هادي فريد
التكريتي
hadifarid@maktoob.com
على الرغم من أن
الكثير من
المؤرخين، يرجعون
الخلاف في
الإسلام، بين
الشيعة والسنة،
إلى سقيفة بني
ساعدة، حيث اختلف
المهاجرون
والأنصار، على
خلافة النبي، ثم
حسم الأمر لأبي
بكر، ولم يكن
الإمام علي حاضرا
مع المختلفين أو
المؤيدين، ولو
كان بينهم لانحاز
لأبي بكر، ضد
الأنصار، حسب
منطوق الحديث <
الأئمة من قريش
>، ورغم كل
التفسيرات
والتأويلات،
المنحازة
والحيادية،
فالخلاف الجدي
والفعلي، الذي
أدى إلى الفرقة
والتناحر، هو
عندما تولى
الخلافة الإمام
علي بعد مقتل
عثمان بن عفان
الخليفة الثالث،
ومطالبة معاوية
بن أبي سفيان
والي الشام،
وجيشه المتمرد
على \" الشرعية
\"، بدم الخليفة
المغدور، حاملين
قميص عثمان
المخضب بدمه، ومن
هنا جاء المثل
ك\" قميص عثمان
\" وبعد أن ُهزم
جيش الإمام
لأسباب شتى، جاءت
التسمية \" شيعة
علي \" لأنصار
الإمام علي،
الخليفة الراشدي
الرابع، والذي
تأسست الدولة
الأموية بعد
مقتله، على يد
معاوية والي
الشام الذي لم
يخضع لحكم الإمام
علي.
إذن سبب الخلاف
هو الخليفة
الثالث، عثمان بن
عفان، الذي قرب
كل بني أمية، بمن
فيهم الذين كانوا
يعلنون العداء
للنبي محمد
وللإسلام أيام
الدعوة، وأقطعهم
إقطاعيات ما
كانوا يحلمون
بها، حتى لو كان
أبو سفيان هو
الخليفة، فعثمان
هو الرمز الحقيقي
لبداية الشرخ
وتعميق الفرقة
بين المسلمين
والإسلام، وعلي
هو الطرف الثاني
في الصراع، وهو
الرمز المقاوم
لهذا الانحراف،
الذي أسس لمرجعية
قاومت عهود
الإستبداد، طيلة
1400عام، وهي
الفترة التي
تعاقب عليها
الحكام الذين
حكموا باسم
الإسلام.
مرجعيات
الفريقين، من
ألسنة والشيعة،
وعلى مختلف الحقب
الزمنية، وكل
باسلوبه ومنهجه،
هم من رسخوا
الفرقة، وشوهوا
التاريخ، حرفوا
الوقائع وزوروها،
وحالوا دون تبيان
الحقيقة للشعب،
أو التخفيف من
الغلواء الطائفي
لدين واحد، ومنذ
أن اختلفوا وحتى
اللحظة، لم يبذل
أي منهم جهدا
حقيقيا ومخلصا
لوحدة الصف،
وتضييق شدة
الخلاف، أو
التخفيف من لهجة
إثارة الأحقاد
وتأجيجها، ولم
يحاول أن ُيقنع
أي طرف منهم،
الطرف الآخر،
المخالف بوجهة
نظره، , ولم تسنح
الفرصة، لمن كان
يقف على الحياد
في هذا الصراع،في
تهيئة الظروف
الملائمة في ترك
حرية الخيار
لطوائف الشعب
وقياداته
المخلصة، في
التلاقي وحل ما
راكمته الظروف من
خلافات لتبيان
حقيقتها. حتى وإن
سيحصل مثل هذا،
فلن يكون هذا بين
يوم وليلة، ولا
في الأمد القريب
المنظور، فنحن
نعرف ما راكمته
السنون وما أضافه
المنتحلون
والمغرضون من
أسباب لخلافات
الكثير منها
وهمي، والباقي
منها أثره لا زال
فاعلا في المشاعر
والعواطف، وما
صاحب هذا من كذب
وتزوير ـ كتب
الحديث والسير
النبوية والشخصية
مليئة بالكثير من
الشواهد ـ لا
يمكن إزالته
بمجرد حسن نيتنا
في الحوار
والتلاقي، أو
رغبتنا في العيش
المشترك دون
حساسيات، طالما
هناك من يصب
الزيت على النار
ويؤجج الخلافات
بطرح ما ليس له
علاقة أو تأثير
على حياة المواطن
والعيش المشترك،
نحن الآن بحاجة
لخطوة جادة تؤسس
لتبادل الثقة
فيما بين السنة
والشيعة، وتجاوز
العقبات المصطنعة
المفرقة، ليعيش
العراقيون بفهم
مشترك للوطن
وللمواطن، يتقبل
كل منا الآخر
المخالف له في ما
يعتقد ويؤمن به،
وينصره على من
يحاول أن يهضم
حقه أو يغتصب
حريته وإنسانيته،
بعيدا عن مصادر
الكذب والتزييف
والتحريض الطائفي
أو العرقي ـ
العنصري، إن ما
يجمعنا هو الوطن،
وليس الدين أو
الطائفة، فالدين
لله وحده والوطن
للجميع، وما
يعانيه العراق
وشعبه ليس من
اختلاف أديانهم
أو طوائفهم أو
قومياتهم، بل من
حكامهم ومن الذين
لهم مصلحة في
تأجيج الصراع بين
مكونات شعبنا،
وتعميق الخلافات
العنصرية
والطائفة
والمذهبية بين
الشعب الواحد من
أجل أن يستقيم
لهم أمر الحكم
والتحكم بالعباد،
فالبعث ما كان له
أن يحقق الخراب
ويحدث كل هذا
الدمار في البلد
لو لم ينجح في
زرع الفرقة
العنصرية
والطائفية
ويؤججها بمساعدة
من لهم مصلحة في
تأجيج هذا
العداء. فالشعب
العراقي رغم كل
محاولات الحكام
في تجزئته وتفرقة
صفوفه، لم يستجب
لإرادتهم في
التمايز الطائفي
أو القومي، وهناك
الكثير من
الدلائل الحسية
والمعاشة يوميا
بين أفراد الشعب،
تؤكد النزوع
الوطني للمواطن
رغم تمايزه عن
غيره دينيا أو
طائفيا أو مذهبيا
أو قوميا، وظل
المواطن وفيا
لقيم المواطنة
والوطن، على مر
العهود، مؤمنا أن
معاناة الشعب هي
من حكامه وليست
من اختلاف أديانه
وطوائفه
وقومياته، وما
يعانيه في الوقت
الحاضر من إرهاب
مختلفة أشكاله
وألوانه، ناتج من
ممارسات حكم
البعث الفاشي
الساقط أولا، وما
أوجده من قيم
متخلفة وغريبة عن
تقاليد الشعب
وضارة به، وما
أحدثه الاحتلال
الأمريكي ثانيا،
منذ أن فتح
العراق على
مصراعيه أمام قوى
الإرهاب ليكون
ساحة لتصفية
حساباته معها،
وما نلمسه الآن
من نكوص وتراجع
عن الأهداف
المعلنة عشية
سقوط النظام،
وفشل السياسة
الأمريكية
وتراجعها عن
مواقفها السابقة،
في تحرير العراق
وبناء
الديموقراطية،
يعتبر خيبة أمل
كبرى لبعض القوى
التي راهنت على
القوى الغازية
الأمريكية وحرصها
على بناء
الديموقراطية ليس
في العراق وحسب
بل في منطقة
الشرق الأوسط
كله، وها نحن
نراها ترضخ، بذل،
وتستسلم للحكم
الطائفي ـ القومي
فيما يقرره في
البلد وفي دستور
البلاد من مبادئ
أغلبها إن لم يكن
جلها مناوئة
للديموقراطية
وحقوق الإنسان،
الخاضعة لموافقة
الدين ورأي
المرجعية
الطائفية، ورغم
هذا يفتخر بوش
وإدارته بهذا
الإنجاز \"
المدمر \"
للعراق، الذي أكد
صواب موقف القوى
الوطنية
والديموقراطية
التي عارضت
الدخول الأمريكي
للعراق والحرب
عليه !، وثالثا،
مما نعانيه، هو
ضعف الحكم وتداخل
الإرادات
الطائفية
والعنصرية الغير
مؤهلة لخدمة
الوطن، والغير
حريصة على أمن
وحرية الشعب،
بقدر ما هي حريصة
على مصالحها
الطائفية الضيقة
وعلى جني أكبر
قدر من النهب
للمال الحرام،
والسيطرة على
أملاك وأطيان
الدولة وتسجيلها
باسمائهم وباسم
ذراريهم، والحصول
على مكاسب شخصية
ما كانوا يحلمون
بها في وقتما،
قبل أن تنتهي
صلاحية الحكومة..
إن ما كشفت عنه
مجزرة جسر
الأئمة، غداة
ذكرى استشهاد
الإمام موسى
الكاظم، من
سلبيات يتحملها
أولا،الحكم بكل
رموزه وكل فصائله
الطائفية
والقومية
المساهمة في
السلطة، فتصريحات
المسؤولين يوم
الحادث كانت أشبه
ما تكون\"
بجلجلوتية
الموامنة
والروزخونية \"
متفاخرين بما حدث
تلبية للحشد
الطائفي، وبعيدة
عن الشعور
بالمسؤولية التي
يتحملونها تجاه
مواطنيهم، وثانيا
تتحمل سلبيات هذا
اليوم وما نتج
عنه من ضحايا كل
المرجعيات
الطائفية، التي
أثبتت عدم
وطنيتها، في عدم
استيعابها للظرف
الذي يمر به
البلد، وعدم
وقوفها ضد مظاهر
التطرف الطائفي
المنفلت، كما حصل
فبل أيام بين
قوات بدر وجيش
المهدي وما رافقه
من إبراز العضلات
والتحدي الفئوي
للآخر المماثل،
فلم يكن الظرف
مواتيا بالمرة
لمثل هذه المظاهر
الاحتفالية،
خصوصا وأن
الإرهابيين
يتحينون الفرص
لمثل هذه
المسيرات
والتجمعات،
لتنفيذ عملياتهم
الإرهابية، كما
حصل في مواقع
مختلفة ومناسبات
شبيهة راح ضحيتها
المئات من
الشهداء والجرحى،
وقد أثبتت قوى
الإرهاب هذه
المرة أنها أكثر
قدرة على تغيير
أساليبها
الإرهابية
وتكتيكاتها
القتالية من وقت
لآخر، بالضد من
قوات الحكومة
والميليشيات
الطائفية التي
ظهرت بمظهر
العاجز عن حماية
المواطن، ناهيك
عن المسيرات
والتجمعات
الكبيرة..ورغم كل
السلبيات التي
ألحقتها مجزرة
جسر الأئمة
بالحكومة
والمرجعيات
الطائفية، إلا
إنها أظهرت ما
عجزت عنه كل
الدعاوى الفارغة
والتصريحات
الطائفية الكاذبة
سنية أم شيعية،
بصدد وحدة العراق
وتلاحم قواه،
وأثبتت الجماهير
وطنيتها التي لا
تقبل الشك،
وقدرتها الخلاقة
على تجاوز كل
الحواجز الطائفية
المصطنعة، عندما
يتعرض أبناء
البلد الواحد
للخطر، ففي لحظة
التدافع وسقوط
العشرات في نهر
دجلة من حواجز
الجسر، هب
العشرات من أبناء
الأعظمية لنجدة
إخوانهم المصابين
وانتشال الضحايا
الغرقى، وقد أثبت
هذاالحادث
المؤسف، الذي
تسبب فيه
الإرهابيون إضافة
لغباء المسؤولين
الحكوميين، أن
الشعب العراقي
موحد بسليقته
الوطنية قبل أن
توحده النوائب
والمصائب، وما
حققه الوعي
الوطني المتمثل
بعامل المخبز،
عثمان علي، لم
تقدر أن تحققه
دعاوى الطائفية
على مر العصور
منذ عهد عثمان
وعلي، فهل هي
صدفة أم أن القدر
يسخر من
الطائفيين جماعة
عثمان وعلي،
ليرسل لهم عثمان
علي، ليضرب لهم
المثل الأعلى في
الفداء والتضحية
ونكران الذات،
حيث ينقذ عددا
كبيرا من الغرقى،
أحياء وأمواتا،
ليلقى مصيره
غرقا، بعد أن
أعياه التعب مع
أحد الضحايا،
وليغوص الاثنان
معا في أعماق
دجلة، يحملان اسم
العراق الوطني
الموحد، وليس
الطائفي الممزق،
كما يريد له
مهندسو الطائفية
الفرقة والتمزق
لشعبنا العراقي
!.. ومن يدري
فربما كان الغريق
الضحية الذي حاول
إنقاذه عثمان
اسمه ( علي ) هو
الآخر.. فالشهيد
الغريق عثمان
علي، حقق ما لم
تستطع كل
الأساليب
الطائفية من
تحقيقه، حقق
معجزة اللقاء،
بعد مئات السنين
بين رمزين
متضادين إلا
إنهما متحدان،
بصيغة جديدة
وبحلة وطنية
زاهية هذه المرة
عنوانها \" عثمان
وعلي \" !..ألم
يقولوا جبل مع
جبل لن يلتقيا،
وإنسان مع إنسان
هناك فرصة لهما
في اللقاء، عثمان
الخليفة الثالث
شهيد غدرت به يد
آثمة وعلي
الخليفة الرابع،
مثل سلفه طالته
يد الحقد
والكراهية،
فكلاهما شهيد،
والشهداء أحياء
يعيشون بيننا،
وهناك فرصة للقاء
وقد تحقق، بفضل
صدق وطنية ومشاعر
عثمان علي
وتضحيته.فهل يتعض
حكماء الشيعة
والسنة بما صنعه
عامل الخبز عثمان
علي !