليهم وهم في حالة هستيريا صاخبة. هؤلاء يقومون الآن بذات الدور ولكن تحت اسم (جيش المهدي) بدلاً من (فدائيي صدام). هل هذا هو جزاء الجنود البريطانيين وحكومتهم تواجه ضغوطاً شديدة من فئات مناهضة الحرب يطالبون بمغادرة العراق فوراً؟ كلنا نعلم ماذا سيحل بالشعب العراقي على أيدي الإرهابيين فيما لو انسحبت هذه القوات قبل إنجاز مهماتها. إن العراقيين الذين يطالبون قوات التحالف بمغادرة العراق يسيرون نحو الهاوية وهم نيام، إنهم مخدرون بخطب أئمتهم وسيكونون أوائل الضحايا، وسيسحقهم البعثيون وحلفاؤهم السلفيون الزرقاويون ويمزقونهم شر تمزيق كما ملأ بهم صدام المقابر الجماعية بعد انتفاضة آذار 1991. وعندها لن تفيدهم، لا إيران ولا سوريا ولا حزب الله ولا الفضائيات العربية التي تحرض على قتل العباد وحرق البلاد. لقد أثبت النظامان، الإيراني والسوري، ومرتزقتهما في العراق أنهم أغبياء وجهلة بامتياز ولن يتعلموا أي درس من دروس التاريخ ولن يتعظوا حتى من أخطاء صدام حسين، ولذلك سيكون مصيرهم كمصير صدام. عليهم أن يفيقوا من غفوتهم، فالعراق ليس فيتنام ولا يمكن استنساخ التجارب بطريقة ببغاوية. وإذا لم تتوقف المليشيات الإسلامية في العراق عن التخريب، فسيكون مصيرها كمصير الطالبان ولوردات الحروب في أفغانستان. ولا يمكن لأمريكا وبريطانيا الانسحاب من العراق إلا بعد سحق رأس الأفعى ودحر الإرهاب وإقامة نظام ديمقراطي مزدهر قابل للبقاء. لذلك أنصح العقلاء من قادة الأحزاب الإسلامية، السنية والشيعية، أن يعيدوا النظر في تصوراتهم وأهدافهم السياسية ويعملوا بالعقل والحكمة والمنطق السليم، بأن يبدوا ولاءهم للعراق وليس لإيران، وأن لا يزيدوا من عذابات هذا الشعب، فقد نال من العذاب بما فيه الكفاية خلال الأربعين عاماً الماضية. وإذا كانوا يحلمون بإلحاق الهزيمة بأمريكا وإن بإمكانهم إقامة نظام إسلامي على غرار النظام الإيراني فإنهم يرتكبون حماقة ما بعدها من حماقة بحق شعبهم أولاً وبحق أنفسهم ثانياً. يجب أن يعرف هؤلاء، إننا نعيش في عصر العولمة والديمقراطية والقرية الكونية. والتاريخ لن يرجع إلى الوراء مطلقاً.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |