كلما حدثت ظاهرة طبيعية في مكان ما من العالم تنبري ثلة معروفة بعينها ممن تسلطوا على عقولنا وحياتنا ,لاستثمار هذه الظواهر وتحويلها إلى مشاريع رابحة لتكريس ثقافة التجهيل والاستخفاف والاستيلاء على عقول العامة والدهماء من الناس ,وتجيير أية ظاهرة طبيعية موجودة منذ ملايين السنوات إلى حساب الإرهاب المزدهروالمتسلط , ,واعتبارها حسابا وعقابا ينزله الله بالعباد, وإنها إنذار إلهي للبشر والناس بسبب زيادة الكفر والفجور والفسق والسفور والإباحية والإلحاد.ولكن يجب ألا ينسى هؤلاء أن هزة أرضية قد وقعت منذ أمد قريب جدا في مكان يضم أعظم المقدسات,وكان ذلك محور نقاشات ,وحوارات ,وندوات ,أرجو أن يكون قد تابعها هؤلاء البلغاء.في حين تحدث بعض "الخبثاء" عن كسوفات وخسوفات وزلازل سياسية هنا وهناك ,والله أعلم على كل حال.
فقد هرعت اليافعة الرائعة لتقول لي بابا ..بابا ستقوم القيامة اليوم ,وهي في حالة من الذعر,والفزع الشديد المشحون بالدهشة وتساؤل براءة الطفولة الجامحة التي استوطنها الجهلاء تماما كما يزرع شارون وطغمته الضفة الغربية والجولان بالمستوطنات ,والفرق بين الحالتين أن مستوطنات العقل وأساطيره متجذرة, وباقية على مر الأيام ,فيما احتمال زوال مستوطنات شارون قائم تماما كما حصل بالأمس القريب ,عندما تم تفكيكها في القطاع .وهذا هو السرطان القاتل بعينه الذي لا يعني الزوال, ولا براء منه ولا شفاء.فقلت في نفسي بألم وحسرة وابتسامة غامضة مثل ابتسامة الجوكوندا "ماغيرها"مع فارق الشوارب الغلاظ,هل أرسل أنا أبنائي إلى مدارس لتلقي العلم وتنمية العقول أم إلى صالات للسينما تعرض أفلاما للرعب وقصص الأشباح والجان,ومسارح لكل أنواع الإرهاب؟ ومن الذي أخبرك بهذا الكلام يا حلوتي الصغيرة ,ومتى سيحصل هذا الشيء إنشاء الله ,و"من فمك لأبواب السماء",لأن القيامة فعلا أصبحت أرحم من البقاء في مستنقعات لانهاية لها من الجهل,والتردي, والانحطاط ؟أفلا تذكرين أنه ,ومنذ حوالي السنوات الخمس حين حصل كسوف للشمس ,وروج الجهلة والتجار لمختلف الأقاويل والشائعات عنه,ولم يحصل شيء من هذا القبيل,ومرت الظاهرة الطبيعية مرور الكرام,ولكن المرض والداء العضال هو في مختلف الظواهر السياسية والعقلية المزمنة التي ترفض الزوال والانحسار. وإذا كان رسول الله (ص)قد نفى علمه بهذا الأمر(موضوع الساعة), فهل بلغ هؤلاء الأمّيون من العلم والتبصر مستوى أعلى مما أعطاه الله لحبيبه المصطفى, واستغفر الله على كل حال؟وإذا صار بمقدور أي موظف عادي في مركز للأبحاث الفلكية والأرصاد أن يعرف وبدقة متناهية مثيرة للدهشة متى سيحصل الكسوف ,والخسوف ,والإعصار,ويحدد مكانه بالضبط ,وسرعته ,ومدته ,ويخبرنا عن درجات الحرارة ومتى ستهطل الأمطار ,وبدون صلوات للاستسقاء,فأين السر,والحكمة,والإعجاز ,والبرهان في ذلك؟
ففي البلاد التي يتحكم فيها الجهلة وقراء الأكف,ومفسرو الأحلام,وكاتبو الأبراج ,وضاربو الودع و"المندل" بعقول العباد يتدنى فيها مستوى العقل والفهم والتحليل والحياة بشكل عام إلى مستويات سفلى ومخجلة,وكل شيء فيها يرتبط بالأوهام والتفاسير الغيبية البعيدة عن الواقع ,وهذا ليس عبثيا أو اعتباطيا أو صدفة ,ولكنه أمر مقصود تماما لأنه عندما يصبح التفكير سويا ,والتحليل سليما ,والاستقراء منطقيا ,والفكر علميا,فهذا سيعني حتما زوال وانقشاع تلك الظلال السوداء التي تخيم وتتحكم بالمشهد العام ,وينعدم مبرر وجود تلك المؤسسات وهياكلها المترهلة ورموزها الأبدية والقائمة على زرع الجهل وبث الغباء والأوهام ورد كل الظواهر الطبيعية والإنسانية والسياسية وحتى الاقتصادية إلى قوى خفية غيبية خارقة وغير ملموسة,وبعيدة كليا عن العلم والمنطق.فمثلا إذا تم اكتشاف ثروة طبيعية في باطن الأرض من قبل الأمريكان فذلك بسبب بركات السماء,وصلوات المؤمنين والدعوات, ورضاها على الشعب ,والعهد المبارك وقيادته الحكيمة المؤمنة بالله .وللعلم اليقين فإن نفس الثروة كانت ,ولا تزال موجودة في باطن الأرض منذ العهود الوثنية وعبادة الحجارة والأصنام ,ولولا فضل "الأبالسة الكفار" لبقي الناس في ظلام دامس يقبعون,وفي سعير الصحراء يتلظون.
ويستطيع العلم الآن أن يخبرنا متى ,وأين ,وكيف سيحدث هذا الكسوف ,وذاك البركان,وتلك الأعاصير والظواهر الطبيعية المختلفة,وهذا ما كنا عاجزين عنه لولا الاختراعات الحديثة وعلوم الفلك والرياضيات وعقل الإنسان الجبار ,وليس بسبب فضل وتعاويذ ,وتمائم ,وطلاسم ثقافة "الفصحاء". وقد استطاع اينشتاين ومن خلال حسابات فيزيائية ورياضية معقدة أن يحدد بالثانية متى سيحدث ارتطام هذا الكوكب بذاك في أبعد المجرات.وإلى الآن ,وبرغم التقدم العلمي الهائل هناك برامج تلفزيونية ترعاها وتنفق عليها حكومات,ووزارات إعلام هذه الدول المغلوبة على أمرها والتي يعشش فيه التسطيح ,ويتفشى فيها الجهل والأمية والغباء, أموالا طائلة مخصصة لتفسير أحلام العربان وكوابيسهم السياسية والنفسية والعقلية المريضة الناتجة عن "المناسف",والولائم و"الأكباش المكتفة",والعشاء الثقيل ,والأدمغة السميكة والأساطير والأوهام وفكر الإرهاب,وعوامل وضغوط نفسية أخرى وليس عن أي شيء آخر,ولا داعي في هذه العجالة هنا لنعرج على سفر فرويد العلمي الدقيق في تفسير الأحلام.
وهكذا كسفت الشمس لبضع سويعات معدودات,وعلى مساحات حددها حجم ظل القمر المعكوس على وجه الأرض والحاجب لنور الشمس فقط ,وليس هناك من أي تشاطر وتأويل غيبي فضفاض آخر,وانقضت الأمور على خير ,والحمد لله ولم تقم القيامة التي يرهبون بها الناس على أية حال,وزالت معها كل الأوهام والمخاوف النابعة من أساطير. ولكن ما الحل مع العقل الذي كسف و"انكسف" ,وانهزم إلى الأبد وجعلنا خارج التاريخ وكل الجغرافيات ,والسؤال متى سيتخلص من كسوفه ,ويعود إلى حالته الطبيعية التي يبدو أنه بعيد جدا عنها في المنظورات,والقادمات من الأيام.