|
بل المشكلة هي في الائتلاف، يا أعزائي! عزيز الحاج اطلعت، كغيري، على مذكرة الزعيمين الكرديين، الأخوين مسعود برزاني وجلال طالباني، المنشورة في عدد إيلاف ليوم أمس الأول من أكتوبر الجاري. إن المذكرة تنتقد وهي على حق تام سلوك وأداء السيد رئيس الوزراء، المتميزين بالفردية في اتخاذ القرارات الهامة والخروج عن قانون الإدارة الانتقالي، لاسيما ما يخص التشاور بين الجبهة الكردستانية والجبهة الائتلافية. إن هذه الحقائق والوقائع معروفة ويجري تداولها منذ شهور، ومن آخر أمثلتها الهيمنة على الفضائية العراقية وتحويلها لمنبر دعاية للسيد الجعفري، ولنشر ثقافة اللطم والسلاسل، وهي الدعاية التي ساهمت في التشجيع على تجمع جسر الأئمة حيث وقعت المأساة الدموية الرهيبة بالمئات من الضحايا من قتلى وجرحى ومفقودين. إن مأخذي الرئيسي على المذكرة هو قصر المسؤولية على السيد رئيس الوزراء وحزبه في حين أن مسؤولية تدهور الأوضاع تقع، وبجانب الإرهابيين المجرمين من بعثيين ومن زرقاويين المدعومين خارجيا، فضلا عن جماعات الجريمة المسلحة، على أداء وممارسات أطراف الائتلاف، ولاسيما على المجلس الأعلى الذي تعتبر الجبهة الكردستانية أن التحالف معه استراتيجي. إن المئات من الوقائع والتقارير والمقالات المنشورة، ومن آخرها المقال الهام للدكتور كاظم حبيب في إيلاف، عن البصرة والجنوب، وكذلك تقرير السيد معد فياض في الشرق الأوسط ليوم 30 المنصرم عن سلوك مليشيا بدر في بغداد نفسها، لا تبقي مجالا للشك في المسؤولية الكبرى لأطراف الائتلاف كلها، لاسيما في انتشار الطائفية والنفوذ الإيراني المتسع وفي هيمنة المليشيات المسلحة وانتهاكها للقوانين ولحقوق المواطنات والمواطنين. إن هذه المواقف والممارسات تشكل الانتهاكات الأكبر لبنود وروح قانون الإدارة، فضلا عن تسهيلها من حيث لا يريدون لنشاط الإرهابيين الدموي بقيادة الصداميين، العاملين لاسترجاع الهيمنة والامتيازات وعودة النظام الفاشي المجرم. والحاقدين، مع حلفائهم القاعديين، على الأكراد والشيعة بوجه خاص. إن السياسات الطائفية، وانفلات المليشيات، والسماح الواعي بامتداد الهيمنة الإيرانية وخصوصا في الجنوب، وإن سياسة التمييز ضد الأديان الأخرى، تؤكد عدم إيمان هذه الأطراف لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان. أما مسودة الدستور الإسلامي الروح، فهي الانتهاك الأكثر خطورة لقانون الإدارة ولجميع مبادئ الديمقراطية، وكل التعهدات والوعود أمام الشعب والرأي العام الدولي قبل الانتخابات الماضية. إن الحديث عن هذه المسائل الخطيرة يطول، ويكفي للفت اهتمام الإخوان الأعزاء في الجبهة الكردستانية لحلقات مقال الدكتور كاظم حبيب، وآخرها لهذا اليوم، الثاني من أكتوبر. والكاتب هو صديق معروف للشعب الكردي ولزعمائه مثلما هو من الطائفة الشيعية. أما تقرير معد فياض عن سلوك مليشيا بدر في بغداد فهو تسجيل لوقائع يومية مذهلة. ولو افترضنا أن نصف ما ورد فيه هو الدقيق وحده لكان ذلك كافيا لإدانة دور وتصرفات مليشيا بدر المرتبطة مباشرة بالحرس الثوري والمخابرات الإيرانية. كما أن اغتيال مسؤولين كبار عددهم 11 شخصا من وزارة الدفاع، ومنهم السيدة ليلى المختار، يحتاج إلى لجنة تحقيق بإشراف السيد رئيس الجمهورية نفسه لتتبين الحقيقة، وهل حقا هو من فعل الإرهابيين؟ أم من فعل مليشيا بدر؟ أم مزيج من الاثنين؟ أجل يا سادتي الأعزاء: إن العراق يمر بأحرج وضع وأدق ظرف جراء تصاعد الإرهابيين البعثيين والسلفيين المجرمين القادمين من بلدان عربية وعبر سوريا بالذات، وكذلك جراء تصاعد الهيمنة الإيرانية من خلال المجلس الأعلى وبقية أطراف وشخصيات القائمة الائتلافية. أما إذا مرت طبخة الدستور الإسلامي، فقل على العراق السلام لأمد طويل، خصوصا وإن فرص تعديله ديمقراطيا، وكما بينت مرارا، هي ضئيلة للغاية، بينما العكس يصح، أي فرص تعديله نحو الأسوأ على يد المحكمة العليا التي لها كل الصلاحيات التشريعية على نمط لجنة صيانة الدستور الإيرانية. إنني أتفهم الظروف والاعتبارات التي تدفع بالجبهة الكردستانية لغض النظر عن ممارسات ومواقف المجلس الأعلى، ولدعم مسودة الدستور. نعرف أن الأحزاب الكردستانية تخشى من طعنات الغدر مستقبلا؛ كما أظن أنها تكاد تؤمن مع نفسها بأن لا رجاء مع القوى السياسية المهيمنة في بقية العراق، فالأفضل إذن الحفاظ على مكاسب الشعب الكردي وتعزيزها. ولكن هل سيكون ذلك ضمانة حقيقية للمستقبل؟ لا سيما والأمريكان في حالة استعجال لترك العراق، وربما أصيبوا بخيبة أمل ومرارة من أداء القوى الوطنية العراقية، ناهيكم عن اشتداد الضغوط الداخلية والموجة الجديدة من حملات مناهضي الحرب في الغرب كله؟ إنني أتساءل: أليس الأضمن للشعب الكردي تحالف استراتيجي عراقي ـ كردستاني، علماني وديمقراطي ولبرالي لدخول الانتخابات معا ؟؟ بالطبع ستحصل القوى والأطراف السياسية الشيعية على الأكثرية، حيث نتوقع صدور فتاوى جديدة من المرجعية تدعو الأطراف الشيعية للوحدة وترك خلافاتها، وتدعو الناس لدعمها في الانتخابات. إن الجديد في رأيي وكما أرى هو أن هذه الأكثرية لن تكون بزخم أكثرية الانتخابات الماضية، وان البرلمان القادم سيضم معارضة كبيرة وقوية ومتماسكة لقطع الطريق على قيام النظام الإسلامي. ومن أجل الديمقراطية الفيدرالية في العراق، التي تفصل الدين عن الدولة. إن النظام الديمقراطي الليبرالي في بغداد هو وحده الضمان الأكبر والمستمر لحقوق كردستان في الفيدرالية وفي تحقيق مطالبها المشروعة كافة. ليس ما أقصده كما يقول البعض هو ديموقراطية السويد أو فرنسا مثلا، ولسنا من الوهم والانفصام عن واقع العراق بحيث نتوقع تحقيق ذلك في عامين أو عشر سنوات! ولكن الخيار ليس بين نظام إسلامي أو بعثي وبين نظام سويدي أو سويسري في المرحلة الراهنة من تخلف الشعب والوضع المعقد جدا. كلا! ولكنه خيار تحقيق نظام يضمن الحد الأدنى على الأقل الحقوق والحريات الديمقراطية، ويفصل الدين عن الدولة، ويعطي المرأة كامل حقوقها، ويضمن حقوق القوميات والأقليات القومية والدينية كافة. إنه مطلب أن نبقى على الأقل مع مبادئ وقيم الدستور المؤقت وليس التراجع عنه للهبوط إلى النظام الديني الطائفي! لقد أشار الرئيس بوش لدستور فيلاديلفيا الأمريكي لعام 1789 الذي جرى تعديله فيما بعد عشرات المرات لتلافي النواقص الكبرى ولاسيما ما يخص الرق وحق المرأة في التصويت الانتخابي. وكما تقول الهيرالد تريبيون ليوم 26 أيلول المنصرم، هل يراد للعراق أن يعود للحالة الأمريكية لما قبل 218 سنة؟! علما بأن دستور فيلاديلفيا أعطى الشعب الأمريكي حقوقا كبرى وفصل الشؤون الدينية عن السلطة السياسية، رغم أن المجتمع الأمريكي المتعدد القوميات وحتى الكثيرين معظم زعمائه هم من المتدينين لهذا الحد أو ذاك. نعم ليس الهدف لهذه المرحلة دستورا ونظاما ديمقراطيين متكاملين، بل هو الحد الأدنى والمضمون منهما، وبما لا يخضعهما لسطوة وهيمنة القوى الدينية ومرجعياتها وفقهائها!!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |