|
لا معنى للأرهاب من دون وسائل الأعلام "لا معنى للإرهاب من دون وسائل الأعلام وبخاصة التلفزيون و الانترنيت "هذا ما تؤكده الدراسات التى اجريت فى بلدان عديدة تعرضت لحوادث ارهابية فى الفترة الأخيرة ، فقد ثبت بالأدلة الدامغة ان عرض المشاهد الدموية للمجازر الوحشية التي ترتكبها الزمر الإرهابية والتركيز المتعمد على الأجساد الممزقة والأشلاء المتناثرة والآليات المحترقة يشجع الإرهابيين على ارتكاب المزيد من الجرائم واستخدام وسائل الأعلام المرئية كأداة رئيسة في أيديهم لبث الخوف و الرعب في النفوس وزعزعة الأمن والاستقرار و شل أو إرباك بعض مفاصل الحياة في البلد المستهدف . إن تأريخ الإرهاب الدولي حافل بأمثلة كثيرة تد ل على أن الهدف الأول للإرهابيين هو الوصول إلى وسائل الأعلام والظهور على شاشات التلفزيون والتأثير النفسي في الجمهور العريض والإعلان عن أنفسهم ونقل مطالبهم وتهديداتهم إلى الجهات المعنية في استعراض رخيص لسلاحهم الوحيد وهو الخطف والقتل والذبح دون اى اعتبار للقيم الإنسانية أو القيم الدينية إلى يزعم الإرهابيون أنهم (يجاهدون في سبيلها ) . وقد لوحظ إن التخطيط لعمليات الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة الأميركية، قد جرى بشكل يتيح الفرصة لعدسات مصوري التلفزيون ووسائل الأعلام الأخرى لتسجيل كيفية اختراق الطائرة الثانية لناطحة السحاب الثانية،كما إن العديد من الإرهابيين الذين قاموا باحتلال السفارات أو مقرات المنظمات الدولية أوخطف الطائرات واحتجاز المدنيين ، قد اعترفوا بأن هدفهم الأول كان الظهور على شاشات التلفزيون من اجل نشر بياناتهم ومطالبهم وقد استسلموا بعد عقد مؤتمر صحفي سريع أو الإدلاء ببيان إلى وسائل الأعلام, ولا يختلف الأمر كثيرا في العراق وتظل الفضائيات العربية الوسيلة الرئيسية للإرهابيين للدعاية و اشاعة اجواء الرعب والفوضى فى البلاد و نسف الجهود الرامية إلى بناء عراق جديد ديمقراطي ومزدهر ، كما تظل شبكة الانترنيت والهواتف النقالة وسائل فورية و فعالة لتبادل المعلومات و الاتصال بين الإرهابيين على شتى المستويات و التنسيق اللوجستى مع مراكز القيادة فى دول الجوار و القيادة الحالية للحزب الفاشي التي تتخذ من هذه الدول قواعد لإدارة وتمويل العمليات الإرهابية وتجنيد العملاء عن طريق الأغراء المادي و غسل الأدمغة والتضليل ورفع الشعارات الزائفة الطنانة التي لم تجلب للعراقيين سوى الخراب والدمار و الكوارث طيلة الحكم البعثى الصدامى ، كما إن الأبواق الإعلامية لبعض الدول الأجنبية التي تضررت مصالحها في العراق بعد سقوط نظام المقابر الجماعية وكوبونات النفط تقوم بتهويل ما يجرى في العراق اليوم وتتحدث عن زمر الإرهاب وكأنها مقاومة وطنية تهدف إلى طرد الأجنبي المحتل وبذلك تسهم هذه الأبواق في تضليل الرأي العام المحلى والعا لمى وهى مهتمة بمصالحها أكثر من اهتمامها بأمن واستقرار العراق و حياة ومصير شعبه المثخن بالجراح. ولا شك إن منع الأرهابييين من استغلال وسائل الأعلام وبخاصة التلفزيون و الانترنيت (لأرهاب الناس و نشر دعايتهم المسمومة وتهديداتهم الإجرامية التي تتعارض مع القيم الدينية السمحاء والقيم الإنسانية والحضارية المشتركة بين الشعوب والأمم المتحضرة) سيؤدى إلى حصر الآثار النفسية للعمليات الإرهابية في نطاق ضيق وتفويت الفرصة عليهم لتحقيق مخططاتهم الشريرة. وتشير الدراسات التي أجريت في البلدان المتقدمة التي تعرضت إلى حوادث إرهابية إلى إن الحرب النفسية التي تشنها الزمر الإرهابية، تفقد تأثيرها، عندما لا تهتم بها وسائل الأعلام كثيرا. وفى الوقت نفسه فأن التركيز المتعمد والعرض المتكرر للمشاهد الدموية لعمليات القتل والذبح والتي تثير الرعب والأسى لأول وهلة، يعتاد عليها المشاهد تدريجيا ويفقد اهتمامه بالآم الآخرين وتعاطفه الأنسانى مع الضحايا إلى حد بعيد ويركز على أمنه الشخصي وأمن عائلته و يظل نهبا للقلق والهواجس لأنه يخشى إن يتعرض لحادث ارهابى في اى مكان من المدينة التي يسكن فيها،وهذا ما يهدف إليه الأرهابييون،اى نسيان الأم الضحايا وعذاباتهم والاستهانة بالأرواح البشرية . يتضح مما تقدم ،إن العنصرالضرورى لأية سياسة فعالة ضدالأرهاب والحد من مخاطره يكمن في منع استغلال وسائل الأعلام المرئية من قبل زمر الإرهاب والتزام وسائل الأعلام بالموضوعية والحيدة و المعايير المهنية في تغطيتها للعمليات الإرهابية. ربما يقول البعض إن هذا المنع يتعارض وحرية الأعلام وان من حق المواطن الحصول على المعلومات الوافية عن الحوادث التي تقع في البلاد ولها مساس بحياته ومستقبله ولكن من جهة أخرى من حق المجتمع أيضا إن يحمى نفسه من الآثار السلبية الخطيرة للحرب النفسية إلى تستهدف أمنه واستقراره ومستقبله . و من المفيد إن نستذكر هنا الوعد الذي قطعه الرئيس الأميركي (فرانلكين روزفلت ) لشعبه عند توليه السلطة ، بضمان الحريات الأساسية وفى مقدمتها، حرية التعبير والصحافة وحرية ( الضمير ) و التحرر من ( الخوف) و(الفقر ) . ولكن عرض المشاهد المروعة والمخيفة للعمليات الإرهابية يتعارض تماما مع التحرر من الخوف ، ولحل هذا التناقض ، لا بد من التوصل إلى توازن بين وقاية المجتمع من الخوف وبين حرية الصحافة، ذلك لأن أية سياسة فعالة لمكافحة الإرهاب والحد من مخاطره وتأثيراته النفسية البالغة تستدعى إن تكون الصحافة عونا للمجتمع ، لا سلاحا أساسيا يستخدمه الإرهابيون لترويع الناس وهنا ينبغي التأكيد إن تأثير الإرهابيين على حياة المجتمع العراقي كان يمكن إن يتضاءل كثيرا لولا الفضائيات العربية التي تركز في نشراتها الإخبارية وبرامجها المتعلقة بالشأن العراقي ، على حوادث التفجيرات الإرهابية التي تستهدف المدنيين العراقيين أساسا ، حيث قتل لحد الآن أكثر من (100 ) إلف مدني عراقي مقابل اقل من (2000) جندي اميركى. ، وتتمادى بعض الفضائيات في تنظيم واختلاق حوادث زائفة إن لم تجد مادة ( إرهابية ) لعرضها على نحو متكرر ، مع إضافة بعض ( البهارات ) الضرورية لأحداث التأثير النفسي المطلوب، والبركة في التمويل البعثى والرشاوى السخية إلى يتلقاها ( المحللون السياسيون ) الذين يتكاثرون بسرعة فائقة مثل ( الفطر بعد المطر ) كما يقول المثل الروسي . و يزعم الأعلاميون إن المشاهد نفسه يرغب في مشاهدة مثل هذه اللقطات،ولكن هذا الزعم غير صحيح، لأن دراسات كثيرة أخرى أشارت إلى إن وسائل الأعلام هي التي تخلق مثل هذه الرغبات لدى الجمهور المشاهد وان الاستمرار في خلق رغبات سلبية--إن صح التعبير—يلحق الأذى بالمجتمع وان من حق المجتمع أيضا الرفض القاطع لتحويل الرعب إلى سلعة تتاجر بها وسائل الأعلام وتجنى من ورائها إرباحا طائلة ويكفى إن نشير هنا إلى إن شريطا يتضمن بيانا لأبن لادن أو الزرقاوى أو مشاهد للمقاتلين الملثمين وهم يحتجزون الرهائن ويهددون بقتلهم أو ذبحهم ،لا يستغرق عرضه سوى عشر دقائق ( والتي تحصل عليها بعض القنوات التلفزيونية بطرق مشبوهة وتحتكر ملكيتها) يباع للفضائيات الأخرى ووكالات الأنباء العالمية بسعر يتراوح بين (150-250 ) إلف دولار،اى إن المنفعة المادية متبادلة بين الأرهابين والقنوات التلفزيونية، التي لا تبالي بالنتائج المترتبة على عرض مثل هذه الأشرطة. وبطبيعة الحال ، فأننا لا ندعو إلى الحد من حرية الأعلام ، ولكننا نرى ضرورة الابتعاد عن عرض المشاهد الدموية وصور ألإرهابيين وهم يذبحون ضحاياهم .أو المشاهد الدموية البشعة الأخرى. ونعتقد إن الالتزام بأخلاقيات المهنة والشرف الصحفي وتغطية الحوادث بأسلوب حضاري، بعيدا عن الإثارة الصحفية والاستغلال التجاري للماسي البشرية لا تتعارض أبدا مع حرية الأعلام وحق المواطن في معرفة الحقائق التي لها مساس بحياته ومستقبله. وثمة درس بليغ قدمته الفضائيات الأميركية الأكثر شهرة وانتشارا، عندما قررت بعد أيام معدودة من حوادث الحادي عشر من أيلول عدم إعادة عرض الريبورتاجات عن هذه الحوادث ، و ماعدا بعض الاستثناءات القليلة، امتنعت هذه الفضائيات عن عرض صور ا لناس الذين كانوا يرمون بأنفسهم من نوافذ ناطحتي السحاب في واشنطن وكانت هذه الخطوة ( التي أقدمت عليها تلك الفضائيات بمحض إرادتها) مثالا جيدا على الإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع ، ذلك لأن عرض الريبورتاجات المصورة عن هذه الحوادث، خلال وبعد حدوثها مباشرة ألحق ضررا بالغا بالحالة النفسية لملايين الأميركيين و أدى إلى رفع معنويات الأرهابين، وبعد إدراك هذه الحقيقة المرة، قامت بعض الفضائيات الأميركية بعرض بعض اللقطات المتفرقة الثابتة ( غير المتحركة ) ومن دون صوت. وامتنعت عن عرض كل ما يلحق الضرر بأميركا والأميركيين . ولا شك في إن وسائل الأعلام الأميركية تتمتع بمساحة واسعة من الحرية تفوق ما تتمتع به وسائل الأعلام العربية، ومع ذلك ، فأن امن المجتمع الأميركي والمعايير المهنية والأخلاقية هي أكثر أهمية لديها من مصالحها الضيقة، فمتى تستيقظ ضمائر المسئولين في الفضائيات العربية وبعض الفضائيات (العراقية) -- التي تأسست بتمويل بعثي وأجنبى--،و يحترمون أخلاقيات المهنة ومشاعر المواطنين العراقيين وامن واستقرار العراق، أكثر من اهتمامهم بالإثارة والانتشار والمال.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |