محنة قناة (الشرقية) مع المجهول..!!

كريم كطافة

k.hussin@chello.nl

 

إذا كان مالكو البترودولار المعروفون طولاً وعرضاً وحجماً، هم ممولي القنوات الفضائية الصحراوية، وبالتالي لنا أن نعرف لماذا هي تورد إبلها هذا المورد دون غيره، فأن أحداً لم يعثر بعد على الممول الحقيقي لقناة (الشرقية). ما زال الأمر لغزاً يحتمل الإشاعة والتحليل والاستنتاج. وإذا كانت أغلب الإشاعات تلح على مصدر بعينه لتمويل ليس هذه القناة فقط، بل كل شؤون وشجون مرحلة ما بعد الإحتلال، وهي تلمح إلى تلك الـ(5%) من النفط العراقي حصة القيادة، حين كان (الرئيس الأسير)؛ يقول عنها أنها لإعادة الحزب ثانية إلى السلطة. فأنا سأهمل كل تلك الإشاعات، وأصدق أن ممول قناة (الشرقية) هو ذاته السيد (سعد البزاز). نعم، ما زلنا نتذكر أن هذا السيد قد انشق على قيادته لسبب لم يعلن عنه في حينه وما زال لم يعلن عنه، باستثناء حديث بدا غائماً ومبهماً على أنه مجرد (شاهد على العصر) وفق تفسير للشهادة ينفي أن يكون الشاهد جزء من الحدث من حيث المسؤولية، بهذا يكون قد جنب نفسه الكثير من المطبات والإحراجات التي أراد البعض إيقاعه بها. على أية حال، خرج من أرض الوطن المسورة قبل منتصف التسعينات من القرن الماضي بكتابين أثارا ما أثارا من لغط واستفهامات كثيرة؛ الأول (حرب الخليج..) والثاني (حرب تلد أخرى)، زائداً تحويشة معتبرة في حينها وربما ما زالت. نعم، تحويشة استطاع بها أن يوجد بين يوم وليلة جريدة (الزمان) التي نافست العديد من جرائد العرب النفطيين وغير النفطيين، كانت تُطبع يومياً في ثلاث عواصم عالمية تتوزع قارتين. أراد بها سحب كل الأقلام العراقية المعارضة آنذاك، والتي كان الكثير منها يسيل مداده لمجرد تلويحة من جريدة خليجية وبدت الصفقة التي عرضها على الجميع معقولة:هذه جريدتكم.. اكتبوا فيها ما تريدون.. شرط أن تتركوا بعض الحروف غير منقطة..!! وكانت في حينها تلك الحروف التي أُريد إعجامها، كل ما خص ويخص (السيد الرئيس) وولديه بالاسم. جرى التعامل مع مقالات الرأي والتحاليل والتغطيات الإخبارية بطريقة قل ولا تقل: قل دكتاتورية ولا تقل دكتاتور.. قل نظام الحكم في العراق ولا تقل الطغمة الحاكمة.. وهكذا. أما بعد الاحتلال فكان هذا السيد من أول المبادرين بالاستجابة لمتطلبات المرحلة وملئ الفراغ التلفزيوني على وجه السرعة، بادر لفتح مشروع قناة (الشرقية)، متورثاً أرشيف التلفزيون العراقي الحكومي بموجوداته العينية والبشرية.

منذ نشأة القناة وإلى اليوم والشهادة لله، وهي تبذل جهوداً مضنية لحلحلة الكثير من أزمات المجتمع العراقي عبر برامج تحفة من نوع (كبابكم علينا) و(دخلتكم علينا) و(عكادتكم علينا).. إلخ الـ(علينا)، بل هناك بعض الخبثاء ممن لا يطيقون فكرة الـ(علينا) يزعمون أن (الشرقية) وعلى شهر رمضان ستفجر قنبلة القنابل وعبوة العبوات ببرنامج سيكون عنوانه هذه المرة (دفنتكم علينا)، برنامج سيحاكي برامج الأعراس الجماعية، لكنه سيخصص للدفن الجماعي. على اعتبار أن السادة المجاهدين وبناءاً على حديث نبوي صحيح، يقول: "اذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" عليه سيمهر هؤلاء عقودهم مع رب العالمين بجهد وعمل إضافي خلال هذا الشهر؛ من كان منهم يذبح عراقياً في اليوم في المعدل، عليه أن يزيد الحصيلة في هذا الشهر إلى ثلاثة، ومن كانت حصيلته (مسطر) عمال واحد في الشهر عليه أن يرفع العدد في هذا الشهر إلى ثلاثة وهكذا، لكل هذه الأسباب سيكون الدفن الجماعي عمل خدمي وجماهيري بامتياز هذه المرة.

شخصياً، لا يهمني هذر وتقولات المشاغبين من الذين لا يعجبهم العجب. ما أراه أن جهود هذه القناة كانت واضحة منذ البداية والفرصة كانت أمام الجميع مقدمة على طبق من خوص، من لديه شيء ليقوله أو ليفعله.. حكومة ماكو والمواضيع على كتف من يشيل والحرية ليست فقط مفتوحة بل ملعوب بكل حيثياتها.. فساد مترهل الخدين والأوداج من أيام القائد ضُرب في نفسه مئات المرات بغياب الدولة، حتى أن الحيتان صارت تقود سيارات المنفيست بحرية تحسدها عليها حيتان القطب الشمالي، حيتان من كل الماركات والأصول القبلية تتبختر في شوارع المدن تريد التهام كل شيء. لقد واكبت القناة كل هذه الأحداث بشلة من خيرة مبدعي السخرية العراقية السوداء، هؤلاء الذين انفتحت أمامهم ولأول مرة أبواب الإبداع في فضاء حر بعيداً عن ممنوعات وعقوبات القيادة، إنما وللأسف وبدلاً من أن يفيضوا بسخريتهم وإبداعهم على رأس القائد ورأس اللي تورثوه.. وجدناهم قد تقيئوا كل شيء على رأس المواطن هذه المرة.. وقائلهم يصيح بالصوت عالياً: مو هي هاي الحرية اللي ردتوها.. دكلوها لعد..!!! لكن، على العموم أن ما تقدمه هذه القناة من خدمات مجانية للناس، إن كان في إضحاكهم أو في بناء بيوتهم أو تزويج بناتهم وشبابهم أو دفع فواتير فطورهم الرمضاني، كل تلك خدمات تحسب لها. ألا يكفي ونحن نتابع ولعشرين مرة تلك الحلقة التي كان فيها كادر القناة منهك القوى والعرق يتصبب من كل مكان من أجسادهم، وهم يبحثون عن شخص حتى اسمه متخاصم مع نفسه (مزعل غضبان الفرحان)، فقط ليعطوه قيمة الجائزة التي فاز بها دون أن يعلم، جائزة بطاقة التموين ذات العشر ورقات ولك أن تعرف قيمة العشر ورقات في وطن يّذبح فيه الإنسان بورقة واحدة. لكن، يبقى لي عتب صغير عليها، عتب لا يفقد للود قضية كما يٌقال، أقول عسى أن تفك القناة عقدتها مع الجاهل والمجهول في محنة الوطن..!! لقد درجت منذ ولادتها وحتى الساعة في تغطيتها لكرنفال القتل الجماعي اليومي الجاري في العراق، على أن القاتل مسلح مجهول والقتيل مجهول الهوية والناطق الذي صرح بالخبر مجهول والعبوات مجهولة والسيارات المفخخة مجهولة وكل شيء مجهول، في عمليات قتل جماعي تحدث في وضح النهار..!! رغم أنها وعلى خلاف كل القنوات العراقية والعربية، القناة الوحيدة التي تحرص على الدقة والشفافية والوضوح حين تضيف إلى كل إعلان مناهض للإرهاب والجريمة تعرضه على شاشتها، ملاحظة (هذا إعلان مدفوع الثمن)، كما هو واضح لتبرئة ذمتها من مضمونه. أقول؛ لماذا هذا التجهيل في وطن لم يعد فيه أي شيء سراً..!!؟

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com