المقاومة الوطنية ليست ذبح مصلين وقتل عمال واغتصاب نساء

 

يحيى السماوي – أستراليا

www.alsamawy@adam.com.au

  المقاومة – لغةً – تعني المجابهة والتضاد، مشتقة من الفعل الثلاثي المجرد "قَوَمَ".. وتعني – اصطلاحاً – العمل المناهض للاحتلال الخارجي أو الأجنبي، أيا كانت سبل تحقيقه، سلمية أو كفاحاً مسلحاً.. فهي إذن شكل من أشكال النضال الإنساني الهادف إلى تحقيق الكرامة المتأصلة للإنسان، وبالتالي فلا توجد " مقاومة غير شريفة "، لأنه، لا يوجد " احتلال شريف ".. فلا يمكن القول، أن المقاومة الأمريكية للاحتلال البريطاني، كانت "مقاومة غير شريفة " وأن الاحتلال الياباني للصين، كان احتلالاً شريفاً.. أو أن الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، كان احتلالاً شريفاً، وأن المقاومة الجزائرية للاحتلال الفرنسي كانت مقاومة غير شريفة.. نقول فقط، أم مقومة الاحتلال هي شريفة أبداً، في حين أن الاحتلال غير شريف أبداً، لكونه يخل بكرامة الإنسان، ويمتهن إرادته وحريته.. فكما أن قوانين الأرض وتعاليم السماء قد نصت على شرعية ووجوب المقاومة، فإنها نصت بالمثل على لا شرعية الاحتلال ولا إنسانيته.. فالملحق "ب" من الشرعة الدولية للحقوق المدنية والسياسية، في المادة "أ " من القسم الأول قد نصت على أنه :" لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها استناداً لهذا الحق، أن تقرر بحرية كيانها السياسي، وأن تواصل بحرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ".

 إن الاحتلال – أي احتلال-، وبخاصة العسكري منه، يتنافى مع مبدأ روح الإخاء الإنساني الذي نصت عليه المادة الأولى من الملحق "1" من وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونصها : " يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء " كما نصت على إنه " ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه".

 صحيح أن نظام صدام حسين، قد أنتهك حقوق الإنسان في العراق، انتهاكاً مفضوحاً منذ سطوه المسلح على السلطة، وصحيح أن الديكتاتور المنبوذ، كان الأبشع والأكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان، من بين كل طواغيت التاريخ المعاصر، إلا أن الصحيح أيضاً، هو أن " حراس وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان " و " قضاة " محكمة العولمة، كانوا يتظاهرون بالصمم إزاء صراخ يتامى الشعب العراقي وضحايا النظام المقبور، في وقتٍ كانوا يصيخون فيه السمع، إلى "مواء" قطة في واشنطن، أو آهة خفيفة من قاتل إسرائيلي...

 فقد كان بمقدور الإدارة الأمريكية، رفع يد الديكتاتور المنبوذ، عن رقاب الشعب العراقي، بمجرد أن تصدر أوامرها إلى مجلس الأمن الدولي، بجعل القرار 688 قراراً إلزامي التنفيذ – وهو القرار اليتيم الوحيد الذي من شأنه إسقاط صدام حسين، في حال تنفيذه أسوةً بعشرات القرارات الأخرى، التي أرغمته على تنفيذها، بما فيها القرار الخاص بتفتيش غرفة نومه ؟!!

***

 بقدر تعلق الأمر بالوقت العراقي الراهن، إرهاباً ومقاومةً واحتلالاً – أو سيادة منقوصة – فإن تدليساً متعمداً عن وعي، أو تشويهاً عن قصور وعي، بحسن نيّة أو بسوئها – قد أفسد المعنى الإنساني للمقاومة، فتساوى القاتل والمقتول، والضحية والجلاد، والنضال ولإرهاب، والجهاد والخطيئة، وذلك من خلال إطلاق صفة المقاومة على الأعمال والجرائم الوحشية التي أخلت بالكرامة المتأصلة للإنسان، وبحقه المناقبي في الطمأنينة والاستقرار والأمان.

 إن أية مقاومة، تملك مشروعيتها في مناهضة ومجابهة الاحتلال.. غير أن هذا الحق، يبقى مشروطاً بثوابت أساسية لا يجوز الحيد عنها.. إذ لا يكفي وجود المحتل، لإيقاد فتيل المقاومة المسلحة، دون الأخذ بنظر الاعتبار، المستجدات على الساحتين الدولية والإقليمية – وقبل ذلك طبعاً، توافر الظروف الذاتية..

 صحيح أن مقاتلي حركات التحرير جميعها، كانت أعدادهم أقل بما لا يقاس من أعداد مواطني البلد المعني.. لكن هذا العدد القليل، يجب أن يكون مدعوماً من الغالبية العظمى للجماهير – وليس من فئة قليلة، أو من بقايا نظام مقبور، ومن إرهابيين خارجيين، يرون في ذبح إنسان، أو هدر دماء مصلين، جواز المرور إلى الجنة..

 إن من يريد رؤية عراق نظيف من دبابات الاحتلال، يتوجب عليه، المساهمة في إشاعة الأمن والطمأنينة بين الجماهير الشعبية، لا حصدها بمناجل السيارات المفخخة، وبالرصاص المخاتل، وبالخطف والاغتصاب.. من يريد رؤية عراق حر كامل الاستقلال، عليه دعم القوات العراقية المسلحة وشد أزرها، وليس اغتيال أفرادها والتمثيل بأجسادهم، مثلما عليه إتاحة الفرصة للسلطة ومساعدتها في إنجاز مشروعها المؤسساتي وجهدها السلمي واختبار المحتل في بقائه أو عدمه.. إذ لا يعقل أن تغادر القوات الأجنبية العراق، دون وجود قوات وطنية عراقية، تأخذ على عاتقها مهمة تأمين الاستقرار في وطن مخلع الأبواب.. اللهمَّ إلا إذا كان هذا الطرف، أو ذاك، من قادة السيارات المفخخة، وحملة الأحزمة الناسفة، وشاهري سواطير وسكاكين الذبح، يعتقدون أن دماء أطفال العراق وفتية العراق ونساء العراق، ستعيد إلى جثة النظام الديكتاتوري المقبور، النبض والحياة، فيعود حرسه الخاص وفدائيوه وأفراد عشيرته لافتتاح مقابر جماعية جديدة..

 لستُ ممن يبارك الاحتلال – حيثما كان، ولا أزعم أنني ضد المقاومة – حيثما كانت، فأنا مع المقاومة أبداً، ولكن شريطة عدم الإخلال بثوابتها الأساسية التي من شأنها لا حقن المزيد من دماء الشعب فحسب، إنما، والإسراع في إعادة بناء العراق ( الأحرى ما تبقى من العراق )، بعد أن احتطبت حروب صدام حسين، وآلاته القمعية، جانباً كبيراً منه، وأتت القوات الأمريكية لتحتطب جانباً آخر منه..

 لقد شهدت صفحات التاريخ الإنساني، ملاحم خالدة، سطرتها حركات التحرير والمقاومة في شتى بقاع المعمورة.. في أمريكا اللاتينية كما في جنوب آسيا.. في أفريقيا كما في فرنسا والجزائر.. في الصين كما في الصومال.. في فيتنام كما في لندن.. وجميعها كانت نافذة مضيئة في ليل الإنسانية الطويل، فلم تقدم على مجازو الإبادة الجماعية وارتكاب الفواحش والقتل على الهوية أو المذهب والمعتقد.

 ما يميز المقاومة عن المعارضة، هو أن الأولى تشترط وجود غازٍ محتل، مما يمنحها مشروعية التضاد والمجابهة، السلمية أو المسلحة.. أما الثانية، فأساسها مواجهة السلطة الوطنية حول الطاولة، حواراً ومساءلة، وقد تغدو المواجهة مسلحة، لتصبح تمرداً على ديكتاتور، أو تصحيحاً لمسار، ولذا، من غير الصحيح إطلاق صفة المقاومة على ما يعرف ب " نمور التاميل " أو " متمردي آتشيه "، وفي الحالتين، يتوجب أن يكون للفعل المقاوم والمعارض معاً، شرف الفروسية، لا همجية الفرائسية.. والمخجل، ان الكثير مما يحدث في الساحة العراقية، هو فعل همجي وحشي، يرتكبه بعض الذين، يتمتعون بأجساد بشرية، ولكن، بعقول حيوانية متخلفة.

 أقول، ان الكثير الكثير مما يحدث، هو فعل همجي وحشي، وذلك يعني بالضرورة، وجود مقاومة حقيقية – أيا كان حجمها – ومن البلاهة تجاهل هذه الحقيقة، فباعتراف قادة البنتاغون وساسة البيت الأبيض في واشنطن، أن القوات الأمريكية وحدها، قد خسرت نحو ألفي قتيل وما يربو على العشرين ألف جريح ( والمؤكد أن هذه الأرقام " لا يدخل في أعدادها – رقم المرتزقة والمستأجرين وأصحاب البطاقات الخضراء الذين يأملون الحصول على الجنسية الأمريكية).

 والمؤكد أيضاً، أن هؤلاء لم يسقطوا قتلى على أيدي مواطني نواكشوط أو جزيرة هاييتي.. إنما، على أيدي مواطنين عراقيين.

 أما عشرات آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ.. من عمال فقراء وشرطة طيبين، وموظفين ومصلين – فإن قاتليهم هم ذلك الجمع المسخ من تكفيريين وظلاميين، ومن خريجي دورات جمهورية الأمن والمخابرات الصدامية.

 وتأسيساً على ما تقدم، فأنه يتعين على الشعب العراق كله، التصدي للإرهابيين، وفي نفس الوقت، دعم القوات المسلحة العراقية، وصولاً إلى الهدف المنشود في ولادة العراق الجديد، عراق التكافل الاجتماعي والوئام – وإلاّ -، فإن المقابر ستبقى تتسع، ولم يعد ثمة في الجسد العراقي، من موضع لجراح جديدة..

***

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com