|
ميلودراما تحرير العراق من العراقيين حمزة الجواهري قرأت أخيرا إن شكسبير لم يكتسب عظمته إلا بعد أن كتب للمسرح، لذا قررت أن أتفرغ لكتابة المسرحيات. المشهد العراقي يفرز صورا غريبة وعسيرة على الفهم بالنسبة للمراقب الغير عراقي، وخصوصا إذا كان غبيا، وما أكثر المراقبين الأغبياء، أو من يرغب باستغناء نفسه لغاية في النفس، بالتأكيد غير مشروعة. الصورة التي تترك دائما علامات استفهام كبيرة جدا، أو سؤال ربما أكبر من السؤال عن مخبأ الزرقاوي، حيث الإجابة على هذا السؤال الأخير تعني مبلغ خمسة وعشرين مليون دولار عدا ونقدا، تعتبر مالا حلال وغير خاضع للضريبة أو حتى الزكاة والخمس. ولكي لا أتهم بالطائفية، سوف اسمي السنة بعرب الغرب العراقي أما الشيعة سوف نسميهم بعرب الجنوب، لأن تسمية سنة وشيعة أصبحت تثير حساسية من نوع جديد لا دواء له في الأسواق. السؤال الكبير الذي يفرض نفسه هو لماذا عرب الغرب العراقي متمسكين إلى هذا الحد بالعروبة؟؟؟!!! في حين أن العربي في الجنوب، بلا استثناء، يشعر بالغثيان، أو حتى التقيؤ مباشرة لمجرد سماعه كلمة عروبة؟! في حين أن الجميع يدعون دائما إن العراقيين شعب واحد ولا يوجد بينهم فرز طائفي، فلماذا يشذون بهذه الرؤى بما يخص الانتماء للعروبة؟ في حين أن العراق لم يعرف عربا سكنوا العراق قبل عرب الجنوب. ففي مرور سريع على تاريخ العراق في مكتبة كانت كتبها ملقاة على الرصيف لم يكترث لها أحد ولم يرغب بشرائها حتى تجار الخردة، ولم يجرء كتابها ولا الناشرين لها على ذكر أسمائهم، ربما خشية أن تخترق جدران منازلهم سيارة مفخخة أو يقتحم أبوابها مجاهد بحزام ناسف، وأستطيع أن أزعم أن مكتبات مصر بالكامل قد خلت منها، حتى مكتبة الاسكندرية التي تبرع لها صدام بمبلغ مئة مليون دولار أمريكي عدا ونقدا من أملاك كان قد ورثها عن السيدة صبحة، قيل أنه التبرع الأكبر، وليس لهذه الكتب وجود أيضا في مكتبات سوريا العروبة ولا الأردن ولا السعودية ولا أي بلد عربي حتى جنوب لبنان الذي قيل عنه يمتلك أكبر ترسانة من الكتب القديمة والحديثة تريد أمريكا أن تنتزعها من مليشيات الجنوب اللبناني. في هذه المكتبة الملقاة على أحد الأرصفة العراقية والتي نجت من ايدي رجال مخابرات صدام والغزو الأمريكي للعراق، وجدت أن الحيرة تقع في جنوب العراق، حيث كانت من أكبر عواصم العرب قبل الإسلام، وفي الجنوب العراقي أيضا كانت الكوفة ثاني عاصمة لدولة الخلافة الإسلامية بعد المدينة المنورة، وقامت الدولة العباسية هناك أيضا والتي تعتبر أعظم دولة إسلامية عربية في التاريخ، ونستطيع القول إن أهم علماء اللغة العربية وفقهائها ونحوييها كانوا إما من الكوفة أو البصرة، وإن أهم الثورات الإسلامية العربية كانت في العراق الجنوبي، كثورة المختار وثورة الزنج وأبن الحنفية وإبن الأشعث والكثير الكثير من ثورات الغوغاء التي أسست للفكر الثوري الإسلامي، وفي الجنوب العراقي أيضا ظهرت كل الفلسفات العربية الإسلامية وترعرعت، حيث ظهر المعتزلة وإخوان الصفا والفلسفة الصوفية وكل الفلسفات العربية الإسلامية، حيث جميعها أول ما ظهرت هناك وترعرعت حتى كبرت وسادت، وفي البصرة تحديدا تأسس علم البلاغة على يدي الجاحظ ليأتي بعده الكثير من علماء البلاغة العربية، كما وإن أهم وأكبر فحول الشعر العربي كانوا من الجنوب العراقي كالمتنبي وبشار بن برد والشريف الرضي وآلاف الشعراء في العصرين الأموي والعباسي والوسيط، وأستمر جنوب العرق في إنجاب أكبر الشعراء الكبار حتى نصل إلى العصر الحديث للحبوبي والجواهري ومصطفى جمال الدين ونازك الملائكة والسياب والقائمة تطول بما لا يتسع لها هذا المقال! فهم من جعل العرب يفخرون بالتراث العربي على مر العصور وحتى يومنا هذا! ومنْ غيرهم يشار له بالبنان عند الحديث عن الثقافة العربية والإسلامية؟ وهم أيضا من أدخل جميع الأفكار العروبية للعراق، حيث دخل البعث للعراق على أيديهم ودخلت جميع الأحزاب العروبية الأخرى أيضا للعراق. لكنهم اليوم كفروا بالعرب والعروبة أحزابا وفكرا!! السؤال المهم يطرح نفسه، لم وصل عرب الجنوب لهذه النتيجة بعد أن كانوا هم من أسس لكل شيء؟! حتى إننا نرى اليوم العراقي العربي في الجنوب يبحث عن نعاله القديم لكي يستقبل به عمرو موسى حين يصل للعراق قريبا بعد أن تنبه أخيرا أن هناك ""مصيبة بتحصل هناك في العراق"" على حد قوله! ومازال البحث جار في مزابل العراق الكثيرة والشامخة بعلوها عن النعال القديمة جدا، خصوصا تلك المصنوعة من التاية والبلاستك المعاد تصنيعه وقت الحصار، لكي تكفي عمرو ومبعوثه أحمد بن حلي الذي سوف يصل قبله. مما تقدم نستطيع أن نقول أن ليس للفكر الديني علاقة بهذه المفارقة، ولا غبار على عروبة أبناء الجنوب، فالجنوب العراقي هو من منح الهوية للثقافة العربية، وهو من يمتلك مفاتيحها ومغاليقها أيضا، ولكن بلا أدنى شك كان لسلوك العرب وسياساتهم التي أنصبت بشكل مركز على أسس، قيل أنها طائفية، رغم تأكيد المتحدثين أنها ليست كذلك، قد انصبت ضد هؤلاء العرب الجنوبيين، ليس هذا وحسب، فجميع الحكومات العروبية لم ترى بقتلهم عملا إجراميا يستحق الإدانة والتبرء منه، بالضبط كما كان المهاجرين الغربيين إلى استراليا يفعلون بالأبورجنيز، السكان الأصليين في هذه القارة، حيث كان أصطيادهم كما الحيوانات البرية مصرح به قانونيا، حتى صدر قانون في مطلع الستينات من القرن الماضي يحرم اصطيادهم واصطياد حيوان الكنغر الذي تفردت به قارة استراليا، هكذا ينظر العرب إلى عمليات قتل عرب الجنوب على أيدي البعثين والأزارقة التكفيريين، حيث بعد كل عملية لقتلهم، ترتفع الزغاريد وتقام الأفراح في البلدان العربية كلها، وليس الأردن فقط، عفوا أقصد الزرقاء في الأردن، وتمتد الأيادي للمصافحة بهذا النصر العظيم على عرب جنوب العراق. فهل انتبه العرب العروبيين أخيرا أنهم يرتكبون خطأ ما بحق هؤلاء البشر؟ مما لا شك فيه إن عرب الجنوب تحديدا أدركوا تماما أن لا أحد يحميهم سوى أنفسهم، فالحكومات المتعاقبة والتي حكمت العراق والتي سوف تأتي أيضا، أثبتت أنها غير قادرة على حماية العراقي الجنوبي المستهدف علانية على أساس من هويته، وأخيرا يبدوا أنهم قرروا الدفاع عن أنفسهم بأيدهم، وهو حق تضمنه الشرائع الإنسانية بلا استثناء، فتشكلت عشرات المليشيات المدججة بالسلاح حتى آذانها، وقيل أنها تمتلك أسلحة متطورة تستطيع أن تخترق الدروع وكذا جدران الجوامع الكونكريتية في المنطقة الغربية، ولها قدرة على معرفة أعضاء هيئة علماء المسلمين، بل وتعرفهم بالاسم، وتستطيع أن تتعقبهم أينما وجدوا، وقيل أيضا أن هناك ماردا يتململ لينهض من تحت الرماد الذي خلفته مفخخات الزرقاوي الكثيرة ليواجه الأزارقة والبعثيين أينما وجدوا على الطريقة الزرقاوية، قيل أن لونه أخضر، فهو إذا خضراوي، وقيل أيضا أنه جاء من إحدى دول الجوار، ولكن مع تطوير آخر جديد يضيف له قيمة تدميرية أكبر، هدفه، كما قيل، والعهدة على الرواة، هو عرب الغرب العراقي وأسواقهم ومدارس الأطفال هناك، ومساطر العمل اليوميين، وملاعب كرة القدم التي يرتادها ألأطفال. هذا ما أثار عرب دول الجوار وأسقط من أيديهم الوسيلة، أو البرنامج ألتدميري الدموي، لإجبار عرب الجنوب على القبول بالخيار البعثي العروبي الذي ترعاه دول الجوار والجامعة العربية وينفذه بكل بشاعة البعث العراقي والسوري وأوباش السلفية التكفيريين. هذه هي الخلفية التي تبدأ منها أحداث المسرحية، أو الميلودراما التي نكتبها تحت عنوان ""أسرار تحرير العراق من العراقيين"". على تلك الخلفية، تبدأ الأحداث بالتحضير لوصول أحمد بن حلي مبعوث عمرو موسى للعراق، ومن بعده وصول الأخير باستقبال حافل بالنعال القديمة. مباشرة بعد الوصول يبدأ عمرو بتجريد مليشيات عرب الجنوب من السلاح، ومن ثم تبدأ أحداث اصطياد الخضراوي والتي تنتهي بتكتيفه بذيله، ليعود به إلى مصر العروبة والإسلام، حيث سوف يستقبله الشعب هناك بالاحتفالات والأعراس بعد أن عاد ""وجاب الديب من ديلوه، الخضراوي اللعين"" لكي تبقى الساحة العراقية حكرا على الزرقاوي والبعث العراقي والسوري واليمني والأردني والمصري وحتى البعث البريطاني المتمثل بالبي بي سي وحزب المحافظين، ووكالة رويتر للأنباء، وحزب جاك شيراك، البعث الفرنسي، وجميع أحزاب اليسار الأوربي والآسيوي، فكلهم من الأحزاب التي تنتمي للأممية البعثية. لذا يجب أن أتفرغ لجمع أكبر قدر من الأوراق لكتابة هذه المسرحية، وأترك عرب الجنوب يجمعون النعال القديمة للاستقبال الحافل لحبيب الشعب عمرو موسى وسفيره أحمد بن حلي.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |