|
تضميد الجراح د. حيدر الساعدي
نظر جدي طويلا الى نعش ولده الكبير والاقرب الى قلبه بعيون تكابر وترفض البكاء , بعد صمت عجيب وطويل لف غطاء راسه( اليشماغ) على وجهه بطريقة اهل الجنوب في لحظات الحزن ونادى باعلى صوته انصبوا الماتم بانتظار المعزين ! لحظات اربكتني كثير وولدت اسئلة محيرة في داخلي المكلوم , هل ان جدي لم يتاثر لفقدان والدي؟ بالتاكيد هذا غير صحيح , فانا اعرف جدي واعرف مكانة ابي عنده , ولكن كيف تمكن ان يحافظ على رباطة جاشه في تلك اللحظات العصيبة؟ ولو كان قد بكى وصرخ لما لامه احد على ذلك! بعد مدة خفت حدة المصاب ومظاهر الحزن وعاد جدي يمارس عمله وعدنا نحن كل الى عمله او دراسته وعادت الحياة الى طبيعتها وبقي الحزن داخل البيت وفي قلوبنا , والاسئلة تلك بقت تدور في خلدي وتؤرقني . في احد الايام تجرات وسالته ولكن بطريقة دبلوماسية , واجابني بحكمة لن انساها ماحييت , قال وبلهجتنا الجنوبية العمارية التي رفض ان يتنازل عنها على الرغم من انه يعيش في بغداد منذ الاربعينات. - (بوية الماي اللي تبدة مايرجع , والبجي مايرجع ميت , لازم الحزن يبقى بكلوبنة, ونسويلة فاتحة تليق بيه وبمقامة وماننسة ليش وشلون مات) . نعم هذه حكمة جدي , البكاء لاينفع , الذي ينفع هو السمو فوق الجراح واعلاء شان الفقيد وتكريمه وتضميد جراح ومشاعر اهله, الصحيح هو ان يبقى حي في قلوبنا وظمائرنا وعدم نسيانه او نسيان اسباب وطريقة موته مهما كانت الظروف او الضغوط . هذه الحادثة حظرت الى ذهني المتعب من كل شيء وانا اشاهد تلك المناظر المأساوية لنساء واطفال وشيوخ مستلقين في العراء , اجساد غادرتها الحياة , عيون متجهة الى السماء تناجي ربها وتشكوا عظم المصاب , وبلا وعي كانت الدموع تسيل انهارا من عيناي المرهقتين , وهنا حظر موقف جدي يوم وفاة ابي ووقف شاخصا امامي. ولم تكذب( فضائية العراقية ) الحبيبة الى قلبي وقلوب كل العراقيين الخبر وكانها كانت تسمع مافي داخلي لتطلق صرختها وتدعوا العراقيين لتضميد جراحهم البليغة وتدعوهم لمساعدة ذوي الضحايا والوقوف الى جانبهم وعدم الاكتفاء بالبكاء ومظاهر الحزن . هذا الفعل الرائع من قناة العراقية والذي قوبل بفعل اروع من ابناء الشعب العراقي الغيارى الذين تسابقوا للجود بما يملكون جعل ذوي الضحايا يشعرون انهم ليسوا لوحدهم بل ان كل العراق معهم وان شهدائهم هم شهدائنا جميعا , هم ابائنا وامهاتنا واخوتنا واخواتنا واطفالنا . في الوقت نفسه لابد من الاشادة بالحكومة وطريقتها في التعامل مع الحدث بالرغم من جسامته وايضا رجال الدين ومرجعيتنا الشريفة والسياسيين الذين زاروا الجرحى وعوائل الشهداء . لن ننسى هذا اليوم , ففيه فقدنا الفا من خيرة ابنائنا من الموالين لآل بيت رسول الله , فقدنا الفا ممن تحدوا الارهاب وخرجوا لاداء شعائرهم الدينية التي بقيت صامدة بوجه كل الطغاة وستبقى صامدة الى يوم الدين ان شاء الله. رحمكم الله ياشهداء جسر الامام الكاظم (ع) , مكانكم في قلوبنا وظمائرنا وناموا مطمئنين الى اننا سائرين على دربكم , درب آل بيت رسول الله عليهم السلام اجمعين ولن ننسى ابدا كيف ولماذا حدث الذي حدث.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site، All rights reserved، info@bentalrafedain،com |