لابد من وضع النقاط على الحروف

 

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

أسئلة وعلامات استفهام واستغراب كثيرة وضعها توماس فريدمان المحلل السياسي الأمريكي المتخصص في الشؤون العراقية تلك التي ضمنها في مقاله بعنوان "السنة العرب - ماذا يريدون بحق السماء؟" المنشور في الشرق الأوسط بتاريخ 2005-09-29، جميع الأسئلة وعلامات الاستفهام التي وضعها لم تكن جديدة ولا غريبة علينا كعراقيين، لكن الرجل كان فعلا في حيرة من أمره وأمر الذين يدعون الحديث نيابة عن السنة العرب في العراق، سواء كانوا عراقيين أم عرب من دول الجوار، لكنه كان على وشك الوصول للإجابة على جميع الأسئلة ورفع علامات الاستفهام عندما طرح معلومة متداولة أيضا، وهي أن السنة العرب العراقيين يشعرون بالرعب من النفوذ الإيراني في المناطق الجنوبية من العراق، لكن أردف ليقول إن الشيعة العراقيين مذعورين أيضا من الوقوع تحت سيطرة إيران، ليسد بذلك الطريق على نفسه ويغلق آفاق العقل والتحليل العلمي السليم التي فتحها لنفسه، لذا لم يمضي أبعد من ذلك، بالرغم من مشروعية وكثرة الأسئلة التي ضمنها مقالته.

أنصاف الحقائق التي يتداولها السياسيون أو المسئولون الحكوميون تعني أول ما تعنيه هو الانحياز لجهة ما، وإنهم حين يذكرون هذه الحقائق، أو بالأحرى أنصاف الحقائق، إنما يعنون بذلك دعم برنامجهم السياسي المخالف، أو التغطية على أهدافهم، خصوصا لو كانت الأهداف غير مشروعة. هكذا قرأنا تصريحات الوزير السعودي فيما يخص التغلغل الإيراني في الجنوب العراقي، لكنه بذات الوقت قد فتح الأعين على تدخلات إيران في الجنوب العراقي التي قلما تحدث عنها أحد، وذلك لأنها لحد الآن ليست دموية كتدخلات دول الجوار العربية وفلول البعث في العراق. مما لا شك فيه أن الطرفين الإيراني والعربي في الجوار، جميعها تدعم مشروع تقسيم العراق، بالإضافة إلى ذلك إن عرب الجوار يدعمون تحديدا الإرهاب الهمجي البعثي والإسلامي التكفيري للأزارقة ومن لف لفهم، وحين حث الوزير السعودي أمريكا على أخذ موقف قوي مما يجري من تدخلات إيرانية في العراق، كأنه بذلك، أو كما فهمنا كمستهدفين من هذا القتل الهمجي، أنه يريد أن يمنح الشرعية لهذه الأعمال الإرهابية التي تمارس ضدنا، نحن أبناء العراق، والشيعة خصوصا، فلو كان الوزير قد أخذ موقفا مماثلا من هذه الأعمال البشعة وأكمل الصورة البشعة لجميع أنواع التدخلات الأجنبية في العراق، لما أثار حفيظة أحد منا إلى هذا الحد، ولكنه بذلك أيضا سوف يدين نفسه وبلده قبل أن يدين إيران أو أي جهة أخرى، وهذا ما يخشاه الوزير طبعا، وما يمكن أن نسميه أيضا، أنه قد وقع في شر أعماله، حيث يتذكر الوزير أن كيف استشاط ونسي حتى أن يأخذ حقائبه يوم سقط نظام صدام وهو في طريقه إلى مؤتمر دول الجوار، وهو ما عبرنا عنه بأنه قال نصف الحقيقة، وما يعني أيضا، ليس انحياز سياسيا لجهة ما وحسب، بل تورطا في الإرهاب بشكل مباشر.

ربما لا ينسى العراقيون والعالم مؤتمر دول الجوار الذي عقد مباشرة بعد سقوط النظام البعثي الهمجي، والذي حاول المؤتمرون به استبعاد إيران، لكن الأخيرة لها أهداف مماثلة في العراق، ولا تقل خبثا ولا خسة ولا إصرارا عن الأهداف العربية لتخريب المشروع العراقي بإقامة نظام ديمقراطي، لذا فرضت نفسها من أجل أن تمارس حقها بقتل العراقيين وإشاعة الفوضى في البلاد أملا في تقسيمه يوما ما، ليأخذ كل منهم حصته ويمضي، وإذا لم يتحقق هذا، على الأقل يمكن درء الخطر المحدق بهذه الأنظمة بمنع وجود نظام ديمقراطي على أعتاب الدار وإفشاله، حيث نجاحه من شأنه أن يطيح بها جميعا، لكن الدول العربية تغامزت فيما بينها من أجل إبعاد إيران عن مشروع ذبح العراقيين لأن المستهدف منه أساسا هم الشيعة، وإن وجود إيران قد يقلل من همجية القتل لانحيازها لهم، وكذا كون أذرعها أساسا من الطيف المستهدف، وبالتالي فإن إشراكها سوف يفسد المشروع القومي العربي برعاية الجامعة العربية. لذا، بالمقابل قررت إيران أن تنفذ مشروعها بالطريقة التي وجدتها مناسبة، وهي موت من نوع آخر للعراقيين وبذات الوقت تحقق، كما تعتقد، أهدافها النهائية في العراق.

كان من مقررات تلك المؤتمرات، هو تقديم سبل الدعم اللازمة لفلول النظام المقبور، ولم يكن وقتها ما هو جاهز من سبل الدعم سوى المال الذي هو أصلا متوفر لدى البعثيين بلا حدود، لذا لم يكن أمامهم سوى تلك البضاعة التكفيرية السلفية الخسيسة والتي كبلوها في بلدانهم ليفسحوا لها المجال بممارسة ساديتها ووحشيتها في العراق، وما فتأت تفعل ذلك منذ إن سقط النظام وحتى الساعة. بذات الوقت، إيران لم تكن أقل خبثا وسادية عن الدول العربية، كما أسلفنا، بل كانت أذكى منها بكثير، فصدرت هي الأخرى بضائعها الكثيرة للعراق ولكن بدون ضجيج السيارات المفخخة والعبوات الناسفة واستهداف المرافق الخدمية والمنشأة النفطية، حيث كانت أكثر هدوءا ولكن أكثر ضررا، فالنفط، مثلا، لم يحرق ولكن يهرب بمساعدة وتسهيلات إيرانية كان النظام قد تعود عليها خلال سنوات الحصار، حيث ساعد الإيرانيون صدام للحصول على عشرات مليارات الدولارات من خلال تهريب النفط بمانيفست إيراني، كوسيلة لإدامة نظامه، ونكاية بأمريكا الشيطان الأكبر بنظر الإيرانيين، وكذا تحقيق أرباح تفوق ما يدخل جيوب صدام بكثير مقابل تقديم ورقة مانيفست فقط لتسهيل عمليا تهريب النفط، واليوم، يقال أنها مازالت تفعل ذلك. إيران كانت بضائعها كثيرة جدا، ومؤثرة كما أسلفنا، فالكثير من المليشيات والتنظيمات الشيعية الموالية لإيران تعمل بمنتهى الحرية في الجنوب، بل تحتكر العمل السياسي والسلطة لوحدها فقط هناك، وهذا ما يتفق مع قول الوزير السعودي تماما، جميعها مدعومة من قبل إيران بمختلف أنواع الدعم المالي واللوجستي والسلاح، ولمراجعة أشكال التدخل الإيراني في الجنوب العراقي ينبغي مراجعة مقالة الدكتور كاظم حبيب المنشور ة حاليا على الصحافة الإلكترونية العراقية بعنوان "البصرة الحزينة – البصرة المستباحة" والتي صدرت بثلاث أجزاء.

لحد الآن أنا لم أضف شيئا على ما هو معروف ومتداول بين الجميع، لكني أرى إن ما تقدم يمثل مقدمة ضرورية لما أود أن أوضحه للقارئ، وهو أن أطراف الصراع في العراق، سواء كانوا من العراقيين أو من دول الجوار الذين يمارسون سحرهم من خلال أعوانهم في الداخل، وهم في العموم الغالب من العراقيين، دائما يذكرون فقط أنصاف الحقائق، اليوم أصبح التركيز كبيرا على الجانب الإيراني من قبل فلول النظام المقبور مع من يدعمهم من الدول العربية بالإضافة إلى الإعلام العربي المنحاز لهم جملة وتفصيلا، فهم فقط يركزون على التدخل الإيراني وكأنه هو فقط سر مأساة العراق، وهو فقط التدخل الغير مشروع والذي يستهدف وحدة العراق التي مازالوا يتباكون عليها، في حين هم يساهم بشكل فاعل بتفتيت هذه الوحدة.

في الواقع، وبغض النظر عن مدى وحشية أعمال القتل العربي البعثي على أساس الهوية، إن كلا الطرفين من دول الجوار يدفعون أطرافا عراقية مستهدفة من قبلهم نحو مشروع الجهة الأخرى، فالعرب من دول الجوار تدفع بالعرب الشيعة نحو التحزب الشيعي، والارتماء بأحضان إيران كونهم مستهدفين من جميع الأعمال الإرهابية التي ترتكب ضدهم تحت مسمى طائفي، في حين هم أصلا لا يرغبون بذلك. فهل سمع أحد أن العرب أو من هو في خندقهم يدين للإرهاب البعثي السلفي؟ وهل تقبل الدول العربية وجامعتها بإدانة بالرغم من وحشية القتل بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة للأبرياء من العراقيين؟ وهل بقي عراقي واحد لا يعرف من الذي يغرق العراق بالدماء ويلهب أرضه وسماءه بالنار؟

هكذا يدفع السياسيون العروبيين ودول الجوار بالشيعة للارتماء بأحضان الإيرانيين من خلال استهدافهم بشكل همجي، بالرغم من أنهم مازالوا يرفضون الارتماء بأحضان أي جهة أجنبية مهما كانت، كما وإن هذه السياسة شجعت إيران على المضي في برنامجها باحتلال الجنوب العراقي مستفيدة من عدة عوامل لم يحسبوا حسابها كعادتهم في ارتكاب الأخطاء التاريخية، وهي أن العراقيين في الجنوب كانوا المستهدفين من سياسة صدام، وهم الأكثر حرمانا واستباحة بظل نظامه الجائر؟ وهل نسي المتباكون على وحدة ومستقبل العراق أن إيران مازالت ملتزمة بمبدأ تصدير الثورة إلى دول الجوار القريب والبعيد؟ وإن الذي يفعلوه سوف يشجع إيران لفعل المزيد؟

هكذا نستطيع القول إننا مازلنا نواجه مشروع اليوم الأول لدول الجوار الذي خرجوا به من خلال أول مؤتمر لهم، وإن أدواته مازالت من حيث الأساس عراقية الهوية، جميعهم يدعي الوطنية، ويغضبون لو طعن أحدهم بوطنيتهم!

ما الذي سوف يحدث لو انتصر المشروع الإيراني؟ إنها بلا شك سوف تكون بداية النهاية للعراق، وحالة من الفوضى جديدة لا أحد يستطيع أن يتوقع تداعياتها، ولا نهايتها، هذا في حال أن قوات التحالف مازالت موجودة في العراق، أما لو كانت قد انسحبت من العراق كاستجابة للضغوط المختلفة، وهو كما نعرف، مطلب عربي إيراني مشترك، فإن الحرب الضروس في العراق سوف لن تبقي أحد على قيد الحياة. الأمر لا يختلف كثيرا فيما لو انتصر المشروع العربي البعثي في العراق، ولا أعتقد أن نتائجه سوف تختلف عن السيناريو الأول بشيء.

وهكذا نرى فإن الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع وتحت أي ذريعة أو سبب، هو دعم للمشروع الخبيث لدول الجوار بتمزيق العراق، ومع كل الأسف نجد أحزاب وقوى عراقية ترتكب هذا الخطأ تحت مبررات ومسوغات واهية، وتقف بصف جهة من الجهات التي تحمل مشاريع كارثية للعراق وأهل العراق.

الأطراف المنحازة لأي من المشروعين لدول الجوار في العراق باتت معروفة، ولست بحاجة لتشخيصها أكثر مما تفعل هي، فهم يعلنون عن أنفسهم من خلال انحيازهم لجهة ما، ومازلنا نسمعهم يقولن نصف الحقيقة لوصف ما يجري في العراق، وهذا هو الأساس الذي يجب أن تقوم عليه الإصطفافات الجديدة في العراق، فأي جهة تدعم مشروعا لأي من دول الجوار، فإنها يجب أن تعزل تماما وأن لا يتعاون معها أحد، لذا يجب أن يكون معيار الانحياز هو العراق وليس مشروعا سياسيا لأطراف الصراع، فجميعها كارثية وليس هناك شر أهون من شر

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com