استفاق الأستاذ عمرو موسى شيخ مشايخ الدبلوماسيين العرب,وبابا الجامعة وسائر العربان, وزعيم قبائل النظام العربي المستبد بكل عشائره ,وأفخاذه وبطونه المترهلة والمتكرشة بفضل الشفط والنفط ,والمتحدث باسم جامعتهم التي تحميهم في زمن الضلال والانحراف القومي,والمغامرات الصبيانية,وارتكاب المعاصي السياسية ,كما حاولت مرارا وحثيثا"لفلفة" ومداراة خطيئة صدام القومية ,ونزعته اليعربية الأبدية في قهر واستعباد العباد ,وقوننة الأفعال الجرمية السوداء واعتبارها ثوابتا وتقاليدا عصماء لا يحق لأحد تركها ,أو التنازل عنها بحال إلا بقرار بإجماع الباب العالي في مؤتمر الفزعة العربية مرجعية العربان الأولى.استفاق الرجل الجليل ,ولو متأخرا, من الحلم العربي الوردي الذي حاول هو وجيش من المتعيشين والساسة الأعراب,والزعماء التاريخيين أن يروجوا له ,ويقنعونا بجديته وصدقيته على مدى عقود من السنين عبر أدبيات الخطابة الحماسية الجوفاء,والتصريحات النارية ومؤتمرات الخذلان,والجهود العبثية والمضنية التي ذهبت أدراج المبادرات.استفاق و"بق"بحصة الحقيقة العارية المؤلمة الجرداء التي مكثت طويلا في فم أجيال كتب عليها الصمت والخنوع والاستسلام لرياح العوربة الصفراء التي هبت عليهم من الصحراء,والتي ركب موجتها العسكر,والمغامرون,والباحثون عن الذهب, وأبهة البلاطات والأرصدة والأموال بين خبايا الخطابات الثورية,والشعارات الكبيرة,وكانت لهم أكبر هدية ,ومطية تجود بها عليهم السماء في زمن القحط والخواء.
استفاق الأستاذ عمرو موسى ,وقلب الطاولة على الجميع ,ويا ليته ما استفاق وأزعجنا وأيقظنا من حلمنا الوردي الذي كنا ننام ونصحو عليه حول بعث هذه الأمة,وانتظار مشهد طلائع سنابك الخيل العربية الأصيلة وهي تفتح الأمصار البعيدة,وعلى صورة القائد الضرورة وهو يحيي الجماهير العريضة من شرفته السماوية وهي تصفق له,وترجوه افتداءها بالدم والأرواح ,وهو متبسم وساهم في زهد القيادة بعد عبء المبايعة الشاملة يدشن صرح العوربة الواحد الخالد من المحيط إلى الخليج, ويضع حجر الأساس لحقب قادمة من الويل والدمار, وحيث سيعج المكان لاحقا بجحافل عرق صاف ونادر ,وخال من العيوب والشوائب من العروبيين المتحمسين الذين سينشرون العدل والخير على الثقلين.وأضاع علينا بذلك الأستاذ الأمين فرصة معانقة فردوس العروبة الواعد,فواحسرتاه. وهاهي مأساة وقدر هذا الإنسان الذي فرض عليه التعريب,والتغريب ,والتبعيث,والتجهيل,والتثوير ,وسياسات غير متبصرة جهلاء, أودت به نحو الهاوية والهلاك, تتكرر مرة أخرى ,وتأتي هكذا فجة و"على بلاطة" وعلى لسان أمين العوربة,وفارسها الملهم,ووليها الفقيه.
فهل يحمل فحوى كلام الأمين العام لجامعة الأعراب,عبر تصريحه المثير بالأمس, أن هذه أمة تائهة ,وضائعة,لا تؤاخذ ولا يعتد بها , ولا تعرف ماذا تريد ,وتعلن عكس ما تبطن , وتقول ما لا تفعل ,وتفعل ما لا تقول,وكلام الليل يمحوه النهار ,ويلحس كلامهم الوزراء,وقرارات القمة تمحوها كوندوليزا رايس.ولم يقدر الرجل أن يأخذ منهم لا حقا ولا باطلا ,وضيّعوه,وأهلكوه,وخدعوه بمظاهر التجميل والرياء,وجعلوه طوال هذه الفترة يلهث ساعيا وراء السراب,وأنه أصبح ضحية أخرى من ضحاياهم الكثيرة في السياسة والاقتصاد, وحيّروه بإتقان كل أحابيل وفنون النصب واللف والدوران, عبر ممارسات طويلة من المكر والتضليل والدهاء,وبعد أن باعوه أطنانا من الوعود والمماطلة والتسويف وقصورا شاهقة في الهواء.
ويعكس هذا التصريح الناري المدهش شفافية مطلوبة ولّدها ضغط الأحداث وعمق التغييرات التي تجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه,وحالة العجز والشلل التي أصابت الجسد العربي ولم يعد أي معنى للتعتيم والانغلاق والحصار بعد أن أصبح اللعب على المكشوف سيد الألعاب ,إلا عند أولئك الذين ارتضوا أن يكونوا من رفاق أهل الكهف في حقب السبات المديدة الظلماء. وإذا كان هذا هو حال رمز الدبلوماسية العربية ومرجعها الخبير فما هو حال صغار القوم من مراهقي السياسة ,وصغار اللاعبين والهواة ,والمستثمرين الجدد في سوق العوربة الكاسد ؟
وكل ما نتمناه أن تشمل هذه الصحوة المباركة كل أولئك الذين مازالوا في سباتهم اليعربي حالمين,وإلى فردوسها الأسطوري ساعين,ومن نعيمها متكسبين, ولا يسمعون كل وقع خطى التغيير والانفتاح والمصالحة الصاخبة من حولهم.أم هل سيستمر النفخ والصفير في القرب المثقوبة ,والرهان على الجواد الخاسر في كل نزال؟
سود صنائعنا,ثلم مواضينا,ذل وقائعنا,قحط مرابعنا,كثر كوارثنا,كذب سوالفنا,شؤم طوالعنا.