|
قيامة عراقية
محسن صابط الجيلاوي ما أَكثرَ العِبَرَ وأقلَّ الإعتِبارَ الإمام علي
موتنا مجاني مفتوح على الماء والرمل والدنيا والشمس الحارقة وعدسات الكاميرات وكل من يريد للإثارة مكسبا... موت فيه للبعض الكريه في هذا العالم من التشفي الكثير...فموتنا بسيط، وطليق، وسهل..فيه من روح الدعابة والكوميديا السوداء الكثير... العالم يتفرج على بقايا بسيطة من مُلكية الفقراء الذين كان موتهم وهم أحياء شيء أقرب إلى الحقيقة، فهم بلا تعليم وبلا عمل وبلا مدن نظيفة، ولكن لديهم ما يكفي من قبور مشتراة سلفا في مقابر ممتدة إلى آخر الدنيا... ماساتنا كبيرة، وبلدنا أصبح ملهاة وكوميديا للخوذ المحتلة، وأشرار أتوا من آخر الدنيا وساسة يعبون جيوبهم بالدولار الأخضر، وثقافة تمجد ذوي النعمة، ونخب منخورة، وإنسان مُنكسر.... مرحلة اختلط فيها الحابل والنابل، هناك من يعمل بإصرار مدهش على تعميق التداخل والإختلاط والكفر... كل شيء غائب ومفقود إلا العمل مع أجساد فقدت الروح والحياة والسعي الحثيث لتوفير عُدد الدفن..! تلك لحظة مهزومة وغبية من تاريخ أمه نامت على مجد غابر وحضارة وخطاب لم يعطي خبزا وأمنا في لحظة راهنة من أيامنا السوداء هذه.. لم يتبقى سوى لافتات تنعي الشهداء، وفرة الشهداء هي من وفرة الإرهاب ومن وفرة ذلك الفكر الذي يشحذ أمّة بأكملها نحو السكين... قدر دجلة الخالد أن يُدمى بفعلة شنيعة لإجرام منفلت، لقتلة وحوش...لقد دنسوا براءة الماء، والنهر الوديع، والضفة الهادئة وذلك الإنسياب الطليق والحر جنوبا... من أين جاء هكذا قاتل، من أي نطفة، هل يعود يوميا إلى بيته ليمارس قدره الإنساني باللعب مع أولاده أو بتحية زوجة تنتظر كدحه اليومي، هل يتأمل غزارة ذلك الدم المسفوح، هل من لحظة من بقايا ضمير ليقول كفى لكي يعود إلى صنف البشر ولو مرة واحدة...؟؟! لقد طُعن العراق في كرامته وفي جسده وفي روحه وفي عظمة شعبه وليس صعبا ان ينتفض مارد النهرين ليعطي درسا جديدا للعالم عن كل ذلك التفرد والخصب وقول الحق...سيكنس مزابل القتلة، لينظف العالم من شرورهم، بدمه يقدم ثانية خدمة للإنسانية الصامتة... العالم ينتظر قيامة وحيدة ونحن في قيامة دائمة...! العالم يتفرج على مأساتنا ولا أعرف هل هو مصدق بما يجري أم ان الضمير في إجازة، أم ان كذبة كبرى تجعل ما يجري شيء يشبه الأحجية اللغز....؟ هل يفرح العالم بموتنا المجاني ؟ هل هناك ما يكفي من الوقت والجهد والضمير والعفة لوضع الأسئلة عن معنى أن يكون الإنسان إنسانا..؟ هل نحن أبناء صدفة في هذا العالم لا يحق لنا العيش بكرامة وبلا خوف...؟ ما الذي يجعل الصمت قاسيا إلى هذا الحد..؟ ما الخطأ أو الخطيئة التي ارتكبها العراق الذي كان دوما قبلة العالم والحضارة والفكر ليُجازى بهذا الشكل المشين...؟ أسئلة كثيرة ترتج في رأسي...ومعها تتشظى أجساد أهلي وأحبتي وما علي سوى أن أذرف دمعا على بقية تنتظر حتفها المؤجل..صرختي أيها العالم: جدوا موتا أكثر رحمة يليق بالعراقي، إذا كنتم بهذا الإصرار العجيب على تحقيق موت مبكر لوطن اسمه العراق...!!! مصيبتكم ستعرفون بعد فوات الأوان اننا سنحيا ونحيا لأننا أبناء المستحيل...!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |