حكومة القصور وتهميش السطور

د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 يبدوا أن المشاكل بين قادة الحكومة بدئت تظهر جليا يوما بعد يوم. فبعد أن أنتهوا من تقسيم الحصص الدستورية والمناصب الحكومية والحقائب الوزارية السيادية ونجحوا بإقتسام المناصب الأدارية والتشريعية والقضائية في المدن والمحافضات العراقية بشكل ينسجم مع رغباتهم. بات المواطن لايحصل على التعيين إلا لمن يتنمي لهذا الحزب الحاكم أو تلك الكتلة القوية. ولم تقف أمنياتهم عند هذا الحد، بل راحوا يقتسموا الحقائب الأعلامية في القنوات الفضائية والصحف التابعة للحكومة. فقد نشر يوم الخميس، نقلا عن صحيفة الرافدين الأليكترونية، الخبر التالي:  أفادت مصادر حكومية مطلعة أن قوة أمنية تابعة لرئيس الوزراء قامت امس الخميس بمحاصرة مبنى جريدة "الصباح" الرسمية، ثم اقتحمت المبنى وأخرجت بالقوة رئيس تحريرها محمد عبد الجبار الشبوط، الذي أعيد إلى منصبه بأمر من الرئيس الطالباني، وأجلست بدلا عنه جمعة الحلفي الذي سبق أن عينه الجعفري في هذا المنصب.

 هذا الاقتحام هو نموذج واضح لشكل فهم قادة الحكم للممارسة الديمقراطية ومجتمع الدستور الدائم والحياة السلمية الامنة التي تتحكم فيه وتحمية أشكال مختلفة مسلحة تابعة لهذا الحزب أو ذاك التنظيم. إذ تجوب هذه القوى المسلحة، بعيد سقوط الصنم ولغاية اليوم، العاصمة بغداد وكل المدن العراقية وتفرض سيطرتها القمعية بلغة السلاح وبعيدا عن دولة القانون وبالوقت الذي يطالبون المواطن بالتحلي بالممارسة الديمقراطية.  كما لم يكتف القادة الجدد بالأمر الادراي لتعين هذا الاعلامي أو ذاك المدير العام لهيئة الأعلام بشكل شخصي بل بات القوة العسكرية والاقتحام الغير ديمقراطي هو الذي ينفذ القرار في دولة طامحة للسلم الأهلي. ولم يكتف  لحد الأحتراب السياسي وبل قد قاب قوسين او أدنى من المواجهة المسلحة وباتت الأصطدام وشيكا بين الميلشيات الغير قانونية لولا تدخل الأشقاء من القوات المتعددة الجنسية( جازاهم الله خيرا) لحل المشكلة وإلا لكان الدم قد وصل لفوق الركبة مثلما يقول المثل.

  أن هذه الحادثة تعكس نفس المشهد اللبناني في الحرب الاهلية. إذ كانت القوات المتعددة الجنسية، هي الراعي الامني للبلد، بينما واقع الحال، كانت الميليشات المسلحة الحزبية والطائفية هي التي تحكم السيطرة على زمام الأمن في كل مدن وشوارع لبنان،  كل حسب قوته العسكرية والحزبية. وكانت بيروت وبقية المدن الكبيرة مقسمة أمنيا  بين الأحزاب والطوائف. أما السلطة فكان لها حكمها الشكلي على كل المؤسسات الحكومية والسلطات الثلاث لكن الشارع  وأمن المواطن مناط حمايته بهذا الحزب وتلك الحركة. فكانت هناك مناطق أمنة تماما وأخرى ساخنة وملتهبة. وقد ولد أحتراب وأقتال دام أكثر من ربع قرن لكنهم عادوا من حيث أبتدوا وجلسوا لحل المشاكل سلميا وتحت رعاية القوات المتعددة الجنسية. لكن السلاح لم ينزع تماما من المليشات اللبنانية لغاية اليوم.

 واليوم يشهد العراق تقريبا نفس السيناريو السياسي لكن المشاهد تتخللها نفس ديمقراطي وشرعية إنتخابية وأنفلات أمني وتحت نفس الرعاية الأجنبية.  فهناك مدن عراقية تشهد أستقرار أمني نسبي وبالمقابل هناك مدن ساخنة ومتفجرة بأستمرار. وتجوب الميلشيات المسلحة المدن العراقية لتنتهك الحرية المدنية بصفاقة أمام مرأى القوات المتعددة الجنسية.

  نعود لهذا الأقتحام المسلح الذي يعكس الخلافات بين قادة الحكومة للسيطرة والسطوة على كل مراكز وعصب الحياة المادية والمعنوية في العراق. هذه السطوة الديمقراطية قائمة على أقتسام ومحاصصة لثروات العراق وخيراته ووزراته وكل مرافق الدولة بعيدا عن المفاهيم الوطنية. هذا العرس الديمقراطي الحكومي، هو أشبه * بعرس واويه*  فالقوي ينهش الضعيف والمتسلط الفاشل يتبوء مكان  المقتدر الكفؤء والحزبي الحاكم يلوح بعصاه الغليظة ضد كل من يحاول ان يخرج عن طوعه والغني يهمش الفقير ويزيده بؤسا والمواطن منتهك الأمن والكرامة من أكثر من قوة والوطن يبكي جريحا مستلب الحقوق.  فكل واحد يحاول أن يستحوذ على أكبر عدد ممكن من الغنائم لحين انتهاء مدة حكمه مطبقين مبدء *وليأتي من بعدي الطوفان*.

 لم يكتفِ القادة الجدد في الاستحواذ على كل ثروات العراق بل راحوا يتنازعوا على القصور الرئاسية التي هجرها الصنم قبيل سقوط بغداد. وبات الكل يعرف أن هذه  القصور صممت من خيرات الوطن وكفاءات وأمكانات الدولة لتحقيق هدف الصنم ورغباته الشبقية في تشكيل أمبراطورية من القصور الرئاسية الفريدة من نوعها في القرن العشرين. تلك الأمبراطورية التي شيدت مؤسسة القصور الرئاسية والتي تعتبر أضخم امبراطورية شهدها القرن العشرين. لقد كانت من أجمل القصور التي توزعت في بغداد وباقي المدن العراقية وأمتازت تلك القصور بأحدث أشكال البناء وأغرب التصاميم المعمارية في العالم وأبهر العجائب في علم البناء التي لم ينعم بها أمبرطور أو صنم من قبله في القرن المنصرم.

 لكن هذه القصورالرئاسية يفترض أن تبقى ضمن ممتلكات الدولة. ويتم تنظيم الحفاظ عليها وترميمها وتصليحها وإبقائها بكامل جهازيتها وأطلالتها المذهلة لتكون شاهدا تأريخيا على إستهتارالنظام البائد وعائلته بخيرات العراق. كان من الأجدى أن تعتني مديرة الأثار والمتاحف أو دائرة الأوقاف أو حتى  مديرية السياحة بتلك القصور لتحولهم الى أطلال سياحية يأمها العراقيون والأجانب في المستقبل ليشهدوا على أنانية الصنم وعائلته في البذخ والمتعه بالوقت الذي كان الشعب العراقي يتضرع جوعا ويموت الألأف من الأطفال يوميا نتيجة نقص المواد الغذائية والطبية ومواد اللقاح كما يموت المئات من العراقيين بالأمراض السرطانية والأورام الخبيثة التي لم يعرفها العراقيون من قبل.

 لقد زخر العراق على مر عصوره  بقصورا وشواهد وأطلال لحكام وملوك ورؤساء العراق الذين توالوا على حكم العراق منذ ألأف السنين، بغض النظر عن سياساتهم. أن هذه القصور هي جزء من تأريخ العراق بكل سلبياته وهي جزء من ممتلكات الوطن ولايحق لأي من يصل الى سدة الحكم أن يتصرف أو يعبث بها كمتلاكات شخصية أو يستخدمها بشكل شخصي. أنها ممتلكات الحق العام في دولة القانون.

 لكن، وللاسف الشديد،  وبمجرد سقوط الصنم، أستحوذ قسم من  قادة الأحزاب العراقية والقوات المتعددة الجنسية على القصور الرئاسية وقصور عائلته وأعوانه، وحولتها الى قصور شخصية يمتعون فيها أنفسهم ويطفأون رغباتهم في العيش بثراء الملك العام. واليوم يختلف الرئيس مع رئيس وزراءه على أولية السكن في قصر الصنم السابق.

 عفوا ايها القادة الوطنيون الجدد!! لايحق لكم أن تتصرفوا بهذه القصور وتتقاسموها كغنائم حرب وتوزع حسب القوة الأنتخابية. أنها ممتلكات تابعة للوطن المحتضر بين أنفاسكم ورغباتكم وعليكم أن تحتكموا الى قانون أدارة الدولة لحين تثبيت الدستور الدائم.

 

 

 


 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com