تبرعات كارثة جسر الأئمة بين الطريقة والنوايا...!

 

محسن صابط الجيلاوي

Mohsen_khashan@hotmail.com

لم تكن كارثة جسر الأئمة إلا احدى محطات السفر الطويل للمأساة العراقية المستمرة، تلك المأساة التي بدأت منذ ماضي طويل ولا يبدو في الأفق أمل بإنهاء فصولها القبيحة، تلك هي الحقيقة القاسية، لقد عشنا عقود طويلة تحت سلطة دكتاتور أحمق عبث بكل تفاصيل هذا الوطن الجميل، شاركته في ذلك طبقة سياسية وجماهير تهتف (بالروح بالدم نفديك...)، لقد عشنا انقلابات وتخلف الآتين من الثكنات، حكموا وطنا بعقلية أقل ما يقال عنها انها خارج التاريخ والحضارة والتقدم، وبهذا تحول العراق إلى حطام حقيقي أرضا وإنسانا وثقافة....وعند سقوط الدكتاتور بواقع عامل خارجي لم يستطع ملئ هذا الفراغ إلا الغيبيات وهذا ما يمكن تبريره إزاء واقع إنساني معروف، لهذا استطاعت القوى الدينية استغلال ذلك كشكل مقارب فكريا لها وقريب بشكل كبير مع واقع وعي هش وضعيف مما مهد الأرض لبسط نفوذها على الشارع العراقي...

إن تسيير حملات مليونية دينية هو هدف سياسي لهذه القوى، لقد أشاعوا من جديد مواكب حسينية لا نشاهد فيها إلا الدماء وهي تسيل من أجساد الفقراء عبر( اللطم والتطيير والقامة) في حين قيادات هذه القوى تتفرج على ذلك بعقلية المنتصر: (انظروا قوتنا )...ان هؤلاء الفقراء بنواياهم الحسنة والبسيطة طعم رخيص لاستخدام الدين وزجه في السياسة، وأعتقد ان المتنفذين يضحكون في سرهم على غباء وتخلف هذه الجماهير، وهم بهذا يمارسون كل ما يمكن لجعل وعي الناس بهذا المستوى، فأي تقدم في الوعي والمعرفة سيقلل فرصة هؤلاء بالتأثير على الشارع الجماهيري ( شارع الكتلة )، لهذا أنا أتحدى أن نرى قائد واحد من هؤلاء يساهم في اللطم أو التطبير أو الزنجيل أو ما شابه ذلك، لم نرى عمار الحكيم أو مقتدى الصدر أو الجعفري أو الدباغ أو عادل عبد المهدي أو حتى شخص من الخط العاشر أو أي مسؤول صغير في الدعوة أو التيار الصدري أو المجلس الأعلى عاري الصدر أو الظهر وهو يساهم بهكذا فعاليات، لكنهم في نفس الوقت يمارسون كل الشحن العاطفي لزج الناس في هكذا مواكب لا تليق بالبشر...ان عظمة الإمام الحسين(ع) هي في استحضار موقفه الجليل وهذا يتطلب موقفا معرفيا بعظمة القضية التي أستشهد من اجلها أما هذه الجموع المليونية فهي بعيدة كل البعد عن هذا الفهم الذي يجب أن يصوغه العقل لا تلك المشاعر العاطفية السطحية الفهم التي هي بعيده كل البعد عن معرفة مغزى وجوهر القضية التي ناضل واستشهد من أجلها الحسين (ع)، لقد قيل قديما أن قوى الإسلام السياسي تكره التعليم وهذه الحقيقة تتجلى دوما في محاولة هؤلاء بالحفاظ على التخلف لأنه الوحيد الذي يستطيع تجييش الملايين لأغراض سياسية..لقد سادت العمائم كظاهرة في العراق بعد سقوط النظام البائد كتأكيد على هوية القوى المنتصرة تماما مثلما ساد الهتاف القومي عندما جاء البعث، هناك في الثقافة العراقية قوى مستعدة لتغيير ولائها تبعا للقوى المتنفذة لكي تلحس جزء من الغنيمة، ان الحفاظ على تلك الكتل البشرية المخدرة وحدها سيسهل تطويعها سياسيا وبشكل بسيط، بسطر من المرجعية ليس إلا..في حين القوى الأخرى عليها ان تجتهد إعلاميا وسياسيا وتنظيميا ووو.. لكي تحقق وضعا جماهيريا مؤثرا...لقد أُستغل الآلاف على جسر الأئمة دون معرفة بالدوافع الحقيقة التي صاغها دهاء وإبهام السياسي في مسيرة ضخمة رغم معرفة السلطة وأحزابها بالواقع الأمني المنفلت في البلد، وبعد استشهاد هذا العدد الهائل من الناس لم نجد ضحية واحدة ذات نفوذ في القوى الدينية، لقد كانت مذبحة حقيقة لفقراء مدينة الثورة وتلك المدن التي تعيش بلا كهرباء أو ماء نقي أو حتى عمل...ومعها استغلت القوى الدينية هذه الفاجعة أبشع استغلال كشكل دعاية انتخابية مبكرة، فالجعفري تبرع بمنح تقاعد وبأموال شخصية وغير شخصية لذوي الضحايا، ورغم ان الدم العراقي ثمين بغض النظر عن طريقة تغييبه لاكن لا يمكن مساواة شهداء ساهموا في مسيرة دينية عادية خاطئة في التوقيت والمكان مع شهداء فكر وقضية استشهدوا في سجون النظام الدكتاتوري،  والذي فات الجعفري ان الكثير من هؤلاء لازالوا دون رد اعتبار ودون تعويضات أو تقاعد ولم يقبضوا فلسا واحدا للتعويض عن المعاناة التي عانوها في فقدان ذويهم ولسنين طويلة...إننا أمام مفارقات عجيبة أبطالها القوى الدينية التي تريد أن تصيغ بلدا وفق إراداتها ووفق مفاهيمها، ولتحقيق الذات السياسية مستعدة هذه القوى بالدوس قويا على كرامة الناس، على القيم العراقية، على الذات العراقية عبر صياغة كاذبة لجدل الأحداث وجعل الشعار فوق أي اعتبار آخر لتحقيق الغرض السياسي الطامح للسلطة..ان زيارات الجعفري وتلك الدماغوجيا التي سادت حفلات التبرع ماهي إلا محاولات جديدة لشراء شرف وضمير العراقي عبر تدريبه على قبول مغانم وفتات السلطة ، تذكرني الحالة الراهنة تماما بفترة الستينات والسبعينات عند صعود البعث....

لقد تدافع الجميع من قيادات السلطة على التبرع وبطريقة استعراضية كلٌ مستخدم إعلام يواليه في الوصول إلى قلب العراقي المفجوع، واختلطت أموال الدولة بالدعاية الشخصية، ولا أعرف من أين لهؤلاء كل هذه الأموال؟

لقد كان جميلا ان يتبرع الأخ العراقي لأخيه كشكل من الدعم المعنوي في مثل هكذا محنة، ولكن بالنسبة للمسؤول ألم يكن كافيا التبرع دون ضجيج إعلامي؟، لقد تعب مذيع الفضائية العراقية وهو يسال مئات المواطنين عن رأيهم بتبرع الجعفري برواتبه وبتخصيص قطعة أرض وبدفع ثلاث ملايين لكل ضحية..لقد تم دمج مسؤولية الدولة وما تقدمه على انه إنجاز شخصي، وجرى بدهاء تمييع ذلك المسؤول عن تحشيد الناس بهكذا حشود بشرية وفتح الجسر الذي كان مغلقا منذ فترة طويل...

لقد تابعت عمليات التبرع وإذا حسبنا ما قدمته الكويت مضافا ثلاث ملايين دينار من الدولة مضافا الكثير من الدنانير من أركان الدولة مثل عادل عبد لمهدي وجلال الطلباني وأياد علاوي والوزراء وأعضاء الجمعية الوطنية والدوائر الرسمية وتبرعات الخارج وسائر المواطنين...، وقد قمت بقراءة حسابية بسيطة وإذا افترضت ان عدد الضحايا والمصابين بحدود 1700 شخص مقسمة على الموارد التي ذكرتها سيحصل ذوي وعائلة كل فقيد ومتضرر وجريح على مبلغ كحد أدنى 80, 000 ثمانون ألف دولار + قطعة الأرض، هذا فقط حساب بسيط لما شاهدته على العراقية والحملة في يومها الثاني، وهناك حملة على قناة الشرقية وكذلك حملات منفردة للأحزاب والدوائر ولمؤسسات مقتدى الصدر، المهم في حال عدم استلام الناس هكذا مبلغ كحد أدنى يعني ان الأموال ذهبت إلى جيوب الحرامية وهم كُثر في هذه الدولة، طبعا حبل الكذب قصير ستكشف الأيام أين ذهبت هذه الأموال...طبعا سَينظر (بحسد) عوائل شهداء النظام الدكتاتوري والذين وضعوا دمهم بإصرار وبوضوح من أجل تقريب ساعة الخلاص والذين لم يحصل الكثير منهم حد هذه الساعة على الحد الأدنى بتقاعد بسيط مقارنة مع شهداء صدفة غبية وضعتهم بها الأحزاب الدينية بلا إحساس بالمسؤولية إزاء مصائر الناس..أنا أقول ذلك بشعور من الألم على الضحايا ولكن علينا قول الحقيقة وفضح محاولة استخدام دماء الناس كمشروع لتحقيق أغراض السياسي الفاشل...! تلك هي مسالة قد تنطلي على بسطاء الناس ولكن من الضروري دراستها بعمق من قبل كل المثقفين والكتاب وسائر أولئك الناس الذين يرون إلى هذا الواقع المر بتجرد وبضمير صاف..!

إن التبرع بموارد الدولة عبر استخدام المسؤول موقعه الشخصي يتعارض تماما مع حرمة هذه الأموال كونها أموال عامة وكون تقديمها بهذا الشكل يراد منه تحقيق أهداف سياسية أخرى تماما هذا ما أثبته الواقع دوما، ففي العالم الديمقراطي قد يوقع الرئيس أو يطلب مساعدة عاجلة ولكن ليس وفق أهواء شخصية بل ضمن إطار واجبات الدولة إزاء مواطنيها، وأعتقد ان تسيير ناقلة نفط عراقية واحدة كانت تكفي لتقديم مساعدة بمثل هذا المستوى ولكنها مساعدة كريمة تحترم حق المواطن بخيرات بلده...ان قادة اليوم بسلوكهم هذا حاولوا أن يضعوا العراقي كالمستجدي أمام رحمة المسؤول الذي هو الأب الحنون والمنقذ في الشدة وبالتالي تُلمَع شخصيته بشكل منسجم مع ثقافة عراقية سادت طويلا تصفق لولي النعمة للأسف الشديد...

لقد حول هؤلاء حتى الواجب العراقي الذي هو تقاليد وأعراف معروفة مجتمعيا عند الشدائد بمد يد المساعدة والإيثار في حماية الآخر إلى لحن طائفي...لقد قدم هؤلاء من الرئاسة حتى طاقم الوزارة وسائر أركان هذه القوى القومية والدينية نموذجا متخلفا من الأداء وطريقة الحكم لا تبشر بالقدرة على حماية دستور ديمقراطي قادم...!

لقد حاولت هذه القوى تثبيت الشعائر الحسينية في مسودة الدستور العراقي ولا أعرف لحد اللحظة تحت أي مسوغ قانوني أو فقهي جرى ذلك؟ ، هناك تفسير وحيد هو تاطير واستمرار خروج الكتل المخدرة دينيا وجعلها تدور في نفس الحلقة من هذا الوعي كأنه قدر كل عراقي يحب أهل البيت، أو كأن ذالك واجب يجب ان يستمر بصيغته الحالية، ذلك هو ذكاء العمائم بالسيطرة على عقل ومشاعر الناس في حبها لقضايا عادلة ولكنها تُجير لواقع غير عادل، لواقع السيطرة على الناس وجعل تفكيرهم البسيط مأثرة يجب ان يعمق اختزالها في هدف صعب الفهم بالنسبة لشرائح اجتماعية بعيدة عن الثقافة والفكر والقدرة على فضح التوظيف الرخيص من قبل السياسي الذي يؤدلج للأشياء بشكل مدروس...

 يجب توعية الناس دوما بمحاولة هذه القوى إلى اختطاف الدين وتوظيفه بشكل يتعارض تماما مع سائر القيم الدينية التي نعرفها والتي في أغلبها وفي جوهرها تحث على احترام الإنسان كقيمة عليا...!

 المطلوب تغيير تلك الثقافة والعقلية السائدة ومعها تلك الأعراف الهشة في حكم الناس والتلاعب بمصيرهم تلك هي مهمة كبرى أمام القوى الناشئة حديثا المنتمية إلى روح التقدم والمعرفة والأفق الرحب لهذا العالم، عبر السعي والاجتهاد لتفعيل دورها واستخدام كل الوسائل لفضح زيف الآخر...!

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com