ولكن لماذا لم يكن للسعودية نفوذ في العراق؟

محمد حسن الموسوي

almossawy@hotmail.com

أستبطنت الثصريحات الاخيرة لوزير خارجية السعودية بخصوص النفوذ الايراني المتزايد على حد قوله في العراق الكثير من الاهداف والاغراض. فمن حيث الزمان والمكان جاء توقيت التصريحات ليصب في خانة الضغط الامريكي المتوالي على ايران بخصوص ملفها النووي الورقة التي باتت تمثل لساسة البيت الابيض العصا الغليظة التي يلوحون بها مقابل جزرة الترويكا الاوربية المتملثة بتقديم مساعدات اقتصادية وتكنولوجية لايران مقابل تخليها عن برنامجها النووي هذا من ناحية , وجاء التصريح من باب الغزل السياسي السعودي للامريكان من اجل اعادة الحياة للدور السعودي في المنطقة والذي خسره السعوديون بعيد احداث الحادي عشر من ايلول/ سبتيمبر واتهام الغرب عامة وامريكا بخاصة للسعودية بكونها مفقس للارهاب وكذلك يأتي من باب دعم الموقف السني في العراق من الدستور هذا من ناحية ثانية.

 وبكلمة اخرى جاءت تصريحات الوزير السعودي لتعيد الروح من جديد لسياسة التخادم التي بُنيت عليها العلاقة التأريخية بين المملكة السعودية وأمريكا وهذا لربما ما يفسر لنا أختيارنيويورك مكانا ً لاطلاق تلك التصريحات العنيفة تجاه ايران هذا على مستوى السياسة الخارجية السعودية. وأما على مستوى السياسة الداخلية فهناك من يعتقد ان التصريحات جاءت لأمتصاص الاحتقان المحلي والناجم عن التعاطف الطائفي الشعبي مع ابناء المناطق الغربية في العراق التي تقطنها أكثرية سنية والتي شهدت وتشهد اعمال عنف نتيجة تسلل المجاميع الارهابية اليها واتخاذها منطلقا لأعمالهم الارهابية ضد المدنيين العزل من بقية العراقيين حيث تلقي هذه الاعمال مباركة شعبية سعودية لأنه ينظر اليها على انها (مقاومة) الامر الذي دفع شرائح من السعوديين لمطالبة حكومتهم جهارا ً نهارا ً للتدخل لصالح ( المقاومة) هناك ولعل كثرة المتطوعيين السعوديين في صفوف المقاتلين العرب الاجانب داخل العراق يشير الى هذه الرغبة الشعبية التي عبرت عنها الفتاوى المتتالية لعلماء سعوديين وكذلك حملات جمع التبرعات من المساجد تحت يافطة اعانة المناطق المتضررة من المعارك بين القوات العراقية والارهابيين.

 وتأسيسا ً على هذا نستطيع القول ان نفوذاً سعوديا ً داخل العراق وتحديداً في المناطق ذات الاغلبية السنية بات ملحوظا ً ولايمكن للسعوديين انكاره بأي حال من الاحوال لكن وللامانة نقول انه لايمثل نفوذاً رسميا ً بل هو نفوذ شعبي وهنا تكمن المفارقة بين النفوذ السعودي ونظيره الايراني داخل العراق اذ الاخير هو نفوذ رسمي على عكس السعودي بالضبط وان كان البعض اعتبر تصريحات وزيرخارجية السعودية هي بداية رسمية للتدخل السعودي في الشأن الداخلي العراق اذ كانت السياسة السعودية تجاه العراق ولوقت قريب تقوم على اساس الابتعاد قدر الامكان عن الشأن العراقي والتزام الحياد الظاهر. وبكلمة أخرى النفوذ الايراني ينطلق من ارادة سياسية رسمية تحمل بين طياتها اجندة متعددة يعكس_ اي النفوذ_ بعض ملامح تلك السياسة الايرانية تجاه العراق ودول المنطقة برمتها وتحديدا تجاه التواجد الامريكي في المنطقة , بينما النفوذ السعودي لاينعكس من ارادة سياسية في التدخل في الشان العراقي بقدر ماهو يعكس ارادة شعبية ناجمة عن تعاطف طائفي مع السنة في العراق لاغير ولكن وكما يبدو فان ارادة سياسية رسمية في التدخل في الشأن الداخلي العراقي بدأت تتضح معالمها في الافق بعد التصريحات السعودية الاخيرة.

 والسؤال لماذا لم يكن للسعودية نفوذ رسمي في العراق على غرار أيران هل لما ذكر سابقا من ان سياستها تجاه العراق تقوم على اساس مبدأ (الابتعاد) ام هنالك اسباب اخرى؟ وبكلمة أخرى لماذا نجحت ايران الاعجمية على حد تعبير الاعلام العربي في ايجاد موطئ قدم لها داخل العراق العربي ولم تنجح العربية السعودية في ذلك؟

 قد تكون الاجابة للوهلة الاولى هي كون ايران شيعية والسعودية سنية والعراق ذو اكثرية شيعية مما سهل وساعد في تعاظم النفوذ الايراني داخله وهذا ما المحت اليه تصريحات الامير فيصل الذي ظهر بمظهر المدافع والمحامي عن سنة العراق وكان الاجدر به ان يتعالى عن الطائفية ويتحدث بلغة اكثر دبلوماسية تاخذ بنظر الاعتبار مصلحة كل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم الطائفي او العرقي وهذا ما كان يأمله اغلب العراقيين من وزير خارجية اكبر دولة عربية مجاورة للعراق! والحقيقة انه لاعلاقة للتشابه المذهبي بين ايرانالعراق في تعاظم النفوذ الايراني والدليل على ذلك ان ايران وقفت الى جانب ارمينية المسيحية في حربها ضد أذربيجان الشيعية مما يؤكد ان الايرانيين ينطلقون في سياستهم الخارجية من مصلحتهم القومية العليا وليس من انتمائهم المذهبي او الطائفي وعليه من الخطأ الاعتقاد بأن وجود الشيعة في العراق ساعد على ازدياد النفوذ الايراني في بلدهم وبخاصة انهم _اي شيعة العراق_ معروفون بحسهم الوطني الذي لايضاهيه شئ آخر.

 قبل الاجابة على التساؤل اعلاه لابد من التذكير بأن التشكيك بوجود اي من النفوذين الشعبي السعودي والرسمي الايراني داخل العراق يعني التشكيك بحقيقة سياسية قاطعة والشواهد الحسية والمادية على النفوذين أكبر من ان يتنكر لها لانها باتت بحكم اليقين. والواقع ان الاجابة تتطلب منا العودة قليلا ً الى الوراء وبالتحديد الى أيام الحرب العراقية_ الايرانية وموقف دول المنطقة منها كذلك موقف كل من ايران والسعودية من المعارضة العراقية السابقة التي ناؤت حكم نظام صدام البائد.

 في اعتقادنا ان النفوذ الايراني يعود في جانب كبير منه الى موقف الحكومات الايرانية المتعاقبة الداعم للمعارضة العراقية وقتئذ والتي استطاع قسم كبير منها الوصول الى دفة الحكم بعد الاطاحة بنظام الديكتاتور صدام . بالمقابل لم تتعاط السعودية مع تلك المعارضة الا في السنوات الاخيرة على ان تدخلها كان تدخلا خجولاً أملته عليها ظروف حرب تحرير الكويت ومصلحة الامن القومي السعودي الذي بات يتعرض الى الخطر نتيجة تهديدات نظام صدام المتكررة للملكة العربية على انها _ اي السعودية_ وبالرغم من ذلك فضلت النأي بنفسها عن الشأن العراقي على طريقة ( ادفع بالتي هي احسن) فلم تأصد الباب كليا بوجه صدام ولكنها فتحت كوة صغيرة في سياجها الحديدي لدخول المعارضة العراقية اليها خلسة.

 اذا النفوذ الايراني في الشان السياسي العراقي ليس وليد ساعته اذ نجحت الجمهورية الاسلامية الايرانية في اقامة علاقات طيبة مع اغلب قوى المعارضة العراقية السابقة _والتي ستصبح فيما بعد اللاعب الاساسي في العراق الجديد_ ولم تقتصر على فئة بذاتها بل كانت لها علاقاتها مع الكل بما فيهم المعارضة السنية العراقية على قلتها في ذلك الحين وكثرتها الان. في ذلك الوقت كانت السعودية ومعها معظم دول الخليج قد ناكفت المعارضة العراقية السابقة وناصبتها العداء ارضاءا ً لنظام صدام والذي كانت السعودية منشغلةً بمده وتزويده بما يحتاج من آلة الحرب التي دام سعيرها ثمان سنوات أتت على الاخضر واليابس العراقي حيث فتحت السعودية ارضها وسمائها لدعم النظام البائد وطورت معه نظاما بوليسيا لم ينجو منه معارض ُ عراقي شاء قدره التعيس ان يتخذ من السعودية مستقرا ً له.

 صورتان على طرفي نقيض. ايران الفارسية تدعم المعارضة العراقية العربية وغير العربية والسعودية العربية تقمع تلك المعارضة التي أذن الله ان يورثها الحكم ويبتر دابر البعثيين فماذا نتوقع حينئذ من المعارضة هذه ؟ لا شك ان سياسة رد الجميل لمن آواها ودعمها لوجستيا طوال سنوات حكم البعث العجاف ستكون من أولويات رجالها القادمين الى دفة الحكم. وهذه القضية ليست بدعة سياسية فالامر ذاته كان سيتحقق للسعودية لو انها بادرت الى دعم واحتواء المعارضة في سنوات نضالها ضد نظام البعث يومها كانت العلاقات السعودية الصدامية تعيش سني عسلها.

 وما حصل مع ايران والمعارضة العراقية حصل مع السعودية ذاتها ايام حكم طالبان التي كانت السعودية من اكثر داعميها حيث تحولت كابل في عهد طالبان الى حديقة خلفية للسعودية بينما لم تستطع ايران ان تحصل على موطئ قدم لها في افغانستان وكذلك الحال مع باكستان التي دعمت هي الاخرى المعارضة الافغانية فجنت ثمار ذلك الدعم بعد حين. فهل يتوقع عدم وجود نفوذ باكستاني داخل افغانستان بعد وصول اصدقائها للحكم في افغانستان ؟ أمر يرفضه المنطق والعقل.

 في النهاية نقول ان النفوذ الايراني في العراق هو نتيجة طبيعية لسنين طويلة من التعاون المثمر بين ايران واصدقائها الحاليين في الحكم فايران ليست مؤسسة خيرية تدعم بلا ثمن وعدم وجود نفوذ رسمي سعودي هو الاخر نتيجة طبيعية لمجافاة السعودية ومقاطعتها وقتئذ للمعاراضة العراقية السابقة الحاكم الحالي للعراق. وقديما قالوا من جدَّ وجد ومن زرع حصد.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com