|
تزاحمت النساء مصطحبن أطفاهن لعبور جسر الائمة في محاولة فريدة من نوعها لأداء مراسيم زيارة وفاة الأمام السابع من ائمة الشيعة الأثني عشر. كانت الامهات يتسارعن لعبور جسرالأئمة الذي اقتسم اسمه من حضرة الامام موسى الكاظم والأمام أبو حنيفة النعمان. فالبغداديون يأمون زيارة الأمام الكاظم في ولادته ووفاته وأيام عاشوراء لحضور المواكب العزاء والتطبير واللطم بالزناجيل والتشفي من القريشيين والأمويين قتلت ال البيت الرسول وشباب اهل الجنة. وينتقل القسم الاخرمنهم الى حضرة جامع الامام أبو حنيفة النعمان لحضور مراسيم مولد الرسول وولادة ووفاة الأمام أبو حنيفة والكيلاني ليمتعوا بمراسيم الدورشة والألعاب السحرية. تلك هي تقاليد التي تقسم جسر الائمة في بغداد. اراد الشيعة ان يحتفو بوفاة الأمام موسى بن جعفر الذي كظم غيضة ثلاث عشرة سنة في سجنه في بغداد ومات متحسرا على الحرية. اراد الشيعة ان يحتفوا بهذه المناسبة ليستمدوا من صبره مثلا يحتذون به ويلهمهم الصبر على حكومتهم التي لم ينالو منها الا الشعارات والخطابات التي تحثهم على الصبر في تحمل الوضع المتردي والتضحية بأرواحهم فداءا لهم. كان الزائرون يعتقدون ان حكومتهم ستوفر لهم الحد الادنى من التنظيم والامان في مثل هذا الحشر العظيم وقد وصرحت الحكومة بأنها مستعدة لهذا اليوم العظيم. لكن بعد هذا المصاب الجلل تبين ضعف واضح في تنفيذ خطط الحكومة لمثل هذه المسيرات المليونية. فهذه المسيرات تحتاج الى خمس او ستة وزارات ومعها مديرية امانة عاصمة بغداد والاوقاف. وتنظم بمحورين مهمين. المحور الاول هوالجانب الامني وتناط هذه المهمة بوزارتي الداخلية والدفاع لوضع خطة امنية شاملة تؤمن عدم حدوث اي أختراق اوهجوم او قصف على المنطقة خلال هذا اليوم وتستنفر الوزارتان كل اجهزة الاستخبارات والامن والمخابرات والحماية والشرطة والخيالة في الشوارع والمنافذ وتسخر منظمين وحراس ومفتشين ينظمون دخول الزوار من كل مداخل مدينة الكاظمية. المحور الثاني هو تنظيم الزيارة المليونية وتشمل عدة وزارات منها. وزارة الصحة وتكون مهمتها في أيجاد مراكز صحية ثابتة ومتنقله تحوي على وسائل وأجهزة ومستلزمات الاسعافات الاولية وأجهزة للمصابين بأمراض الربو وعجز القلب والأختناق. وتوفير العديد من الاسرة في المستشفيات واسنتفار اكبر عدد المرشدين الصحيين المنتشرين في أماكن مختلفة داخل المدينة وفي محيطها وكذلك استنفار كل سيارات الاسعاف وتوزيعها على اربعة مداخل وخارج مدينة الكاظمية استعدادا لاي حالة طارئة. أما وزارة البيئة فتعهتد برعاية الظروف البيئية لمدينة الكاظمية وتبحث مداخل ومخارج المدينة وظروف الشوارع ومخارجها. ومن اولويات مهمتها هي مراقبة الاجواء وتدقيق الأماكن التي قد تحدث فيها تلوث بيئي من جراء الازدحام كما تسعى لتوفير أكشاك مرخصة توفر فيها الماء والكهرباء لبيع المواد الغذائية الصحية ومنح رخص للباعة الثابتين والمتجولين وتدقيق كل أنواع المأكولات اوالمواد الغذائية التي ستباع في هذا اليوم وتدقيق تواريخ مدة صلاحية تلك المواد. انا استغرب كيف يكمن أن يسير رجل يحمل بخاخ ماء يرش الماء على اللاطمين وكأنه يرش الماء على الحقول. هذه طرق في غاية التخلف والبداوة. أما مديرة أمانة بغداد وتنحصر مسؤوليتها في لتنظيم المرور وحركة السيارات ومنع الشاحنات والسيارات من المرور والاختناقات المرورية. كما تنظم منافذ دخول وخروج الزوار عبر كل المنافذ والسماح للمواطنيين بالمرور عبر المنافذ خلال فترات زمنية متباعدة وتنظيم عبورهم على الجسور الشوارع. كما توفر صناديق وعربات لرمي النفايات واماكن لدوراة المياه. وتسمح للزائرين من المدن من دخول مدينة بغداد في أوقات محددة. كما توفر مراقبين مدنين ومرشدين لاماكن الرعاية والمساعدة. كذلك تستنفر مديريات وسيارات الحريق تحسبا لاي طارئ. هذه الأحتفالات تشمل مشاركة ديوان وزارة الأوقاف ومهمته تكمن في تنظيم تصاريح المواكب العزاء والسبايات واللطم بالزناجيل والتطبير ومواعيد نزولها الى الشوارع ودخولها الى ضريح الكاظم وخروجهم . كما تصدر تصاريح لكل المواكب القادمة من خارج بغداد وماعيد دخولها. ومن الضروري انتشار موظفيها لمراقبة تنفيذ المواعيد وتنظيم دخول وخروج الصحن والضريح في هذا اليوم. ولوزارة السياحة أيضا حصة في هذا اليوم وهي يفترض أن تدقق عدد الزائرين من خارج بغداد وسبل توفير لهم الفنادق والمبيت والاكل لهذا العدد الهائل من المواطنيين. أن لم تستعد الحكومة بمثل هذا الخطط بل وأكثر من ذلك فمن الافضل لها أن تلغي هذه الاحتفلات تفاديا للكوارث البشرية. كان على الوزراء عرض خططهم على رئاسة مجلس الوزراء قبل الموعد المقرر لدراسة كل الخطط مجتمعة ومكملة لبعضها ومن ثم اقرارها وبعد ان تقر حكومة رئيس الوزراء كل هذه الخطط تكون هي المسؤولة الأولى عن سلامة وامن وصحة المواطن. بهذا الشكل تستطيع ان تحدد مسؤولية كل وزارة ومؤسسة ويتسنى للحكومة محاسبة المقصرين وتحمل الحكومة مسؤليتها في الحاده. هكذا تتعامل الدول التي تحترم مواطنيها وشعبها في هذه الأحتفالات. اما الأقتصارعلى طريقة الخطابات والادانة واستمالة ضمير الناس فهذا يعكس عدم أهتمام الحكومة بقيمة مواطنيها. ترى هل ستجف دماء شهداء جسر الأئمة وسيضيع حق الشهداء كما جفت وضاعت حقوق شهداء كربلاء والكاظمية في مثل هذه الزيارات المليونية. ومن سيتحمل مسؤلية هذه الكارثة البشرية التي يتصاعد عدد ضحاياه ليصل الى قرابة الف مواطن عراقي اغلبهم من النساء والاطفال. أم أننا سنبقى في حدود التصريحات والبيانات. أنا أعتقد من يتحمل المسؤلية تقع على جهتيين عراقييتتن. وقبل أن احدد المسؤلية يجب أن لا يلغى دور القوى التكفيرية والأرهابية المرتبطة بنفايات النظام البائد. فهؤلاء الأشرار مستعدين لهذا اليوم أكثر من استعداد الحكومة وخططوا بدراية بحيث أخترقوا كل خطط وحصانة وزارة الدفاع والامن وقوات الاحتلال. فأرسلت اهازيج من القنابل الصواريخ احتفالا بهذا اليوم المقدس. الجهة الأولى التي تحمل المسؤولية هي المراجع الشيعية وأصحاب الفتاوي الذين يطلقون الفتاوى والمباركة لمثل هذه الزيارات وتحريض الناس لمثل هذه الزيارات المليونية دون أن تستفيد المرجعيات من اخطاء الماضي وغير مكترثة للوضع الامني المتدهور جدا. وكأنها تريد ان تتحدى أحدث الأسلحة التي يمتلكها الخونة والأرهابيين والتكفيرين بصدور الفقراء والمساكين والكسبة والمؤمنين من أبناء الشيعة البسطاء. كان على المرجعيات الشيعية ان تدرك ان الوضع الامني لايسمح بممارسة هذه الشعائر في ظل حكومة غير قادرة على حماية نفسها. الجهة الثانية هي حكومة الجعفري وأولهم رئيس الوزراء لما ابدت من اداء متعثر وتخطيط اقل من الضعيف وعدم الاستعداد الكافي لمثل هذا اليوم. فعلى مايبدوا أن اسلوب عمل الحكومة يعتمد على البركة والتيسير من الباري عز وجل ولا ترسم اية خطط وبرامج لحماية المواطنين وأنما تتوسد من اهل البيت والأئمة الصالحين حماية الزوار وتخليصهم من الأشرار المدججين بالأحزمة الناسفة والأسلحة الفتاكة. ولا تقوي الحكومة أن تعمل شيئا سوى الصبر والسلوان. هذا التكرار الذي حدث في كل مناسبات الشيعة في الزيارات المليونية يعكس ضعف قدرة الحكومة على التخطيط وممكن أن نصل الى استنتاج بسيط هو انعدام الخبرة الميدانية والعملية للوزراء ووكلائهم والتي لم تمتلك تلك الوزارات الخبرة المهنية الكافية رغم أمتلاكها لتكنوقراط علمي لكنه تنكنوقراط سياسي، قليل الخبرة المهنية، لايعرف ظروف عمل الوزرات العراقية ولا يمتلك طاقم أداري ناجح. فأغلب الوزراء لم يمارسوا وضائف حكومية عالية المستوى بل هم ممثلين لأحزاب سياسية. وهنا مربط الفرس فلايجوز أدراة الوزرات وتنفيذ مهامها بأناس لم يمارسوا سوى الاحتراف السياسي. ما يثير الغرابة هو تصريح وزير الداخلية الذي يعلن للملئ بان من الصعب السيطرة على تنظيم زيارة لمليون مواطن ويتصاعد العدد ليصل الى ثلاثة ملايين. أن كانت وزارة الداخلية تدرك بأن هناك صعوبات في السيطرة على مثل هذه الزيارات فَلمَ لم تمنعوا تدفق هذه الاعداد الهائلة من الناس؟ ولم لم ينظم مرورهم على وجبات وبفترات متباعدة؟ ولمَ لم يفتح أكثر من ممر من جسر الائمة لمرور الزوار؟ أين رجال الأمن والاستخبارات في مثل هذه اليوم؟ ولم لم يرفع درجة الاستنفار الى اعلى مستوياته. ولم سمح للناس بالتدفق بأعداد هائلة فوق الجسر وهذا مخالف لمواصفات بناء الجسر و قابلية تحمل لتلك الأعداد الهائلة. أن كانت وزارة الداخلية لا تملك أمكانية حماية مثل هذه المسيرات المليونية فلمَ لم تعلن سابقا وتحذر الناس ليتسنى لأعضاء الاحزاب تنظيم أمن هذه الزيارة مثلما حدث في المسيرة المليونية السابقة التي جرت في بغداد. كالعادة ضهرت التصريحات بين الوزراء، وأشتبك الحابل بالنابل، غرضها هو ليس لتحديد من هو المسؤول واقصائه من منصبة، بل لتصفية حسابات سياسية بين الاحزاب المؤتلفة على حساب أرواح الابرياء. فوزير الصحة يتهم وزيري الداخلية والدفاع بالتقصير ويطالبهما بالأستقالة. ووزير الصحة يُتهم بتقصيرفي توفير الأسعافات الأولية للموتى والجرحى والمصابين. اود القول كفاكم نفاق سياسي والشعب العراقي يتدهور حالة وأمنه نحو الأسوء. لقد مضى على الحادث يومين ولحد كتابة المقال لم يخرج تقرير طبي واضح يبين كم عدد الموتى بسبب التسمم وما هي الاسباب التي أدت الى التسمم وكم عدد الموتى من المختنقين و اسباب تلك الاختناقات وهم في العراء الطلق وبأي مادة سامة اختنقوا. أنا اعتقد أنه لن يظهر مثل هذا التقرير لاحقا لانه سيمتلك اجابة واضحة وادانة صريحة لوزارة الصحة والبيئة والأوقاف والداخلية والدفاع وأمانة بغداد. اما ان الاوان ان تنطلق حملة وطنية عامة يشارك فيها الحكومة والشعب لتطهير مدن العراق من كل العرب والارهابين ونفايات ومرتزفة النظام البائد. ام أن الوقت لم يحن ولم تسمح الظروف لمحاربةهؤلاء. ألم يحن الوقت لأنزال القصاص العادل وتنفيذ حكم الأعدام بالأرهابيين؟
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |