|
أقلية وافدة تضطهد أكثرية أصيلة ساهر عريبي
عرفت بلاد مابين النهرين ومنذ أقدم العصور بتسامح أهلها وإحتضانهم للعديد من الأقوام التي هاجرت واستوطنت في هذه الأرض الطيبة التي حباها الله بالخيرات. وكانت أوسع هذه الهجرات هي تلك التي أتت من جهتي الجنوب والشرق. ألا أن الملفت للنظر هو أن الأقوام التي هاجرت من الشرق قد تفاعلت كثيرا مع حضارة بلاد الرافدين، بل وأثرت هذه الحضارة وتركت بصماتها على مختلف ميادين العلم والمعرفة. فكان هناك الخوارزمي وسيبويه وابن سينا وغيرهم من العمالقة الذين ترعرعوا في ظل حضارة ما بين النهرين وابدعوا فيها. إلا أن الطامة الكبرى التي أصابت العراق كانت في هجرة أقوام من الجنوب لم يعرفوا سوى القساوة والبطش التي لازال العراق يعاني منها. فمنذ قدوم الأمويين إلى العراق، ولغة السيف هي السائدة، إذ لم يجد هؤلاء لغة الحوار والفكر بل أنهم أجادوا لغة الدم وأرادوا فرض نمطهم المتحجر بحد السيف. فكل من لا يبايع ألأمير الأموي تضرب عنقه حتى ولو كان الحسين سبط رسول الله (عليهما الصلاة والسلام). فكانت أهم إنجازاتهم وأهم عمالقتهم الحجاج بن يوسف الثقفي وبسر بن أرطأة وعبيد الله بن زياد وغيرهم من الجزارين. ولم تكن معاناة العراقيين مع العباسيين الذين هاجروا الى العراق وحكموه بأقل من معاناتهم مع الأمويين، بل إن حجم الظلم والأبادة والتهجير التي أصابت أبناء العراق قد فاق مافعله الأمويون بمراتب. وكان أسوأ ما فعله بني العباس هو أستقدامهم لأقوام عتاة جلاف من القفقاز لم يكن يجيدوا سوى إستعمال السيف وجرى توطينهم في المنطقة الغربية من العراق، وكانت وظيفتهم هو حماية ملك بني العباس، ألا أنهم سرعان ما استولوا على الملك فكانوا هم الحاكمين الفعليين للعراق ولم يكن الخليفة العباسي سوى دمية بأيديهم. وبقيت هذه الأقلية ولحسابات مذهبية تمسك بزمام الحكم في العراق وحتى يوم التاسع من نيسان من عام 2003. وعلى سبيل المثال لا الحصر فلقد ورد في كتاب فتوح البلدان التأريخي بأن أهل تكريت هم قفقازيون هاجروا اليها واستوطنوا فيها. ولقد دفع العراقيون ثمنا باهضا لهجرة هؤلاء الهمج الرعاع الذين كان يضرب المثل بهم بتخلفهم وهمجيتهم، فكانت أهانة كبرى أن يوصف عراقي بأنه جرمقي أو قفقازي أو ديلمي. ألا أن الفترة الأسوأ التي مرت بتأريخ العراق كانت تحت ظل حكم أبناء العوجة الذين استباحوا الحرث والنسل ولم يسلم من وحشيتهم وهمجيتهم حتى الماء والهواء والتراب. ولقد تنفس العراقيون الصعداء يوم زوال نظامهم المشؤوم وظن العراقيون بأن عهد الظلم والجور قد ولى وألى الأبد. ألا أن موجة جديدة من الهجرة قد لا حت في الأفق, أذ بدأت خفافيش تدعي الأسلام بالنزوح الى أرض العراق زرافاتا ووحدانا قادمة من غرب الفرات وجنوبه ولا هم لها سوى قتل العراقيين وسفك دمائهم، متحالفة مع أبناء عمومتهم أحفاد الحجاج وبسر وغلمان العباسيين. ولازالت هذه الأقلية ترتكب المجازر واحدة تلو الأخرى ولعل مجزرة جسر الأئمة هي أخرها وليس أخيرها. وأما الأكثرية الأصيلة من أبناء العراق من اشوريين وكرد وأبناء الجنوب أحفاد السومريين وأبناء أبراهيم (ع) فمازالوا يعانون من جور وتمادي هؤلاء، وهم يمارسون ضبط النفس عسى أن يرعوي هؤلاء ويكفوا عن أجرامهم. ولكن هيهات هيهات أن تعود نفوس جبلت على القتل وسفك الدماء عن غيها، وهيهات أن يفهم هؤلاء لغة الحوار فهم كالغدة السرطانية التي ينبغي أجتثاثها كي يعيش باقي الجسد بسلام.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |