|
الجريمة .. بين الحقيقة والمجاز أمير عبد الحسين الخفاجي العراق / ذي قار / قضاء الرفاعي
روى لي صاحبي انه شاهد مشهدا إجراميا عن ثلاثة مجرمين يذبحون ثلاثة شباب بعد أن وضعوا كل واحد على بطنه على مكان مهيأ للذبح وضربوهم بالسيف من القفى فسقطت رؤوسهم على الأرض ثم اخذوا يهتفون ويرقصون والرؤوس مرفوعة بأيديهم .. وكان صاحبي يصف لي جريان الأحداث بحرقة وحسرة وألم فتألمنا سوية.. وافترقنا وذهب كل واحد منا إلى أهله محزونا .. وفي الطريق .. أخذت أعيد المشهد وكأني قد رايته أنا بدلا من صاحبي الذي رواه لي .. أسئلة كثيرة بدأت تتدفق مثل عين ماء مستمر الجريان .. كيف وصل هؤلاء المجرمون إلى هذا الحد ؟!! ويا ترى كم هي المراحل والأشواط التدريبية التي مروا بها؟!! .. إلى غير ذلك من الأسئلة النابعة من شدة الاستغراب ، وهول الدهشة .. وبينما أنا كذلك .. انتابني صداع شديد .. وتوترت أعصابي .. حتى دخلت الدار متجها إلى غرفتي مباشرة فوضعت رأسي على الوسادة عسى أن يخف الصداع الذي بدا يزداد كلما ذكرت إحدى تلك الصور ..وان وتسترخي أعصابي المتوترة .. ونفسي التي أحس بها تريد منفذا للخروج من حواجز هذا الجسد المادي المخيف .. فاعتراني نعاس مفاجئ .. وسيطرت عليَّ غفوة خاطفة.. وكأني بجسدي يقول : جئتِ بوقتكِ أيتها الغفوة .. أسعفيني قبل أن ترحل روحي إلى السماء تاركة وراءها كتلة من اللحم والعظام التي لا معنى فيهما ولا إحساس .. حتى صحوت اثر طرقات على الباب.. ** من هناك ؟ ** أريد من مالِ الله .. في سبيلِ الله .. على حسابِ علي .. على حساب أم البنين ** أخي كرار .. أعط هذا السائل مافي جيبي من النقود ** ولكن .. لا يوجد سوى مائتين وخمسين دينارا ** لا باس ، أعطها إياه ، فان الحرمان اقل منها .. وأعطه ماءا ، ورغيفا من الخبز؛ فمن المؤكد انه عطشان وجائع أيضا. ** جزاكم الله خيرا ، ووفقكم الله .. ورحل من أمام الدار.. عاودتني تلك الصور الإجرامية فقررت أن اكتبها على شكل قصة ، وأضيف إليها شيئا من البعد المسرحي لتكون اكثر قبولا للقارئ ، وتنطلق إلى اكبر جمهور ممكن ..لكن أفكارا منعتني من الكتابة .. ** هناك الكثير من القصص الإجرامية المماثلة بل ربما ابشع منها .. فلماذا لا استعمل الأسلوب المجازي في تلك القصة ، واربط بينها وبين تلك الجرائم المماثلة .. فان لكل كلمة معنيين ، أحدهما معنى موجود في قاموس المفردات - وهو المعنى الحقيقي للكلمة ، والآخر معنى مجازي ، يستعمل للأغراض الأدبية – وهو المعنى المجازي للكلمة ، فوجدت أن هذا النوع من الكتابة افضل واشد وقعا في نفوس الآخرين .. فقلت : هناك سياف أدبي يقابل السياف الجسدي .وهناك مذبوح أدبي – وهو الناقد - يقابل المذبوح البشري .وهناك سيف حقيقي ، وهناك سيف مجازي ..وهناك جثة أدبية - النقد البناء - وهناك جثة بشرية . وهناك أداة أدبية للذبح - الكلمة ، الإشارة ، آية . .. أو غير ذلك .. وهناك أداة مادية للذبح كالسيف والمقص والسكين و..و..الخ . فالسياف الأدبي : هو الذي يذبح ذلك الناقد الموضوعي الذي ينتقد الخطأ وفق المعايير الصحيحة وذلك حينما يقطع السياف الأدبي راسَ قلمه الشريف من القفى ، ليسيل نزيف الحبر الأحمر على ساحة الورقة . ثم تأمل فيما يقال : قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق فمَن قطَعَ رزق العيال والأطفال فكأنما ذبحهم جميعا وهذه جريمة تعاقب عليها جميع القوانين السماوية وحتى القوانين الوضعية .. كما إن بإمكانك أن تصيح سيافا محترفا بكلمة واحدة تقولها بحق من لا يستحقها (سلبا أو إيجابا) .. مما قد يضر ولا ينفع .. ولنتذكر قصة موسى بن عمران حينما ابتلاه الخالق الكريم بالمجرم الإرهابي فر عون الذي كان ( يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فان فر عون هذا هو ظاهرة موجودة حتى لدى الانسان وبداخله الذي يسلط عمله السيء على عمله الجيد فيقوم السيء بذبح الجيد نحرا دون رحمة .. فان السيئات يذهبن الطيبات .. وحتى اسم فر عون يحتوي بداخله معاني الشر والإجرام .. وكان هامان يتقرب إلى إلهه فرعون زلفى .. وكذلك السياف .. وهكذا ذابح الرزق..وذابح النقد البناء.. وذابح الكلمة .. الخ . وربما تسير متجولا في مدينة ما.. فلا تجد أهلها أحياءً بل أمواتا لا يتحركون واسباب موتهم مختلفة .. قال الشاعر: من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد فمنهم ناقد مذبوح ، ومنهم طفل قطعوا رزقه او سرقوا دواءه ليباع في السوق السوداء بثمن أعلى ، واخر كان تبعيا وذاك كرديا ، واخر قضيته سياسية .. ومنهم .. ومنهم .. وهكذا الحال نفسه في المدينة الأخرى ، والثالثة ، والرابعة .. حتى تكتشف في النهاية ان البلد كله مذبوح وأهله لا يشعرون .. لكنك إن دققت النظر جيدا ، وتوغلت إلى الأحياء القديمة ، رأيت أناسا تتلوى كالحية من الجوع وقلة ذات اليد ، أمام أبواب خيبرية لا تفتح إلا بإذن ربها .. وقد لا تفتح أبدا .. لقد ذبحت الكرامة على صدر أمها وهي مازالت طفلة .. تحملت حدة سيف الذابح – بأي معنى كان - وبؤس اليتيم .. وبآية قرآنية واحدة ، يكمنك ان تذبح من تشاء ، متى تشاء ، كما تشاء .. وقبل ان تذبح بالآية عليك ان تذبحها أولا ، لتذبح بها ثانيا .. وحتى المصور الفوتوغرافي بإمكانه ان يكون سيافا .. حينما يذبح وردة بريئة يصورها ، من مكان ستراتيجي مربح ، ثم يرسم لها أنيابا حادة ، فتبدو وكأنها ذئبا او سبعا ضاريا .. باستخدام احدث تقنيات الدبلجة الصورية المتطورة ، وهندسة التصوير الحديثة .. وقد يكون السياف راهبَ ديرٍ ، يحاول أن يقرع الجرس داخل مقبرة الجماجم المتراكمة ، يدعوهم إلى التوبة ، بطريقة خاصة ، ينالوا بها صكَ الغفران المقدس ، ويمسح على ألسنتهم المقطوعة التي فقدت خاصيتها كما فعلت ذلك العين والأذن .. لقد قيل في السابق : وظلم ذوب القربى اشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند وهكذا - أحبتي - فالإجرام اسهل بكثير مما نتصور، لكنه ابشع بكثير مما نراه في الأقراص الليزرية .. وارجوا منكم العذر للاطالة لكن الصور الاجتماعية كثيرة جدا لمن نظر بعين بصيرة وسمع بأذُن سميعة ، ونطق بلسان غيرِ مقطوعٍ وأشار بيدٍ غيرِ جذّاءَ .. والسلام عليكم ..
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |