|
شهداؤنا الفقراء بلقيس حميد حسن رئيسة المنظمة العراقية للدفاع عن حقوق الإنسان في هولندا "عودوا أنـّى كنتم فقراء كما انتم غرباء كما كنتم يا أحبابي الموتى عودوا حتى لو كنتم قد متم يا أحبابي الموتى عودوا حتى لو كنتم قد متم"
كنت في لبنان عام 1979حين سمعت هذا النشيد الذي تنشده فرقة لبنانية، حينها كنت حديثة العهد مع الغربة، صغيرة على الهموم وجديدة على فهم فلسفة الموت والحياة، لم ترتسم بعد في ذاكرتي مجازر عراقية، لم نرى بعد مجزرة حلبجة والأنفال، ولم نر بعد مجازر الموت بالانتفاضة والمقابر الجماعية، ولم نر بعد بشاعة جرائم صدام وحروبه الطويلة المدمرة، كانت جرائم البعث تحصل في السجون والأقبية المعتمة أو على الحدود البعيدة التي لا نراها، والتي لا يراها سوى الضحية والمجرم، وكان التعتيم خادم السمعة، وسيد الفضيلة المزورة، كنت حينما اسمع هذا النشيد النشيج استحضر صور الشهداء التي تملأ شوارع بيروت والمعلقة على كل حيطانها وفي جميع أزقتها، شهداء الحرب الأهلية من اللبنانيين والفلسطينيين، واستحضر صور مجازر إسرائيل بالفلسطينيين التي عرفناها ورأينا صورها مثل كفر قاسم ودير ياسين . لا ادري من كتب كلمات النشيد المؤثر والمبكي، لكنها بقيت في ذاكرتي ولم تمّحي رغم أنني لم اسمعها غير مرة واحدة، بكيت كثيرا، صرت أكررها في كل محنة وفقدان لعزيز، وحينما افتضحت مجازر صدام وتتالت فجائعنا، موتا، موتا, فاضت دماءنا وعلت حتى تجاوزت حدود السماء وصرخت بوجوه القتلة، وها مجزرة اليوم، مجزرة الجسر, ضحاياها أبرياء كثر، جثثهم تملأ الشوارع، أي ألم هذا ؟ وأي رعب ؟ وأي ذبح جديد يا بغداد ؟ ما كنا نبكي كارثة حتى نفجع بأخرى، نعرف أن التركة ثقيلة، وان الإرهاب ومخلفات البعث وديناصورا ته تريد تخريب العراق وجعله صحراء خربة، ونعرف أن للعراق أعداء كثر، ونعرف أن للحكومة المنتخبة أعداء اكثر, لكننا لا نعرف كيف لا تتوقع هذه الحكومة في هذا الظرف أي خطر, ولا تتحمل مسؤولية حماية المواطنين وتحذرهم حين تعرف عجزها عن هذه الحماية .. الحرّ لا يلدغ من جحر مرتين، وها أننا نلدغ من ذات الجحر مرارا وتكرارا، ألم نتعظ من مجزرة النجف التي راح ضحيتها اكثر من 300 عراقي منهم السيد الحكيم ؟ ألا نتعظ يا حكومتنا المنتخبة من كل ما يحصل للأبرياء يوميا ؟ فأين توجيهاتكم ؟ وأين تدابيركم الاحترازية ؟ وأين قلقكم على الأبرياء؟ وأين وعودكم التي قطعتموها على أنفسكم ؟ أين الخشية على أرواح الفقراء, المقهورين، الذين جاءوا لتمنحهم القداسة شيئا من سلوى على عظم مصائبهم . الفقراء، الذين لم يمد أحد لهم يدا من الحنان ويمسح على جروحهم . الفقراء، الباحثون بين مقابر الأولياء عن شيء من أمل وصبر، علـّهم يجدون أجوبة على مآسيهم . الفقراء، الذين انتبذوا زاوية الشهداء ليستريحوا لها وليطفئوا ظمأ سنوات القهر والصمت بالشكوى . الفقراء، الشهداء، الذين ذهبوا خطأ، هكذا وبكل سهولة، ما اسهل أن يموت الإنسان خطأ، وما ابشع هذا الخطأ الذي لا يصلح ولا يعتدل . الفقراء، الشهداء, من سيوقف هطول جنائزهم ويعيدهم إلينا؟
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |