قراءة متأنية لتصريحات علاوي في عمان

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

2005-09-22

يعترف الدكتور علاوي بأن "هناك بعثيين اقترفوا جرائم قتل واضطهاد وتعذيب بحق مواطنين عراقيين ويجب إحالة هؤلاء إلى القضاء العراقي لينالوا جزائهم العادل" وهذا فضل منه لا ننساه على الإطلاق، ولكن هل وضع علاوي هذه الحقيقة نصب عينيه يوم أرجع آلاف المجرمين للجيش والقوات المسلحة العراقية والفتية؟ وهل يعرف أن الاختراق الأمني أخطر أنواع المواجهة والتحديات في الحروب؟ وهل يعرف أن جميع الكوارث الأمنية الحالية بسبب تجاهل علاوي هذه الحقيقة؟ تجاهلها بحجة أن هناك معلمين كان النظام البعثي قد أجبرهم على الانضمام للبعث! في حين أعاد تأهيل المجرمين الحقيقيين من رجال مخابرات النظام المقبور!! ليس هذا وحسب بل استشاط علاوي غضبا حين حاولت وزارتي الداخلية والدفاع أن تتخلص من هذه العناصر، وحمل حقائبه على عجل إلى واشنطن ليطلب من الأمريكان أن يأخذوا ضمانات على الحكومة الحالية كي لا تقصي هؤلاء المجرمين المعروفين بالأسماء والذين يمارسون أدوارهم القذرة بكل حرية في هاتين الوزارتين الأكثر أهمية من أي وزارة أخرى، فهو إذا يعرف ماذا فعل، وعمن يدافع، وما الذي يهدف له من وراء هذه العناصر التي أعادها.

ويتساءل علاوي عما فعلته هيئة احتثاث البعث التي قص هو أجنحتها يوم كان رئيسا للوزراء، وذلك بأن قلص عدد أعضائها من مائتين وخمسين موظفا كفئ إلى خمسين فقط، وتركهم بلا مكاتب ولا هويات ولا أدوات يمارسون بها عملهم، واليوم يأتي ليحاسب هذه الهيئة التي كان من المفروض أن يكون عدد أعضائها أكثر من خمسة آلاف موظف ذكي وكفئ لكي يستطيعوا أن يتموا مهمة مراجعة الملفات ومتابعة جرائم البعث لعددها الهائل وكذا العدد الهائل للبعثيين. فلو أردنا إجراء حساب تخميني لعدد أعضاء هيئة اجتثاث البعث، فإننا نجد أمامنا مليوني متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وضد أبناء شعبه، بمعدل عشرة جرائم لكل واحد منهم، وهذا تخمين محافظ جدا، فإننا نجد أنفسنا أمام عشرين مليون جريمة، فلو احتجنا إلى يومين فقط للتحقيق والمحاكمة لكل جريمة، نجد إننا بحاجة إلى أربعين مليون يوم عمل، وإذا كانت طاقة الإنسان هي مائتين وخمسين يوم عمل سنويا، فإننا بحاجة إلى مئة وستين ألف سنة، وعلى أساس أن الدكتور علاوي قد ترك فقط خمسين في هيئة اجتثاث البعث، فإننا نحتاج إلى ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة حتى تنتهي الهيئة من عملها، أي إنها سوف تنتهي في نهاية الألفية الخامسة بإذن الله، ولكن فيما لو ضاعفنا العدد بدلا من خمسين إلى خمسة آلاف، فإننا سنكون بحاجة إلى ثلاثين سنة فقط، ومع ذلك فإننا نقبل بهذه الفترة لعدم وجود هذا العدد الهائل من الحقوقيين المتخصصين، هذا ويجب أن لا ننسى فرق الدعم من مخبرين وشرطة وكتاب وفنيين، فلو أردنا أن نحسب العدد الإجمالي الحقيقي سيكون أكثر من عشرين ألف موظف لكي نحقق بجرائم البعث على الطريقة التي يقترحها الأخ الدكتور علاوي. حيث يقول الدكتور في تصريحاته: ""يجب تشكيل لجنة لمتابعة البعثيين الذين أساءوا للشعب العراقي كي يشعر الشعب العراقي بالعدالة"". وتساءل علاوي عن النتائج التي توصلت إليها هيئة اجتثاث البعث العليا الحالية، قائلاً: ""يجب أن تكون من أول واجبات هذه الهيئة ملاحقة البعثيين الذين اقترفوا جرائم بحق أبناء الشعب العراقي من اجل إسناد نظام ظالم"". وأشار إلى ""ضرورة توخي الحقائق والاستناد إلى الوقائع وسماع الشهود وعدم الوقوع في مطب الانتقامان الكيفية وإتاحة الفرصة للقضاء العراقي ليأخذ دوره الفاعل لبناء مؤسسته العادلة"". ولم ينتهي كلام الدكتور عند هذا الحد، فقد دعا ""لتـشكيل لجنة قانونية تتقصى الحقائق وتستمع لإفادات الشهود وإحالة من اقترف جرائم من البعثيين إلى القضاء العراقي""، وهنا نقف عند هذا الحد لبعض التعليق، أن كيف فهمنا التصريحات.

قبل كل شيء هذا الكلام صحيح ولكن ينقصه أمرين مهمين وهما، أن يكون البعثيين خارج أي موقع من مواقع السلطة حتى الانتهاء من أمر التحقيق، وهذا إجراء طبيعي في كل تحقيق، حيث يجب أن لا يكون لهم وجود في الأجهزة الأمنية بكل أنواعها والقضاء وأجهزة النزاهة ودواوين الرقابة من أي نوع كان، هذا الأمر مهم جدا لكي نستطيع أن نبعد الأذى المحتمل من أي بعثي حتى اكتمال المهمة التي يقترحها علاوي، وهي المهمة التي أسندها إلى الهيئة المقترحة، لأن بوجود البعثيين في هذه الأجهزة التي ذكرناها سوف يعيقون أي عمل لهذه الهيئة ويفشلون عملها بالكامل، هذا أولا، أما ثانيا، ما هو عدد أعضاء هذه الهيئة؟ وهل هي تنسيقية أم تنفيذية؟ فلو كانت مهمتها تنسيقية ربما نحتاج إلى عشرة أشخاص أكفاء فقط، أما لو كانت تنفيذية، فإننا ربما نحتاج إلى عدد كبير جدا كما لاحظنا ذلك من خلال الحسابات الواقعية التي أجريناها قبل قليل.

حقيقة أنا أتمنى أن لا يكون العدد كبيرا جدا فيما لو تم تنفيذ الشرط الأول وهو إبعاد البعثيين عن المواقع الحساسة في الدولة، لأن مهمة الثلاثة آلاف سنة التي نحتاجها لمراجعة جميع ملفات البعثيين سوف لن تؤثر على الوضع الأمني ولا مستقبل العراق. وفي حال إبعادهم يمكن أن نعمل وفق القانون فعلا ونستمع للشهود بروية من دون استعجال، وفي حال عدم توفرهم، قد نحتاج إلى وقت آخر للوصول إليهم على مهل، المهم هو أن يكونوا بعيدين حتى يحسم أمرهم، ومن ثم يتم فرز البعثي على أنه فعلا بريء، بعدها يمكن له أن يبحث عن عمل مناسب له بجهوده الشخصية، تماما كما بحثنا نحن كعراقيين عن فرصة عمل مهما كان شكلها أيام كان البعث يتحكم بكل شيء في حياتنا، فقد بحثنا حتى في القمامة عن أشياء مفيدة يمكن بيعها في السوق العطشى لكل شيء، والبعض منا باع شبابيك بيته والأبواب، وحتى بعضا من الطابوق الذي يمكن الاستغناء عنه، كالطابوق في التشاريف العليا للبيت، أما العراقيين المهجرين والمهاجرين، فإنهم بقوا في المنافي يبحثون عن فرصة عمل وملاجئ لتؤويهم ومازالوا يبحثون حتى يومنا هذا.

وتحدث أيضا عن مؤتمر الوحدة الوطنية الذي سيعقد برئاسته، وهنا مربط الفرس، أو الهدف من التصريحات، هذا المؤتمر سوف يحضره أكثر من ألف شخص من العراقيين "إلى جانب مدعوين عرب من الأردن وسورية ولبنان ومصر والمغرب العربي وممثل عن جامعة الدول العربية" كما يقول.

يريد الدكتور علاوي بهذا الحشد أن يتكئ على العمق العربي وفق مشروعه السياسي، القومي العروبي، البعثي تحديدا، الذي لا يعني الأطراف الأخرى بشيء، فليس جميع القوى الوطنية التي دعاها إلى هذا التحالف تحمل نفس المشروع الذي يؤمن به علاوي وحركته البعثية، فهذه القوى متعددة التوجهات السياسية، منها ما هو أممي، وما هو إسلامي، وما هو ليبرالي، هذا من جانب، ومن جانب آخر، إن الانحياز الواضح للعرب ضد إرادة العراقيين لم يعد أحد يناقش به، فإنه أصبحت من المسلمات، وإن الجامعة العربية لا يهمها سوى فلول النظام البعثي وهيئة علماء المسلمين، أما باقي العراقيين من عرب وكرد وتركمان وكلدوآشوريين وووو، مسلمين ومسيحيين بكل طوائفهم، يستثنى منهم العروبيين طبعا، فإن الجامعة العربية قد أسقطت عنهم الهوية العراقية وحق المواطنة في بلدهم العراق. لذا فإن وجود العرب العروبيين غير مرغوب به في العراق، ولا يمثل ثابت من ثوابت الوحدة الوطنية، فوجود هذا الحشد من مرتزقة العروبة من الأردن وسورية ولبنان ومصر والمغرب العربي وممثل عن جامعة الدول العربية لا يشرفنا، وليس من مصلحتنا أن يشارك العرب في مؤتمر للوحدة الوطنية في العراق، فهل يعقل أن نأتي بمن لا يعترف بعراقية أي منا لكي يقرر لنا وحدتنا الوطنية؟!!

أما عن المحاصة الطائفية التي تحدث عنها أيضا، فهذه أيضا كلمة حق أريد بها باطل، لأن يوم شكل أياد علاوي حكومته لم يأخذ بنظر الاعتبار البعد الوطني ولا ثوابت الوحدة الوطنية بنظر الاعتبار، فكل ما كان بذهنه أن كيف يعيد تأهيل الجيش والقوات المسلحة الصدامية وأن يعيد البعثيين لمناصب ما حلموا بها أيام حكمهم الخبيث، ومن أهم الأهداف التي وضعتها حكومته أن كيف تسرق أكبر قدر من المليارات من أموال العراق المنهك والمهدم والجائع، وما استطعنا أن نتعرف عليه لحد الآن هو سرقة ملياري دولار أمريكي فقط، وقصورا ملكها لجاوزته في المنطقة الخضراء، وفلل في دبي وأماكن أخرى من العالم، فهل احترم الدكتور علاوي مكونات المجتمع العراقي في تشكيل حكومته؟ أم هو يقصد أن الحكومة التي لا تخضع للمحاصصة الطائفية هي تلك الحكومة البعثية بالكامل تقريبا بأهداف لم تعد مشبوهة بعد أن تكشفت بعض الحقائق؟

لكني وقفت وقفة طويلة جدا عندما وصلت إلى عبارة جاءت بتصريحاته أيضا "فإما أن ينهض العراق من جديد ويأخذ دوره الريادي العربي، أو يستمر في انزلاقه نحو الهاوية". فهل هو تهديد باستمرار العنف المسلح الذي لديه صلات معه، وهو من عمل على استفحاله في العراق؟ أم مجرد عبارة للاستهلاك المحلي درجت على لسانه كجزء من خطابه العروبي الموبوء بكل أمراض الأرض والمجرات السماوية؟ فأنا لا أدري ما علاقة العروبة بالنهوض أم الانزلاق نحو الهاوية!!!؟؟؟؟؟ وإذا لم يكن العراق عروبيا ويسلم ثرواته للعرب، فإن العراق سوف ينحدر للهاوية!!! لماذا ينحدر للهاوية إذا لم يكن العراق عروبيا؟ أسأل هذا السؤال ألف ألف مرة، لأن المنطق غريب جدا، ولا يقبله عقل سليم!!! وهل الريادة العربية في نظر الدكتور علاوي إقامة مشاريع بناء بقيمة مليار ونصف مليار دولار بأموال عراقية في الأردن في الوقت الذي يستجدي العراق الرز من دول فقيرة قبل الغنية؟ ولا يوجد به بناء واحدا سليم؟!!!! ومازال ملايين العراقيين ينامون في أماكن بلا جدران ولا سقوف؟؟؟!!!! وهل الريادة العربية تعني إسقاط المواطنة العراقية؟! وهل الريادة العربية تعني أن تتدخل الدول العربية بهذه الطريقة السافرة والمهينة للشعب العراقي كما تفعل الأنظمة العربية في الشأن العراقي حاليا؟

وردت بتصريحاته أيضا الكثير من العبارات عن الوحدة الوطنية، والمحبة، والأواصر، والعراق لكل العراقيين، كلها جميلة ولكن لدي بضعة أسئلة ربما يتضايق الأخ أياد من توجيهها له، فإذا كان العراق للعراقيين، لماذا العرب لهم الأولوية بسياستكم على العراقيين، فهل هذا الشعار ناقص وقد اقتطعت منه شيئا ما؟ دعني أصارحك بشيء يا سيادة الدكتور أياد، إن وحدتنا الوطنية تتحقق فقط بحالة واحدة وهي أن البعث حزبا وفكرا وإرثا يجب أن يأخذ طريقه لمزبلة التاريخ، ومن يطلب غير ذلك كمن يطلب المستحيل، أما البعثيين، فليس لهم سوى المحاسبة، والمجرمين منهم يجب أن يحاسبوا حسابا عسيرا، وحتى ننتهي من هذه المهمة، يجب أن يبقى جميع البعثيين المجرمين والأبرياء بعيدا عن أي مفصل من مفاصل السلطة، وبعيدين عن قوى الأمن بكل أنواعها، وأن يكونوا بعيدين عن القضاء وأجهزة المحاسبة والنزاهة والسلطة التشريعية والتنفيذية، وبعيدين عن أي منصب يؤثر على حياة الناس كتقديم الخدمات الضرورية مثل الماء والكهرباء وغيرها، وبعيدين عن أموال العراق، ولا يجب أن يعرفوا لها طريقا، ويجب أن يتجردوا عن أي سلاح، ويجب أن يحرم عليهم حتى حق الدفاع عن النفس كي لا يسيئوا لهذا المفهوم المقدس مرة أخرى، لأنهم لم يتركوا مقدسا على الإطلاق إلا ودنسوه. 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com