|
دفاعاً عن الحقيقة يحيى السماوي / أستراليا/أديلايد * هل يجوز تحميل العصافير والحمائم والفراشات، مسؤولية ما ترتكبه الذئاب في البستان؟ * هل من المروءة ومكارم الأخلاق، حجب الماء عن الورود، تحت ذريعة أن في الحديقة شوكاً؟ * هل من حق الجالس على كرسي وثير وهزاز، إزدراء الغريق المتشبث بلوح خشبي وهو يصارع الموج المزبد، آملاً في الوصول إلى الشاطئ؟ * هل اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، منظمة مهنية فكرية ثقافية، لا تملك غير حناجر أعضائها وأقلامهم واوراقهم؟ أم هو منظمة حلف استراتيجي عسكري، يملك الأساطيل الجوية والبحرية والبرية كالتي يملكها " الأطلنطي"، فنحمله مسؤولية احتلال العراق، وتحويله من مزرعة خاصة بصدام حسين وبقية أفراد أسرته وعشيرته وزمرته، إلى ساحة ميدان حرب، يختبر فيها جنرالات" البنتاغون" آخر ما ابتكرته" الحضارة الأمريكية" من أسلحة محرمة دولياً، ومشروعة برأي فقهاء ال" CIA " و" المحافظين الجدد" الذين لا يريدون لشعوب العالم الخروج من مشيئة راعي البقر الأمريكي؟ * هل ثمة من بين كل أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، عضو واحد، حملته طائرة أباتشي من حاملة طائرات أمريكية، إلى بغداد؟ وهل من بين كل أعضاء المكتب التنفيذي هذا، عضو واحد، جاء بمعية" غارنر" كأجير براتب مقطوع، أو ضمن حاشية" بريمر" كمبشر بديمقراطية" ابو غريب"؟ فالذي أعرفه، ويعرفه كل أحرار العراق ومناضليه، أن أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، كانوا نافذة مضيئة في ليلنا الثقافي المعتم، وممن رفضوا الوجاهة المبتذلة والنعيم السحت في الزمن الصدامي، وفي وقت كان فيه الدخلاء على الأدب والثقافة، يتساقطون كالذباب على موائده، متنعمين بأعطياته وهباته مقابل ما يقدمونه من فنون" الانحناء الذليل" ومن" مدح وردح" أسهم في تأصيل نرجسيته المفرطة، بل وفي نشر الخراب الثقافي الذي ساد العراق... العراق الذي كان بستان إبداع، قبل أن يتحول إلى غابة مشانق ومعبد وثني مزدحم بأصنام الديكتاتور الذي كان ينظر للعالم من فوهة مسدسه الشخصي! هؤلاء انتخبهم أدباء العراق ومفكروه ومثقفوه، وليس السفير خليل زاد، أو هذا الحزب وتلك الطائفة... وكما رفض أعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، الانحناء للديكتاتور، فإنهم كانوا في طليعة الرافضين للاحتلال الأمريكي، لأنهم كانوا يرفضون أن يطلق سراحهم من قبضة الديكتاتور، إذا كان ذلك سيؤدي إلى إعتقال الوطن... فحنجرة الأديب العراقي، كانت قد صرخت ب" لا" جهورية واضحة، بوجه الديكتاتورية والاحتلال معاً، فمن غير الانصاف التغافل عن هذه الحقيقة، أللهم إلا إذا كان الآخرون قد تعمدوا حشو أذانهم بقطن الوقر، أو تظاهروا بالصمم، لدواع وأهداف سياسية، لا علاقة لها بالفكر والأدب، بل وبالحقائق الجلية؟! هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، خطرت لي وأنا أقرأ عن القرار المجحف الذي أصدره المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، المنعقد في مدينة "سرت" الليبية أواخر شهر تموز الماضي، والذي قضى بتعليق عضوية اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، في وقت كان يتوجب فيه مدّ جسور التواصل معه، ورفع الحيف الذي لحق به دون وجه حق. فكما أن العراق، قويّ بأمته، فإن الأمة العربية، ستكون دون ريب، أكثر ضعفاً بضعفه... وإذا كان صحيحاً القول، إن الضرر الذي يلحق بالعراق، سيصيب بشظاياه الأمة كلها، فإنه من الصحيح أيضاً القول، إن الوهن الذي يصيب الأدب العراقي سيصيب الأدب العربي كله، وبالتالي، فإن إعادة الاعتبار لاتحاد الأدباء والكتاب العراقيين هو بالضرورة إعادة إعتبار، ليس للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب فحسب، إنما، وللأدب العربي، ليس لأن الأدباء والكتاب والمثقفين العراقيين، كانوا في طليعة الذين اشتغلوا وانشغلوا بهموم الأمة وقضاياها فحسب، إنما، ولأنهم أيضاً، في طليعة النخب العربية التي قاومت الطواغيت والاحتلال، أو، هذا على الأقل، ما أثبتته الطوابير من شهداء الكلمة الذين استعذبوا أقسى العذابات ذوداً عن شرف الفكر والأدب، وترسيخاً لوظيفته في إضاءة كل ماهو معتم، وانتصاراً لجمال الحق... ولعله من الصواب القول، إن عراق المتنبي والجواهري والسياب ونازك الملائكة والبياتي وجواد سليم وطه باقر والمخزومي وعلي جواد الطاهر وعناد غزوان، عراق سعدي يوسف وبلند الحيدري ومظفر النواب، وخليل شوقي وقاسم حول هو أكبر من أن أن يتسع له محجر أدبي، وأصلب من أن تفتته حصاة أيديولوجية، وأقوى من أن يلغي دوره الأدبي الريادي، قرار نقابي يصدر في" سيرت"" أو" نواكشوط".. من حق اتحاد الأدباء والكتاب العرب، التطلع إلى رؤية عراق موحد ديمقراطي مستقل، لا يخضع لوصاية " بيت أبيض" في واشنطن، أو " بيت أسود" في مكان آخر... غير إن هذا الحق، يبقى مشروطاً بمؤازرة أدباء وكتاب ومفكري ومثقفي العراق، لكونهم النخبة الأكثر حرصاً على وحدة العراق وسيادته الكاملة، ولكونهم الأكثر حرصاً على عروبة العراق وعلى الثوابت الأساسية لجماهيره وجماهير الأمة العربية.. وما يؤسف له حقاً، هو، أن المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، الذي أصدر قراره بتعليق عضوية اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، هو نفسه المكتب الذي لم يصدر ولو بضعة سطور خجولة، استنكاراً لسياسة صلم الآذان ووشم الجباه، وقطع الألسن، والإذابة في أحواض حامض الكبريتيك المركز، هذه السياسة التي اتخذ منها نظام صدام حسين، أسلوباً ومنهجاً، أملاً في تدجين وترويض أحرار العراق ومناضليه، وفي الطليعة منهم، الأدباء والكتاب، أمثال عزيز السيد جاسم، حسن مطلك، ضرغام هاشم، عبد الجبار وهبي، محمد الخضري، حاكم حسين، وغيرهم الكثير الكثير... بل، ولم يسبق له، أن أوصد بابه أمام انصاف المثقفين، وأدعياء الأدب، والعاملين في "السيرك الثقافي والاعلامي" للديكتاتور،ومن حملة الحقائب الدبلوماسية المليئة بقوائم الاغتيالات، وبالمسدسات كاتمة الصوت، وبالأحبار السرية، وبرقاع الدعوات المشبوهة للمشاركة في تشييع جثامين الأدب والفكر والثقافة الوطنية في مقابر" المربد" و "مركزالفنون" و "قاعة الخلد" وفي مدافن " قادسية صدام" و" أم المعارك".. فباستثناء عاصمة عربية أو عاصمتين، بقيت أبواب بقية عواصم الأمة العربية" الواحدة" عصية على الفتح، أمام أفواج الأدباء والكتاب والمثقفين العراقيين الهاربين من جحيم الديكتاتورية، أملاً في الحصول على فسحة ضيقة من الحرية والأمان، في وقت كانت فيه فنادق الدرجة الأولى، وصالات دور الضيافة، تفتح أبوابها وتفرش ملاءاتها الحريرية أمام "كتبة التقارير السرية" الذين اتخذوا من الأدب، قناعاً يخفون خلفه وجوههم المجدورة المليئة ببثور الطاعون المخابراتي، والجدري الاستخباراتي!. وإذن، هل من مصلحة الأدب والفكر العربي، تغييب أو عزل الأدب والفكر العراقي؟ إنه مجرد سؤال" غير عفوي" أضعه على منضدة السيد" عز الدين ميهوبي" رئيس الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |