|
خطوة اردنية شجاعة
علي الشلاه كاتب واكاديمي عراقي مدير عام المركز الثقافي العربي السويسري
يبدو ان المبادرة التاريخية للعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بارسال رئيس وزرائه الدكتور عدنان بدران الى بغداد ليكون اول مسؤول عربي رفيع تكتحل عيناه بمرأى عاصمة الرشيد منذ سقوط الدكتاتورية، قد شكلت نقطة تحول في مسار العلاقات العراقية العربية، ففي حين يتعالى الجرح العراقي استغاثة مما يقوم به الارهاب التكفيري الصدامي وتنطلق كلمات التساؤل العراقية المحقة من المسؤولين والمواطنين البسطاء على حد سواء، وهي تستفهم عن هذا الغياب العربي الواضح عن مد يد التآزر الاخوي مع العراقيين وهم ركن اساس في المنظومة القيمية والحضارية والتاريخية العربية والاسلامية . والذي زاد الأمر سوءً ان العراقيين يجدون في بعض العواصم العربية تمجيداً لقتلتهم ومديحاً للطاغية الذي جر الخراب على العراق والعرب والمسلمين وحرر فلسطين بغزو الكويت ودعم العمل العربي المشترك بتأييد المشاريع الانفصالية الطائفية في لبنان وعبرعن انتماء حقيقي للاسلام عندما تحالف مع الصرب ضد المسلمين في يوغسلافيا السابقة . لقد تعذر الاشقاء العرب بالاحتلال ونأوا بأنفسهم عن اخوانهم العراقيين بحجة عدم تأييده، علماً أن العراقيين لم يطلبوا منهم تأييد الاحتلال اذ انهم انفسهم لايأيدونه، لكن ان يتصرف العرب وكأن كل العراقيين عملاء لأن بلدهم محتل فذلك مرفوض مطلقاً، و يعني كارثة اخلاقية بكل المقاييس، وهو يعني أيضاً ان كل الفلسطينيين عملاء بل هم وفق هذا الفهم العربي الساذج أكثر عمالة لأن بلادهم محتلة منذ أمد بعيد وليس قبل عدة شهور قابلة للزوال قريباً كما في حالة العراق، ثم هل استعد العرب لتحرير العراق من نظام المقابر الجماعية والأسلحة الكيمياوية ومنعهم العراقيون من ذلك ؟ وهل سأل الأمريكان الشعب العراقي عن رأيه في احتلال بلاده وأيد الشعب ذلك ؟ ان الفرح بسقوط الاحتلال الصدامي للعراق ليس فرحاً بحلول الاحتلال الأمريكي، والعراقيون لهم اجندتهم الخاصة وهم مصممون على اخراج الاحتلال قريباً بعد ان يقضوا على الارهاب الذي يهدد العراق والعرب والعالم كله بسوية واحدة، والعراقيون بوقفتهم الشجاعة ضد الارهاب يدافعون عن كل بيت وطفل وامرأة وشيخ في كل بقاع الوطن العربي والعالم يهدده الارهابيون التكفيريون، ولن يسمحوا للعراق بان يتحول الى حاضنة مفرخة للارهاب كما حصل بافغانستان التي طار الارهاب منها الى بلدان عربية عديدة ومازالت مأساة الذابحين في الجزائر ماثلة للعيان، وعلى كل فرد في امة العرب والمسلمين وهو يرى المقاومة العراقية الباسلة المتمثلة بقوات الجيش والشرطة العراقية وهي تستشهد دفاعاً عن اطفال بغداد ان يتذكر بأنهم يقومون بذلك دفاعاً عن اطفاله هو أيضاً وحتى لايصل الزرقاويون والحمراويون والصفر الى بيته وينتهكوا عرضه. ان مقاومة الاحتلال – ايها الأشقاء العرب – هي تلك التي تعجل بزواله لاتلك التي تمنحه مبررات اضافية للبقاء من خلال تحويل العراق الى برك من الدماء واكوام من اللحم البشري، لأن العراق ليس الأحجار والممتلكات فقط، بل هو قبل ذلك وبعده هذا الشعب الرائع الشهم الذي تضافرت كل الكوارث عليه باسماء شتى بعضها طاهر ومقدس مثل الاسلام والعروبة، لكنه ولأنه شعب طاهر ومقدس لم يكفر باسلامه ولا بعروبته، وبقي صابراً ومصراً على الحياة كما لم يفعل أي شعب آخر في الأرض، ان الحياة تتواصل في العراق بعد كل جريمة باصرار اعلى، لأننا ندرك ان كل جريمة تمر وكل يوم ينقضي يقربنا من الخلاص الذي سيكون خلاصاً لكل الشعوب الشقيقة والصديقة . ان وصول الوفود العربية الى بغداد رسالة اخوة ينبغي ارسالها باستمرار وعلى اعلى المستويات لتتضافر مع جهود تضامن رائع بذلها الأشقاء الاماراتيون والكويتيون والبحرينيون، كما كانت شهادة السفير المصري والدبلوماسيين الجزائريين مشاركة اخوية عميقة في بلسمة الجرح العراقي . ان بغداد بحاجة الى ان ترى سفراء عرباً يثبتون لها براءة الاخوة من دم يوسف وهي تفتح ذراعيها لهم متعالية على الجراحات الطويلة والعميقة، لأنها تؤمن باننا جميعاً لانستطيع تغيير التاريخ ولا الجغرافيا وان أردنا ذلك فكيف اذا لم نرد ؟ حمى الله العراقيين والعرب وكل بني البشرمن الارهاب ومن الاحتلالات كلها، واهلاً بالدكتور بدران في بغداد التي وصلها رسول اهلها أخيراً .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |