دروس وعبر في ذكرى ولادة الأئمة عليهم السلام

المهندس صارم الفيلي

ماجستير هندسة توليد طاقة
 sarimrs@hotmail.com

sarimrs@tele2.com

هذا هو بداية شهر شعبان حيث نلتقي فيه بولادة الأمام الحسين والعباس والسجادسلام اللة عليهم اجمعين . فولادة الحسين منطلقا للفرح , فهذه في بداية الحياة عانقت الشهادة في نهايتها , وبينهما كانت الرسالة ترتفع وتسمو وتتحرك , وتنفتح احساسا ووعيا ولو على مستوى المستقبل . كانت تحتاج وقتا لتجعل العقل رساليا , والفكر ايمانا يتحرك به القلب في دائرة الواقع لتنطلق عندها الطاقات كلها .وعندما نعيش ذكرى مولد الإمام الحسين (ع), فأننا نفرح به, في الوقت الذي نعيش الحزن الكبير عليه كما كان حينها رسول اللة (ص) . في هذا اليوم لانستطيع الا ان نتحسس الآلام العميقة , والجراح النازفة , دون ان نرضى للآلآم ان تصرخ , ودون ان نسمح للجراح ان تبكي , بل نحاول ان نبتسم , او نعلمها ان تبتسما , في فرح المولد , وفرح الرسالة وهي تتقدم بالرغم من كل الأشواك والآلام . وفرحنا بالحسين(ع) هو الفرح بالرسالة التي حملها وعاش كل حياته من أجلها , وقد تحرك بطلب الأصلاح في أمة جده(ص) ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, بالكلمة الطيبة , وبالموقف الصلب, وبالجهاد الصعب. عندما نتمثل الحسين (ع), فأننا نتمثل فيه رسول الله (ص) في كل أخلاقه وصفاته التي تمثلت في شخصيته, كان الحسين (ع) تجسيداً لجده رسول الله (ص) في روحانيته وعلمه وخلقه, وفي كل الصفات المميزة, وكان تجسيداً لعلي (ع) في شجاعته وبطولته واقدامه وجرأته وصلابته في الحق , كما كان تجسيداً لطهر الزهراء (ع) وصفائها ونقائها وروحانيتها. عندما نتذكر الأمام الحسين (ع), فأننا نتذكره بما يغني حياتنا الآن في كلِ قضاياها وأوضاعها, لأن حركة الأمام الحسين (ع) لم تكن مجرد حركة ترتبط بالمأساة لنغسلها بالدموع فقط , رغم أهمية العاطفة والشعائر تعبويا وتاريخيا وشرعيا, ولكنها حركة ترتبط بالخطِ الأسلامي الأصيل الذي حمل الأمام الحسين (ع) أمانته في معنى أمامته, لأن الأمامة تمثل الامتداد الرسالي لحماية المسيرة الأسلامية من أي انحراف يمكن أن يحدث فيها, على مستوى النظرية وعلى مستوى التطبيق, ولذلك كانت حركة الأمامة حركة من أجل مراقبة المسيرة الأسلامية في الواقع.هذا ما نتمثله في خطاب الأمام الحسين (ع), في مراقبتهللواقع المنحرف , بعدما أراد بنو أمية أن ينحرفوا بالأسلام عن أصالته وخطه المستقيم, ليحولوا "الخلافة" الى ملك , وليحولوا الملك إلى مصادرة لحرية الأنسان وارادته , ولكل موارده وثرواته, وهو يصف حكم يزيد, يقول: "اتخذوا مال الله دولا، أي يتداولونه ويعبثون به ويتقاسمونه ويصرفونه في حاجاتهم الشخصية , ومعنى أن يكون المال مال الله أنه مال الأمة, انه مال الدولة . يجب ان تتمثل سيرته عمليا في ذواتنا , لتترجم "لا والله لا أعطيكم بيدي أعطاء الذليل" "ولا نقر لكم أقرار العبيد" و "هيهات منا الذلة" الى شعار سياسي وأنساني يمكن أن نوجهه في حركة الواقع وليس أن نطلقه بالكلمة, بل أن نعيشه في أنفسنا, وذلك بأن نكون غير مستعدين للتنازل عن حقوقنا ومبادئنا, وان تتمثل رسالته في دواخلنا لمعاني الحرية والعزة . الحر لا يمكن أن يمنح الذين يريدون أن يستعبدوا موقفه أو دوره أو حركته الفرصة في ذلك, لأن الحرية ليست حالة طارئة في الأحرار, ولكنها معنى أسانيتهم.وعندما يكون الحر أماماً، فأن الأمامة تمثل كل امتدادات الحرية في العقل والقلب وفيالحياة, وهكذا كان الحسين(ع) يؤكد كلمة أبيه الثورية في الحرية: "لا تكن عبدا لغيرك وقد جعلك الله حراً"، وكان يؤكد قبل ذلك كلمة الله الذي عاش جده وأبوه وأخوه وأمه وأولاده معه ومن بعده من اجلها، وذلك في قوله تعالى: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} لا بد أن نولد في ذكرى الأمام الحسين (ع) حركيا وثوريا وأسلاميا, لأن ولادة الأمام الحسين (ع) في أحضان علي وفاطمة (عليها السلام), وفي أشراف رسول الله(ص), كانت تشير الى مستقبل الحسين (ع) في مواجهته للظلم والظالمين, وفي اخلاصه للخط الأسلامي الأصيل, ومن ذلك قال رسول الله (ص) وهو شير ألى هذا الارتباط العضوي بينه وبين الأمام الحسين (ع) و لا ارتباط النسب فحسب , بل ارتباط الرسالة أيضاً: "حسين مني وأنا من حسين", لأن الرسالة واحدة والهدف واحد , وهو أن يقوم الناس بالقسط , وان تكون وصاياه وتوجيهاته(ع) أخلاقا
نتخلق بها " واعلموا أن حوائج الناس أليكم من نعم الله عليكم " لأنك عندما تعطي تسمو بنفسك وترتفع بروحك . والله سبحانه وتعالى يقول: {ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون}، فلا تملوا النعم فتحور نقماً , لأن عليك أذا أعطاك الله أن تقدم مما أعطاك, لأنك لو لم تعط فأنت سارق , والله تعالى يقول: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} .
وبعدها بيوم نلتقي بذكرى ولادة بطل كربلاء, بطل بني هاشم, العباس بن علي (ع), هذا البطل الأسلامي الكبير ذو الشجاعة نادرة النوع , التي أعطت معنى للوجود الأنساني , بأن الحياة ليست مقدسة لذاتها , وانما بألأهداف المبتغاة منها , تلك التي تعطي للحياة قيمتها في ظل العدل . لقدكانت ولادته (ع) محل فرح وحزن ايضا للأمام علي(ع) . عاش العباس الصراع ضد الجاهلية التي تجسدت حينها بذلك الهيجان الغريزي لأراقة الدماء الزكية " كما هو عند أحفاد القوم اليوم " , عاش (ع) ببصيرته النافذة ناصحا , بوعي وثبات على العقيدة , كما عاش الموقعة بعدم رضوخ , وعدم استسلام . منطلقا من صلب الأيمان الذي لم تضعفه أو تزلزله كل أغراءات الدنيا وأرهاباتها. وكيف لا يكون كذلك, وهو الذي عاش مع أبيه علي (ع) في طفولته وأول شبابه, وعاش مع أخويه الحسنين (ع) كل أجواء العلم والروحانية والسداد, وما يفتح عقول الناس على الحق, وقلوبهم على المحبة, وحياتهم على الخير.
بعد واقعة الطف , قام الأئمة (ع) بعملين في خط متواز احدهما: ارجاع الفرد المسلم الى الخط الاسلامي الصحيح.
ثانيهما: بيان ما اصاب الاسلام من تحريف سواء في ما وضع من حديث على لسان رسول الله وفي ما وضع من افتراء وكذب عن سيرة رسول الله. وفي بيان تزييف ما اتخذ من آراء فقهية باسم الاجتهاد وفي بيان ما حان وقت تبليغه من الاحكام الاسلامية للمسلمين والتي لم يكن قد حان وقت تبليغها في عصر رسول الله (ص), وفي تربية من التف حولهم على تدوين كل ذلك في رسالات أي تدوين ما حان وقت تبليغه, وتدوين الحكم الاسلامي الصحيح في مقابل المحرف من الاحكام الاسلامية سواء أكان التحريف بأسم الاجتهاد بوضع حديث على لسان الرسول: تدوين الحكم الصحيح وبيان ان هذه الرواية وضعت على عهد رسول الله, والصحيح هذا، وتربية جماعة من خريجي مدرستهم على التدوين. هذا النوع من التبليغ انتهى في عصر الغيبة الصغرى. وهذا ما بدأ به ألأمام زين العابدين (ع) , فدعائه مدرسة , ولكن مشكلتنا كمن يدخل المدرسة ليحفظ الدروس بذاكرته لا بعقله وقلبه وروحه , ولذلك ترى الكثيرين ممن نجحوا في امتحان المدرسة أو الجامعة وغيرها , دون ان نرى نجاحهم في ثقافة ما أمتحنوا فيه , فيبقى هؤلاء في دائرة مايمكن ان نصطلحه بالأمية الثقافية و رغم ما معهم من شهادات في المجالات المختلفة , وخاصة فيما يخص الأجتماع وعالم الأنسان . ومن هنا نقول ان دعاء السجاد (ع) يحتاج لمن يعيشه بتدبر ويتحرك خلاله , لا الترديد المجرد عن كل ذلك . ان نعيش المعنى الروحي والبعد الأخلاقي والأجتماعي وكل مايربطنا بالناس من حولنا . ان نعيش الروح الرضية التي لا تهلع ولا تجزع , الأطئمئنان الروحي الذي يتحول الى أطمئنان عملي بالنتائج الأيجابية من خلال الموقف القوي الهادئ الواثق باللة سبحانه وتعالى .
هذه الأيام دعوة لنا كي نقف , وليقل كل واحد منا , في ساحة المعركة الثقافية والسياسية , وفي ساحة التصدي للأرهاب لنكون كلنا حركة في خط الأسلام الأصيل , أن نكون مع الأئمة (ع) أهل بيت النبوة .(إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. مع خطهم الحضاري الذي يؤصل مفاهيم الأسلام , لنكون فعلا من جماهير أهل البيت (ع) وشيعتهم بأن نتحلى ببصيرة ثاقبة لحالنا , والىضرورة التآلف كي نمنع الآخرين من الأستقواء علينا بدون حق وكان علي (ع)دائما يصف الأحوال " الأحوال مضطربة " يشير الى عدم استقرار الأوضاع الأمنية والأقتصادية " الأيدي مختلفة" ليحذرنا من خطورة ان يتحرك كل منا بأتجاه يختلف عن الأخر ليضعفه ويضعف نفسة . وكان (ع) يمقت الكثرة ان افترقت حينها لاتكون كثرة فاعلة " الكثرة متفرقة" لأنها أي الكثرة تشكل قوة عندما تنضم جهود الأفراد الى بعضها البعض، أما أذا كان كل عدد يتحرك وحده،فأنةلايمثل قوةً تذكر .


 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com