الجوهرة المفقودة هي البديل الثالث للعراقيين

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

كنت قد نشرت موضوع بعنوان "مهمات أمام القوى الديمقراطية في العراق"، مازال منشورا على الكثير من المواقع العراقية، ويبدوا أن الموضوع بحاجة للمزيد من التوضيح ووضع النقاط على الحروف، كما يقال. حيث أن هذه المهمات تتلخص أولا بالتقليل من حجم القوى التي تحمل مشاريع سياسية ذات طبيعة شمولية، وذلك من خلال إبعاد القوى التي ترتدي جلبابا ديمقراطيا ولكن في الواقع تضمر الشر والتفرد بالسلطة في حال تمكنها منها بأي وسيلة ممكنة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن من أوصل هذا العدد الهائل للإسلاميين للسلطة هو، أولا دعم المرجعية الدينية والتي وعدت الشعب العراقي أن لا تقدمه مرة أخرى لأي جهة كانت، وثانيا هو الفوبيا العراقية المتمثلة بالخوف من عودة البعث تحت أي جلباب كان، ومنها جلباب حركة الوفاق التي يقودها الدكتور علاوي، وهي الفوبيا المتفشية بين الناس عموما، خصوصا المتعلمين منهم، وحتى أنصاف المتعلمين، فهي التي كانت أحد الأسباب التي أدت إلى ذلك النجاح الكاريزمي للقوى الإسلامية في الانتخابات السابقة.

إن القوى المسيطرة على الساحة العراقية، عدا إقليم كوردستان الذي يتمتع بخصوصية تختلف كثيرا عن باقي مناطق العراق، القوى المسيطرة هي التيار الإسلامي بأحزابه المختلفة في الجنوب، ومن ناحية أخرى البعث الذي يرتهن منطقة بالكامل تحت تهديد السلاح ويسلب أهلها الإرادة السياسية، وبالتالي ليس أمامهم سوى ممثلي البعث في حال شاركوا بالعملية السياسية تحت أي مسمى كان، حيث أن هذا الحزب عرف عنه التلون كما الحرباء، وله أكثر من وجه وذراع. وبذات الوقت هناك تيارات الإسلام السياسي التي عرف عنها تمتلك مليشيات تتحكم بمعظم المحافظات الجنوبية، ولكن في كلا المنطقين يمكن انتزاع أصوات كثيرة لصالح تيار ثالث فيما لو تبلور هذا التيار، وهنا المقصود منه التيار الديمقراطي، ولكن هذا التيار لم يتبلور لحد الآن بشكل واضح.

إذا لابد من إيجاد تحالف لهذه القوى كي تمثل البديل الثالث أمام العراقيين في المناطق العربية بالكامل، وهناك أكثر من مسعى لتشكيل هذا التجمع منها التشكيل الذي يسعى لبلورته الدكتور أياد علاوي ولكن وفق أجندته البعثية، وهذا التشكيل نراه يمثل محاولة بعثية أخرى، وليست أخيرة، لعرقلة تشكيل تكتل ديمقراطي حقيقي مستقل وبعيدا تمام البعد عن أي أجندة بعثية أو إسلامية، وهناك مسعى آخر من أحزاب وتيارات ليبرالية ويسارية تحاول هي الأخرى أن تشكل تكتل من الأحزاب والتنظيمات الديمقراطية، لكن مازالت هذه التكتلات غير واضحة المعالم لحد الآن كما أسلفنا.

أن البعثيين مازال أملهم كبير بالعودة للسلطة بقيادة علاوي، أو غير علاوي، بعد إعادة تشكيل الجيش والقوات المسلحة القديمة، أو زج أكبر عدد ممكن من البعثيين للقوات المسلحة الجديدة، وهذا البرنامج السياسي أكثر من معلن لأن حلقات كثيرة منه قد تم تحقيقها، سواء على يد حكومة علاوي السابقة أو على يد المجموعات المسلحة التي تعمل في العراق وتثير الرعب والقتل والدمار من أجل أن تعود بهذا الأسلوب للسلطة، ربما يستغرب الإنسان من هكذا أسلوب للعودة، ولكن إذا لم يكن هذا الأسلوب فما هو البديل أمامهم؟ هل من خلال الفكر؟ وهل هناك حقا فكر بعثي؟ وأين هو؟ وما هي نظرياته؟ ومن هم منظريه؟ أم يدعون أنهم ديمقراطيين، مثلا؟ بأيِ وسيلة يمكن أن يعودوا للسلطة غير الإرهاب، فهي صنعتهم الوحيدة التي يعرفوها؟

فلول البعث مستمرة بمحاولة إخضاع المنطقة العربية بالكامل تحت سيطرتها بقوة السلاح، وقد نجحت إلى حد بعيد بهذا الأمر، فالناس بتلك المنطقة تقريبا مسلوبي الإرادة ويفعلون ما يمليه عليهم البعثيون، ومن يعترض فالويل له والثبور. من ناحية أخرى نجد في الجنوب سلطة المنظمات الإسلامية ومليشياتها التي أطاحت بهيبة السلطة المركزية للدولة وهي الحاكم الحقيق في الشارع العراقي بمحافظات الجنوب، ولا يخفى على الجميع أنها جميعا صناعة إيرانية، تمويلا وقرار، وكما لا يخفى على الجميع أيضا، دوافع إيران من هذا التدخل السافر بالشأن العراقي والذي يهدف في النهاية إلى واحد من أمرين، إما حربا أهلية أو القبول بنظام على غرار النظام الإيراني في الجنوب، وهذا أيضا يؤدي إلى حرب أهلية وتقسيم أكيد للعراق.

إذا نحن أمام عدوين شديدي المراس، يمتلكان إمكانيات مالية غير محدودة، ومن ناحية أخرى كلاهما أكثر بشاعة من الملك الضحاك في بطشه، فإما القبول بالأجندة الإيرانية أو الأجندة البعثية المدعومة عربيا، لأن الفراغ السياسي الذي تركه النظام المقبور لم يترك سوى هاتين الجهتين فاعلتين في العراق، وكلاهما يمتلك من أسباب القوة ما يجعل من مشاريعه ممكنة التحقيق، وكما هو معروف أن كلا المشروعين يهدفان إلى التفرد بالسلطة وإقامة نظام شمولي، إما بعثيا أو إسلاميا، وكلا المشروعين غير مقبول من العراقيين في العموم الغالب، والبديل الذي أمامنا هو القبول بتقسيم العراق فعلا وليس قولا، ما لم نسلك طريقا آخر، ربما طويل ولكن آمن بعض الشيء.

أما الأمريكان، فليس أمامهم سوى هذه القوى الفاعلة والقوية جدا على أرض العراق حاليا، لذا أصطف الأمريكان مع علاوي، بشكل ما، خشية من المشروع الأسوأ، وهو المشروع الإيراني في العراق والذي يهدف إلى حرب أهلية وتقسيم أكيد للعراق، إذ لا يعقل أن يقبل السنة العرب أو الكورد بمشروع ولاية الفقيه بأي حال من الأحوال. وربما أيضا كان السبب بالدعم الأمريكي لعلاوي مرده إلى أن علاوي لحد الآن يعلن أن هناك بعث صدامي يختلف عن البعث الذي يعتنقه هو، وربما لا يعي الأمريكان حقيقة أن البعث الصدامي والعلاوي كلاهما واحد، وسوف يصطفون معا في المرحلة القادمة على حساب أي تحالف يوصلهم إلى البرلمان والسلطة.

لكن فيما لو استطاعت القوى الديمقراطية والليبرالية أن تجد لها مكانا تحت الشمس من خلال تحالف بعيدا عن أي من الطرفين، سوف يكتسب هذا التحالف تأييدا منقطع النظير من العراقيين الذين يرفضون البعث بمختلف أشكاله والمشروع الإيراني بمختلف واجهاته وتجلياته، وحقيقة كان العراقي ومازال يتمنى هذا التشكيل دون أن تشوبه شائبة، بعثية أو إسلامية سياسية. ولعل التكتل الذي أعلنت عنه صحيفة الصباح الجديد والذي يضم أحزاب عريقة في كتلة واحدة تشمل قوى وطنية وديمقراطية وهي الحزب الشيوعي العراقي والحركة الاشتراكية العربية والحزب الوطني الديمقراطي والتجمع ألقاسمي والتحالف الوطني الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، بالرغم من أننا لا نعرف الكثير عن هذا التشكيل، فقد قيل مرة أنه يهدف إلى حث العراقيين للتصويت بنعم للدستور، وقيل مرة أخرى أنه يهدف الدخول للعملية الانتخابية القادمة، ولكن أيا كان الهدف، لعل هذا التشكيل، بشكله الحالي، هو الجوهرة المفقودة التي كان العراقي يبحث عنها منذ زمن بعيد، ولو نجح هذا التحالف، أو الاصطفاف بضم المزيد من الأحزاب والقوى الديمقراطية في العراق، من تلك التي تنأ بنفسها عن التيارين السائدين حاليا، فإن رصيده بلا أدنى شك سوف يتعاظم مع الوقت ولن يبقى بحجمه الذي بدأ به، فيما لو تمسك بقوة بنأيه عن التيارين سابقي الذكر، وإن أمامه فرصا كبيرة ومعتبرة في هذه المرحلة، لأن العراقيين يعرفون ما الذي فعله الطرفين الأقوى حاليا، لذا أجد أن فرص فوز البعثيين والإسلاميين بمقاعد كثيرة كما حصل في الانتخابات السابقة سوف يتراجع، وربما بكثير، في حال توسيع قاعدة التحالف لهذا هذا البديل، لذا أجد أن رصيد الجوهرة المفقودة سوف يكون أكبر بكثير من السابق خصوصا لو تمكنوا من مراقبة الصناديق في جميع المراحل قبل فتحها نهائيا من أجل العد، وذلك لأن التيارين سابقي الذكر لا يتورعون عن تزوير الانتخابات بأي وسيلة كانت، حتى لو كانت بقوة السلاح.

أعود للتحالف مع علاوي، ربما يتنازل عن موقع القيادة لهذا التحالف، وربما يتنازل عن وزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات الجديدة، ربما يحدث ذلك، وإن كان من الأمور المستبعدة، ولكن تبقى مسألة مهمة جدا، وهي مسألة الثقة التي يطرحها العراقي البسيط والبعيد عن هذا التعقيد الذي نتحدث به، فهو حين يرى تحالفا به علاوي الممثل الرسمي للبعث الجديد، فإنه سوف يمنح صوته بلا أدنى شك للشيطان ولا يمنحه لهذا التحالف، وهنا الطامة الكبرى، حيث يعني ذلك أن الخائفين من عودة البعث، وهم الغالبية العظمى من أبناء الجنوب، سوف ينمحوا أصواتهم للإسلاميين بلا تحفظ، وهذا يعني عودتهم للسلطة بعدد من الممثلين يقارب العدد الذي يتمتعون به حاليا، وبكلمة أخرى، يعني نصرا مؤزرا لمشروع دولة ولاية الفقيه، ولن يكون بعدها عراق موحدا مهما حاول الأمريكان أو أي قوة أخرى أن تلعب دورا بتغيير مجريات الأحداث.

علينا أن نمنح العراقيين خيارا ثالثا وبعيد عن المشروعين البعثي والإسلامي، ولكن تبقى فرص هذا التكتل في الانتخابات القادمة محدودة ما لم يتمتع بالمرونة والقابلية على المناورة للدخول في العملية الانتخابية، وعدم تضييع الفرص من أجل الحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، ومن ثم الاصطفاف من جديد في ساحة البرلمان لتحقيق تكتل كبير وواسع يأخذ استحقاقه الانتخابي من خلال عدد المقاعد التي يحققها التحالف للحصول على وزن معتبر في العملية السياسية والسلطة الجديدة؟

المعادلة الجدية يجب أن تقوم على أساس كسر الفوبيا العراقية من عودة البعث للسلطة بأي جلباب كان، هذا أولا، ومن ثم كسر شوكة الإسلاميين الذين أخذوا حجما أكبر من استحقاقهم الحقيقي من خلال دعم المرجعية الدينية وفوبيا عودة البعث للسلطة.

 

 

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com