|
إلى متى سيستمر مسلسل القهر اليومي؟ في تأبين الشهيد الدكتور باسل عباس علاء مهدي منذ أن سقطت بغداد بيد قوات الاحتلال وعمليات القتل اليومي تكاد أن تكون مستمرة بصورة يومية حتى أصبحت جزءً رئيسياً من الأخبار التي تطل علينا عبر محطات التلفزة والمذياع وبقية وسائل الإعلام. ونكاد نفتقدها أن خلت منها النشرات الأخبارية. والغريب أننا معشر العراقيين في المغتربات رغم اعتيادنا على هذه الأنباء فإننا أصبحنا نسمعها وكأنها تحصيل حاصل لما يدعى بأنه تحرير للعراق رغم أن الكثير من الأنباء تحمل أعداداً تتجاوز العشرات في كل يوم. أن عدم القدرة على تحليل الحدث الداخلي من خلال الاعتماد على البيانات التي تصدرها قوات الاحتلال أو الجهات الرسمية أو دوائر ومؤسسات الإعلام أو منظمات الإرهاب المنظم يعني فيما يعنيه أننا لم نعد قادرين على التمييز بين هؤلاء الشهداء أو القتلى أو الضحايا على أساس الانتماء السياسي أو العرقي أو – الإرهابي – وكأننا قد فقدنا قدرتنا على تحسس الهم الإنساني وما يحمل من مفاهيم الحزن واللوعة والحسرة والألم على فقدان الوطن لأبنائه أيا كانوا. قد نكون على اختلاف في تحديد نوعية وماهية الحدث الذي ألم بالعراق والعراقيين أن كان تحريراً أو احتلالاً لكننا بالتأكيد لا نختلف على أن الحدث قد أدى المهمة التي كنا نحلم بحدوثها وهي التخلص من الديكتاتور الذي جثم على صدورنا لسنوات طويلة لم يتذوق مرارتها سوى العراقيين أنفسهم. ولسنا هنا بموضع التعرض لأنواع وتفاصيل جرائم البعث وقادته فقد علم العالم كله بما كان يحدث لنا سراً وعلناً من جرائم فاقت في قسوتها كل جرائم الأنظمة الديكتاتورية التي مورست ضد العديد من شعوب العالم في القرن الماضي. أن تشابك الأحداث وتنوعها السياسي والعقائدي والإرهابي قد ولَّدَتْ حالة غريبة من الشعور باللامبالاة لما يحدث من قتل ودمار في عراق اليوم . فخبر مفاده أن أكثر من مائة قد قتلوا وأن عشرات الأطفال قد ذبحوا وأن ألفاً من الناس قد غرقوا وأن أكثر من مائتين من الأطباء قد اغتيلوا وأن . . وأن . . قد يكون له تأثيرٌ أليم قوامه يوم أو أثنان أو أكثر يعقبه خبر آخر له تأثير مشابه وهكذا. . أقول ذلك ، لأنني أشعر باليأس من الحالة الدامية الحالية التي أصبح فيها العراقي هدفاً سهلاً للقتل والذبح والتصفية سواء عن طريق الإرهاب المنظم أو طلقات قوات الاحتلال العشوائية وكلاهما غريبان عن العراق. فالإجرام الإرهابي المنظم يمارس عملياته القذرة والقبيحة بكل حرية حتى أننا معشر العراقيين لم يعد بمقدورنا التفرقة فيما إذا كان النظام السابق قد تم القضاء عليه فعلاً أم لا؟ أن الحالة الآنية تؤكد أن ممارسات نظام البعث السابق لا زالت مستمرة مع الاختلاف بأنها ممارسات علنية بعدما كانت تتم في أقبية وسراديب أجهزة الأمن والمخابرات والمخابئ السرية. فالقتل نفسه ، والذبح نفسه ، والتعذيب نفسه ، والخطف نفسه ، والاغتصاب نفسه . . وإذا كانت كل هذه الممارسات تنفذ سابقاً من قبل أجهزة الدولة فأنها الآن تنفذ عن طريق مكاتب للتأجير من أجل القتل تكاد أن تكون علنية . . . أن عدم قدرة السلطات الحكومية والأمنية الحديثة التشكيل والتدريب على مقارعة أجهزة النظام المنحل والتي أحسن تدريبها في حينه قد ولَّد الحاجة الملحة إلى بقاء قوات الاحتلال في العراق لفترة قد يصعب التكهن بنهايتها وهذا يعني فيما يعني المزيد من الخسائر البشرية التي هي عرضة للقتل والتشريد اليومي ناهيكم عن فقدان توفر بقية مستلزمات الحياة الطبيعية الأخرى التي يحرص الإرهابيون من أزلام البعث على استمرارية تعطيلها خدمة لمصالحهم واستمرارية أعمالهم الإجرامية. من جانب آخر فإن قوات الاحتلال وخاصة الأمريكية بدأت ومنذ مدة ليست بالقصيرة بممارسة القتل العمد لكل من لا يمتثل لأوامرها بالتوقف في نقاط التفتيش وغيرها من القواعد والمراكز العسكرية دون التحقق او التأكد من سبب عدم الامتثال لهم. لقد راح ضحية هذه الممارسات الكثير من أبناء الشعب العراقي غدراً وظلماً مما أضاف عبئاً نفسياً على العوائل العراقية التي ما زالت تنوء بآلام الماضي المزري وتبعاته ناهيكم عما تمثله هذه الخسائر البشرية من عوامل قد تأتي بما لا تشتهيه السفينة الأمريكية التي أبحرت للعراق حاملة معها مبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة. أن بقاء قوات الاحتلال في العراق هو بداعي حماية المواطنين العراقيين والشعب العراقي وهم هناك من أجل إعادة بناء الدولة على طريقتهم – الحديثة – وتوفير مستلزمات الحياة الحرة الكريمة لا أن تقوم قواتهم باصطياد العراقيين يومياً تخوفاً من احتمال أن يكونوا إرهابيين ! أليس بمقدورهم مثلاً أن يصيبوا عجلة السيارة أو أطلاق الرصاص في الهواء كإنذار من أجل التوقف أم يا ترى أنهم في رحلة صيد بشرية أو مهمة تدريب عسكرية أهدافها البشر الأبرياء؟ أنها رعونة تستحق أن تحال لعدالة المحاكم العراقية سواء كان تنفيذها يتم بتصرفات شخصية أو وفق تعليمات عسكرية . . لقد آن الأوان لتقوم حكومة العراق باتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بحماية أرواح العراقيين من عمليات القتل والتصفية مهما تطلب الأمر من تضحيات. والأهم أن تتولى السلطات الأمنية العراقية – إفهام – قوات الاحتلال أن عمليات القتل العشوائي للمواطنين العراقيين هو عمل إجرامي يعاقب عليه القانون العراقي. أن العراق الذي خسر الملايين من أبناء شعبه عبر جرائم البعث طوال أكثر من ثلاثين عاماً لم يعد بمقدوره أن يتحمل المزيد من التضحيات. فالعراق الجديد بحاجة إلى طاقات وخبرات أبنائه من أجل البناء الجديد والمستقبل السعيد المرتقب. خسارة فادحة أصابت العراق جراء طلقات عشوائية لجندي مرتعب أدت إلى استشهاد الدكتور باسل عباس حسن جمعة ، الطبيب الجراح الذي يعتبر أحد أشهر أطباء القلب العراقيين في وقتنا الحالي. بموته لم نخسر مواطناً عراقياً متميزاً فقط بل خسرنا طاقة وخبرة ليس من السهل تعويضها لأمد طويل.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |