القضاء .. أم .. المخابرات؟

 

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

"إذا فسد القضاء والتعليم فسدت البلاد" ,لم أعد أذكر قائل هذه العبارة بسبب كثرة "الفيروسات" التي أصابت ذاكرتي وجعلتني لا أنسى اسم ذاك الرجل فحسب,ولكن الحليب الأصيل الذي رضعته -في سالف الأيام-من صدر ست الحبايب رعاها الله.ولابد أن أعلى المراجع الوطنية في سوريا, والتي يؤرقها الشأن العام,وتهتم به, قد وضعت نصب أعينها هذه المقولة الهامة وهي تشرع في عملها الوطني الذي يستأثر على الكثير من الاهتمام. وبغض النظر عما يقال من إجحاف وتجنٍ أصاب البعض,فقد لاقت الخطوة التي اتخذها السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد استحسانا وتفاؤلا كبيرين ,لأنه عندما يستشري السرطان فلا ينفع معه سوى البتر والاستئصال.فكما هناك أبرار وشرفاء ,هناك أيضا أبالسة وشياطين. وإن كانت العيون والقلوب والمآقي المحبطة ,ولا تزال, تتطلع نحو رؤوس أكبر أينعت وحان قطافها "إصلاحيا" وقانونيا وليس "زرقاويا" أوعلى طريقة الحجاج.وربما ستلاقي حماسا واستحسانا وتصفيقا أكثر مما لاقاه قرار فصل القضاة برغم أهميته القصوى ومغزاه الكبير,وما يحمل من دلالات وإشارات لآخرين مازالوا "نائمين" في عسل الفساد. ويقف الجميع ,وبلا أدنى شك, مع كل تلك الخطوات الطيبة التي تحمل طابع التجديد والتغيير ,والإصلاح والتي تعكس نوايا طيبة وصادقة لإحداث تلك النقلة النوعية المطلوبة والمتوخاة التي ينتظرها الجميع بصبر بالغ الأوصاف.فالقضاة الذين من المفترض بهم أن يحقوا الحق ,وينشروا العدل هم الأولى بالاستقامة والابتعاد ,والترفع عن سرطان الفساد الذي استشرى بشكل خطير يستدعي تدخل الجراحين المهرة,وستحال للشرفاء والمخلصين الأمناء منهم ,و"لاحقا" بمشيئة الله , كل القضايا التي ستطاول المفسدين والفساد. وإصلاح هذا الحيز الجوهري هو الأهم في انطلاق عملية الإصلاح.
ويعلم كثير من السوريين أن القضاء أصبح ساحة للمتنفذين, وأن القضايا تباع وتشرى في سوق أصبحت شبه علنية للتجار,والمزايدين.ولعلها ستعتبر من العلامات الهامة والفارقة في تاريخ التشريع والفضاء السوري ,ودرسا لكل من تسول له نفسه العبث بالعدل والأمانة التي عجزت الجبال عن حملها.ورغم أن البعض كان يتطلع ,أيضا ,نحو حل "نهائي ما" لمحكمة أمن الدولة العليا في غمرة هذا المد الإصلاحي المبارك,والتي لم يعد لها من مبرر في ضوء ما يحكى ويسرّب عن إجراءات, ومحاولات للابتعاد عن كل أشكال التعامل القديم الذي انتهت صلاحيته ومبرر وجوده مع الزمان ,بسبب فشل تلك الأساليب العقيمة في جلب الأمان لأحد,وبسبب ما يعيشه العالم من أقصاه لأقصاه من متغيرات,ولعل مراجعة متأنية ودقيقة لأساليب عمل وتاريخ ومبرر وجود هذه المحكمة ستكون مبعث سرور وراحة لدى عموم الناس بما لها من تاريخ لا يسر على الإطلاق. ولعلها ستكون الخطوة الأهم في هذا المجال .وكم يتطلع المحبون لسوريا, أيضا,لقرار معاكس بتبرئة من يقبعون في السجون على خلفيات سياسية,وتبييض السجون السياسية, وعودة روادها لأسرهم,وأطفالهم , ورد الاعتبار لهم بعد إطلاق سراحهم لتكتمل وتعم الفرحة, ويكبرالعرس الوطني العام .
هذا,وللأسف, تحمل ,أحيانا,الأنباء القادمة من الوطن الحبيب على كثير من نوادر وقصص الفساد,والتشويه والتخريب والخراب, التي يندى لها جبين الأحرار,ولا يملك معها السوري سوى أن يضرب كفا بكف, ويترك أمره لله رب العالمين,و"للإصلاحيين", لتخليصه من هذا الداء اللعين وهذا المصاب , بحيث أصبح معرفة من أين نبدأ معضلة شائكة تحير أعتى الاستراتيجيين والخبراء . وهذا ما سيتطلب ,بالمآل, فتح كثير من الملفات التي بدت عصية,وفي مأمن, حتى الآن.وسلامة الأوطان,وبقاؤها تستدعي ألا يبقى أحد فوق القانون, وبعيدا عن السؤال.
ولعل الخطوة التالية تقتضي التعريج على جهاز آخر أنيطت به مهمة الأمن وحماية الوطن من عبث العابثين,ولهو اللاهين,وأصبح مرتعا للكثير من الأقاويل والتجاوزات التي أضرت بمصلحة الوطن وأمنه بشكل عام,وإن كنا نعتقد جازمين ,بالبراءة التامة لسورية من كل مايحاك لها في الخفاء من قبل الأشراروالمتربصين ,وألا يعطى مبررا لأحد بالإشارة إلى مكامن العيوب ومواطن الضعف والخلل.وهناك ,وللأسف الشديد, من أسهم في رسم هذه الصورة القاتمة.ولقد أثبت الجهاز الأمني,وبرغم الكثير من الأخطاء التي ظهرت على هامش مسيرته,علو كعبه ,ومهارة فائقة ,في مجال تحقيق الأمن والطمـأنينة للمواطنين,وهذه شهادة للتاريخ والزمان ,برغم الإدانة التامة لبعض الممارسات التي جرت في غفلة عن الزمان والأنام.ولم يكن كله مسرحا للخطيئة والنواقص والآثام .وتعتبر سورية,وبكل فخر واعتزاز, واحدة من الدول المشهود لها في مجال الأمن ,وهذه واحدة تحسب له,كما أن هناك أشياء ,وربما أكثر, تحسب عليه.فهناك الكثير من الممارسات الخاطئة والمؤلمة التي جرت,وهناك من استغل العمل بهذا الجهاز الحيوي لتحقيق منافع مادية وشخصية صغيرة انعكست سلبا على سمعته العامة والصالح العام,وهذا ما ينتظر تدخل أيادي "الأطباء" المهرة,أصحاب النوايا الطيبة, لاستئصالها تماما.فقد جعل البعض من الجندية وشرفها سبة ولعنة,ومن الفروسية لصوصية,والمنصب إقطاعية,والأمانة مطية لتحقيق دونيات وغايات شخصية.وهناك من شوّهوا وجه سوريا الجميل بكل جمالها وغناها بتاريخها ,وطبيعتها ,وبأهلها نساء ,ورجالا,وأطفالا وشيبا وشبابا.وأزكمت فضائح البعض الأنوف,وبلغت سمعتهم الآفاق بكل ما فيها من تحلل ,واستغلال وانفلات لا يستطيع مئات القضاة ,ومهما فعلوا من موازاة أفعالهم.وينتظر عموم السوريين ضرب هؤلاء ,وأمثالهم,بيد من حديد,وبأشد مما طال القضاة لأنهم استغلوا الثقة الغالية,وشرف الأمانة,وعاثوا فسادا وخرابا بالأرض والناس.
وللأمانة التاريخية,فقد لعب جهاز المخابرات السوري,وبرغم كل ما يقال عن بعض الممارسات الخاطئة التي تمت الإشارة لها على أعلى المستويات,دورا مشرفا في تحقيق شكل مقبول,برغم ضغطه وتعسفه أحيانا,من الأمان ,وأحبط الكثير من الأعمال الإجرامية التي استهدفت سلامة ابنائه في أرجاء الوطن.وفي هذه الحالة من المعيب والنقاصة بخسه حقه.وهناك الكثيرون من ضباطه الشرفاء الذين يعملون بشرف وكد وصمت ,ولم تلوث أياديهم البيضاء بالسواد بالرغم من الكثير من المغريات.
هذا ولن تشكل إجراءات مطلوبة,ومن هذا القبيل,وفي هذه المرحلة الحساسة بالذات, أي تهديد للوطن ,أو مسا بسيادته وكرامته ,لأن سيادة الوطن وعزته هي في سلامة ,وحرية أبنائه وشعورهم المطلق بالعدالة والمساواة التي يعيش الجميع تحت ظلالها ,ويحسّون بشرف الانتماء لسوريا التاريخ والحضارة والتجديد.
 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com