التحالف الشيعي الكردي في نفق كركوك

ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

 

لم يكن التحالف الشيعي الكردي الذي أفضى إلى ولادة أول حكومة منتخبة في تأريخ العراق, وليد الساعة أو اليوم, بل كان تتويجا لمسيرة طويلة من النضال المشترك ضد الدكتاتورية, ضحى خلالها الشيعة والكرد بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق أهدافهم المشروعة في العيش بحرية وكرامة تحت ظل نظام ديمقراطي عادل.

 ولعل أهم القواسم المشتركة بينهما هي المظلومية التي وقعت عليهما من قبل مختلف الأنظمة التي تعاقبت على سدة الحكم في بغداد ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة.ولقد وصلت هذه المظلومية ذروتها أيام النظام الصدامي البغيض الذي لم يتورع عن إستخدام أبشع الأسلحة والأساليب في سبيل تركيعهما , إلا أنه لم ينجح في مسعاه الشيطاني هذا بفضل صمود وصلابة الشيعة والكرد.

 وأما القاسم المشترك الأخر الذي جمعهما فهو النضال بوجه الدكتاتورية الصدامية من على قمم جبال كردستان ومن بين قصبات الأهوار في الجنوب.ولقد كانت جبال كردستان وقراها ملاذا وممرا أمنا للألاف من المناضلين العراقيين الذين لجأوا إليها هربا من ألة القمع الصدامية, فيما إحتضنت قرى وقصبات ومدن الجنوب العراقي العوائل الكردية المناضلة التي هجرها النظام الصدامي .

 وبعد سقوط الدكتاتورية الصدامية تكحلت عيون المظلومين من أبناء العراق برؤية أول حكومة منتخبة شكلها مناضلوا الأمس من شيعة وكرد, وعيونهم ترنو نحو غد مشرق ومستقبل زاهر يعوض مامضى من سنين القهر والظلم والحرمان.

 إلا أن الرياح لم تجر بما تشتهي سفن المظلومين ,إذ تظهر في الأفق بين الفينة والأخرى بوادر تشير إلى وجود مخاطر تهدد بتفكك عرى التحالف الكردي الشيعي وفتح الأبواب على مختلف الأحتمالات ومنها عودة أزلام النظام السابق وأعوانهم المتربصين بالعراق وهم لايتورعون عن فعل أي شيء في سبيل تحقيق أهدافهم المريضة.

 ولعل أهم عقبة تهدد بأنهيار هذا التحالف هي معضلة كركوك. فالكرد وضعوا جملة من المطالب التي طالبوا بتحقيقها في كركوك, ولقد وعد الشيعة بتلبيتها, وتم تثبيتها في قانون إدارة الدولة المؤقت وكذلك في مسودة الدستور. وعلى هذا الأساس إنبثق التحالف الحكومي بين الطرفين. إلا أن الكرد كانوا ومازالوا يشكون من عدم تلبية مطالبهم وعدم وفاء الحكومة بإلتزاماتها فيما يتعلق بتطبيع الأوضاع في كركوك.

وهذا الواقع أدى إلى نشوء الأزمة الأخيرة بين الطرفين.

 وبغض النظر عن صحة أوعدم صحة هذا الأعاء الكردي فإن كل المؤشرات تشير إلى أن الكرد في طريقهم إلى تحقيق طموحاتهم وأمانيهم في كركوك عاجلا أم آجلا, خاصة بعد أن تم تثبيت أسس حل هذه المسألة طبقا لما إتفق عليه في مسودة الدستور ومن قبل في بيان التحالف الموقع من قبل الأئتلاف العراقي الموحد والتحالف الكردستاني.

 ولعل السؤال الملح الذي يطرح نفسه هنا هو ماهو الثمن الذي سيقبضه الشيعة في مقابل تحقيق مطالب الكرد في كركوك؟ ولا شك بان الجواب هو تحالف الكرد مع الشيعة بما يمكن الغالبية الشيعية من حكم البلد بعد سنين طويلة من القهر والظلم والأقصاء. إلا أن  الشيعة يواجهون اليوم خطرا حقيقيا يهدد هيمنتهم على الحكم بسبب قضية كركوك وتهديد الكرد بأسقاط الحكومة بسببها.

 ولعل الخاسر الأكبر في حال حصول ذلك هم الشيعة. فالشيعة ورغم كونهم يشكلون أغلبية في العراق إلا أنهم الحلقة الأضعف بين المكونات العراقية الأساسية. فالعرب السنة ورغم كونهم أقلية إلا أنهم يتمتعون بدعم كبير من قبل الدول العربية والأسلامية, فضلا عن إمتلاكهم للعديد من أسباب القوة التي حصلوا عليها  خلال حكمهم للعراق طيلة العقود الماضية.

 وأما الكرد فهم يتمتعون بدعم وتعاطف دولي كبير بسبب المظلومية الكبيرة التي تعرضوا لها خلال التأريخ وكذلك بسبب التوجهات اللبرالية للأحزاب الكردية الرئيسية التي تلقى دعما كبيرا من العالم الغربي.

بل إن الكرد يحظون اليوم بدعم عدد من الدول العربية التي تسعى لخلق واقع جديد في العراق قائم على تحالفات جديدة ليست في صالح الشيعة.

 وأما الشيعة فهم الفريق الأضعف في الساحة الذي لايحظى بأي دعم عربي أو إقليمي أو عالمي , وحتى أخوة الشيعة في المذهب في الدول الأخرى لم يساندوا الشيعة لأسباب مختلفة ولعل عداء هذه الفصائل لأمريكا أهمها.

 وفي ظل هذا الواقع فينبغي للقادة الشيعة الأعتماد على الذات وإقامة تحالف إستراتيجي مع الكرد يحفظ حقوق الطائفة ويمنع عنها كل ظلم أو حيف. ولتكن كركوك ثمن لهذا التحالف اليوم , لأن كركوك لاثمن لها غدا عندما يحقق الكرد مطالبهم فيها بالقانون وبلا ثمن وفقا لما إتفق عليه في مسودة الدستور. فهل سيخرج التحالف الشيعي الكردي من نفق كركوك أم سيتلاشى داخله؟

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com