|
جراح الحـلة مخـتلفة علي الشلاه شاعر وكاتب عراقي تعد مدينة الحلة (محلة بني مزيد أو الجامعين) من المدن الاستثناء في العراق، وهي المدينة التي انشأت على اطراف مدينة بابل التاريخية الشهيرة، وقد كانت عبر التاريخ مدينة علم وأدب وفقه، واليها انتقلت الحوزة العلمية بعد سقوط بغداد بيد المغول وقبل ان يتشيع الفرس السنة بثمانية قرون تقريباً وقبل ان تتأسس حوزة النجف بعدة عقود، وبرز من أبنائها أساطين العلم والأدب نذكر منهم العلامة الحلي ( ابن مطهر) والمحقق الحلي ( ابو القاسم) واين ادريس الحلي صاحب كتاب السرائر والسيد علي بن طاووس وصولاً الى اسرة المصلح الكبير الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء التي تتحدرمن احدى قراها ثم تلاهم شعراء الحلة المجيدون وامراء الشعر الحسيني السيد جعفر الحلي والسيد حيدر الحلي والشيخ صالح الكواز وقبلهم جميعاً صفي الدين الحلي صاحب البيت الشهير في وقعة الزوراء .. بيض صنائعنا، سود وقائعنا خضر مرابعنا، حمر مواضينا كما قدمت الحلة في القرن العشرين استاذ البابليات والسومريات الدكتور طه باقر مترجم ملحمة جلجامش والباحث والمهندس الشهيرالدكتور احمد سوسة الذي كان يهودياً وأسلم على يد السادة من آل القزويني وكتب عدداً هاماً من المؤلفات الهندسية والتاريخية الرائعة، وكذلك خطيب ثورة العشرين وشاعرها الدكتور محمد مهدي البصير( طه حسين العراق) وعشرات الأسماء الثقافية الأخرى . لعبت الحلة دوراً اساسياً في كل الثورات والحركات التحررية في العراق منذ الاستعمار التركي المتخلف مروراً بثورة العشرين وكل الأحداث والوثبات حتى انتفاضة آذار 1991، ولذا نكل بها الحرس الجمهوري الصدامي أشد تنكيل ورأيت بنفسي الدبابات الصدامية وهي تقتحم المدينة الثائرة ومكتوب في مقدمتها - لا شيعة بعد اليوم - ومربوط على الدبابات عدد من شبانها عرفت منهم زميل دراستي الابتدائية علي شاكر وأخاه حامد وابن عمي علي حسام الشلاه، وقد استشهد من أبنائها في يوم واحد أكثر من سبعة الاف وجدوا اشلاءً في القرى المحيطة بالحلة بعيد سقوط الدكتاتورية مع من اعدموا بعد تلك الانتفاضة، وقد تجاوز عدد من عثر على اشلائهم حتى الآن ستين الفاً ومازالت بعض الاجساد مفقودة حتى اليوم بينها جثة الشهيد عدي نجل الصديق الشاعرالحلى الكبير موفق محمد. كانت الحلة تصدر التمور والأعناب والمدرسين والمعلمين لسائر مدن العراق، وقد قام معلموها ومدرسوها منتصف القرن الماضي وماتلاه بالتدريس في مدن غرب العراق وجنوبه، وقد اسهم الجو العلمي والثقافي الحلي في قبول المدينة لعدد من الوافدين اليها من خارجها ففيها محلة للأكراد واخرى للنازحين من قرى وبلدات غرب العراق أيضاً، ولم تشهد الحلة اية حالة طائفية او عنصرية رغم كل ماعانته في السنوات السود وبعد سقوط الصنم، وحتى بعد الجرائم الارهابية الفاقعة التي قام بها خونة الداخل والخارج والتي صبغت مياه شط الحلة بالأحمر. يوم امس استهدف المجرمون الطائفيون مسجد ابن النما في شارع ابي القاسم قبيل الافطار في مجلس فاتحة احد الشهداء الذين سقطوا في جريمة سابقة،كان الارهابي القاتل فيها عراقياً، تحدث العامية العراقية وسلم على الشهداء وعرف بعضهم ثم خانهم وخان السلام الذي القاه عليهم وقام بتفجيرهم ، هذا الارهاب المجرم حول المصلين الصائمين الى اشلاء متطايرة وحول المسجد - الذي سبق وهدمته جرافات صدام بعد الانتفاضة واعيد بناؤه حديثاً - الى ركام متناثرلا لشيء الا لأنهم شيعة فقط ، وانا اعتقد جازماً ان تكراراستهداف الحلة ينبع اولاً من قربها من أماكن سكن الارهابيين الطائفيين التكفيريين، وهي تمثل اول مدينة شيعية كبيرة جداً تقف في مواجهتهم، وثانياً لأن الحلة تمثل حالة من التسامح مع الآخر المختلف مذهبياً ولذلك اريد من استهدافها قتل روح التسامح والآخوة بين العراقيين، خصوصاً وانه لايمكن اتهام اهالي الحلة العرب الأقحاح بأنهم فرس صفويين لوضوح المجتمع الحلي وتاريخه العروبي، وبعده عن الحدود الايرانية وتسللاتها، بل ان الحليين يمثلون حالة مميزة لمواطنين عراقيين ملتزمين بالوطن والمواطنة منذ الاحتلال العثماني الذي تلوثت به عدة مدن ونخب عراقية مستوردة من الاستانة وحتى اليوم، وأهل الحلة لا يعترفون بوصاية احد عليهم أياً كان ذلك الأحد، لذلك كله ولأن الحلة ظلت خارج الهوامش التي تتبع التيارات السياسية المتصارعة فقد بقيت تواجه الارهاب وحدها، ولم ينتصر لدمائها المتواصلة أي فريق، ولم تسمع سوى استنكارات فارغة من الاخوة الاعداء الذين يرسلون الارهاب ويدافعون عنه، ثم يستنكرونه علناً ويباركونه سراً، أما الأخوة المتنافسون الذين تحولت أشلاء ذويهم لديهم الى قيم رقمية مجردة لديهم في سعيهم لتقاسم كعكة مشبعة بدماء الاشراف الحليين فانهم لن يجدوا بعد اليوم في الحلة الفيحاء (برائحة الدم) أي اذن صاغية. جريمة مروعة في الحلة خلفت أكثر من مائة وعشرين ضحية، استشهد اكثر من ربعهم ولم تنتبه لها حتى فضائية الحكومة العراقية المشغولة باخبار خصومة الرئيس الرمزي ورئيس وزرائه الفعلي. وسواء انجح الدستورالذي شغل الحكومة واعلامها عن جراحات الحلة ام لم ينجح فان الحلة لن تسامح الحكومة أبداً، و لن تغفر للقتلة ولن يجدوا مكاناً في قلبها المتسامح، مثلما لن تغفر أمي لمن قتلوا جارنا أحمد عنون وعديله وهما صائمان في مسجد ابن النما يوم امس.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |