لا يحق للكويت منفردة تطوير حقولها الشمالية

حمزة الجواهري*

hjawahri@hotmail.com

 

منذ فترة والحكومة الكويتية تحاول أن تطور حقولها الشمالية، وبذات الوقت تلاقي اعتراضات داخلية جدية من قبل أعضاء في البرلمان الكويتي، تحديدا اللجنة المالية، لكن وزير الطاقة أكد عدم وجود نية لدى الحكومة بمناقشة تقرير اللجنة حول حقول الشمال، كما لم تفكر الحكومة في سحب مشروعها أو سحب تقرير اللجنة المالية حسما للجدل الدائر حول هذا المشروع الذي تصل قيمته إلى عشرين مليار دولار، بهذا تحاول الحكومة فرض مشروعها خرقا لأعراف الكويت الديمقراطية، وهذا الأمر ليس موضوع بحثنا، ولا حتى محتوى التقرير، لأنه أمرا داخليا كويتيا بحت، حيث أن الخلاف الكويتي الداخلي لا يتعلق بمسألة الشراكة العراقية المتوقعة أو الأكيدة في هذه الحقول، لكن الخلاف ينحصر في مسألة أخرى مختلفة، وهي أن القانون المحال إلى مجلس الأمة يحدد الإطار العام للاتفاقية التي ستبرم مع الشركات، حيث يحظر هذا القانون في إحدى مواده الاستعانة بالوكيل المحلي، وأجاز فسخ العقد إذا ثبت وجود هذا الوكيل فيما بعد، وذلك لضمان الحصول على التكنلوجيا المتطورة في الصناعة النفطية لكثرة وجدية التحديات بتطوير هكذا نوع من المكامن النفطية العميقة، في حين أن الشركات الكويتية تريد أن تأخذ نصيبها من خلال توليها عمليات تطوير هذه الحقول، أي إن الخلاف برمته يبدو داخلي، حيث لم يأخذ الأخوة في الكويت الجانب العراقي بنظر الاعتبار، ولم يحسب له حساب، لا من جانب الحكومة ولا البرلمان.

أما ما نراه ليس أمرا كويتيا فقط هو كون هذه الحقول موضوع النزاع تقع محاذية للحدود العراقية، وهنا ينشأ أمرا مهما جدا لابد لدولة الكويت أن تنتبه له، ولابد للحكومة العراقية أن تنتبه له أيضا، وهو أن هناك دلائل كبيرة وكثير جدا على احتمال أن تكون المكامن النفطية في هذه الحقول تمتد إلى الأراضي العراقية، وبهذا تكون ملكية مشتركة بين الكويت والعراق، لأن الخرائط الجيولوجية التي توفرها الجهات الفنية في هذه المرحلة، بالتأكيد، غير دقيقة ولا يستطيع أحد التحديد بشكل قطعي ومضبوط حدود المكمن النفطي، هذا بالإضافة إلى أن معظم هذه الحقول تدخل فعلا ضمن نطاق الأراضي العراقية حتى بعد رسم الحدود الجديدة، والتي لم يعطي العراق الجديد رأيا بها لحد الآن، لأنها تمت بمعرفة طرف واحد، وتحت شروط اتفاقية مذلة مع النظام المقبور وهو بوضع كوارثي، وكان همه الأكبر هو إنقاذ الدكتاتور رأس النظام، ومن ثم إنقاذ النظام المتداعي تحت ضربات القوات الأممية التي حررت الكويت من جانب، ومن جانب آخر، بوادر اندلاع الانتفاضة في عراق محطم بالكامل.

رغم العبارات الدبلوماسية التي يطلقها المسئولون العراقيون حاليا، فأن مسألة رسم الحدود على الأرض مع الكويت، يعتبر أمر غير محسوم بالكامل، حتى لو صادقت الأمم المتحدة على تلك الاتفاقيات المذلة، وكذا التحديد الفني برسمها على الأرض من طرف واحد في وقت كان العراق يعد دولة منقوصة السيادة وغير كاملة الأهلية، وهذا الأمر، بالطبع، لا يجب أن يسقط حق العراقيين بأرضهم وحقهم بملكية ثرواتهم الوطنية، كون العراق لم يكن شريكا برسم الحدود هذه ولم يساهم بتحديدها من الناحية الفنية على الأرض، لأن الخرائط شيء، والحدود على الأرض شيء آخر مختلف تماما.

أي لدينا أمرين مهمين هنا، الأول هو أن الحقول لم يجري تحديدها بشكل دقيق ولكم يجري تحديد مستوى الماء تحت النفط في المكامن، وثانيا مسألة رسم الحدود من النواحي السياسية والفنية كما هي أرض الواقع، بالإضافة إلى جوانب أخرى فنية تتعلق بتطوير هذه الحقول يمكن أن تكون مثارا للجدل في حال الطعن بحسن النوايا، وهذا ما لا نتمنى أن يحدث.

ففي حالة أن هذه الحقول تدخل في الأراضي العراقية حسب الخرائط الجيولوجية التي اعتمدت عليها مشاريع التطوير، فإن تطويرها يصبح ملزما أن يكون من قبل الطرفين، لأن حالة مثل هذه تعتبر من البديهيات التي لا جدال فيها. أما في حالة أن هذه الخرائط لم تدخل في الأراضي العراقية كما نراها من خلال ما توفره الحكومة الكويتية من خرائط، فإن هذا الأمر ينطوي على احتمالين قائمين وهو أن تحديد مستوى الماء تحت النفط قد يكون أعمق عما تظهره الخرائط، فلو كان عمق هذا المستوي أوطأ بخمسين أو ستين قدما، فإن ذلك يعني أن الخرائط سوف تتسع بمسافة أفقية بحدود كيلومتر أو أكثر، هذا إذا لم تكن أجزاء من التركيب الجيولوجي الذي يمثل الحقول موضوع التطوير تقع في العراق، فإن وجود مستوى النفط أعمق بخمسين أو ستين مترا، فإن ذلك قد يعني أن الحقلين مرتبطين وما سوف يتم إنتاجه من قبل أي طرف سوف يعني مشاركة الطرف الثاني. إن مثل هذا نوع من الحقول يتم إنتاجها في العادة بعد عقد اتفاقيات مشتركة بين البلدين ويتم تقاسم الفائدة على أساس حجم النفط الموجود في أراضي كل بلد.

أما النقطة الثانية التي تتعلق بالخطأ الوارد في الخرائط الجيولوجية، خصوصا لو كانت المكامن عميقة بوجود طبقات ملحية فوق المكمن النفطي، فهي في هذه الحالة تكون عرضة لتشويه صورة المكمن التي تبدو حسب المسح الجيوفيزيائي، وكما هو معروف عن المنطقة أنها تحتوي على مثل هذه الطبقات الملحية، وهي في العادة ذات سمك متغير بشكل كبير جدا، ما يشوه صور المسح الجيوفيزيائي بشكل كبير أيضا، فربما تكون هذه المكامن في حقيقتها تنحرف عن موقعها كما حدده المسح الجيوفيزيائي نحو الأراضي العراقية أو الكويتية. لا أريد أن أخوض أكثر من ذلك في مسألة الطبقات الملحية، لأن الجيولوجيين والجيوفيزيائيين في كلا البلدين يجب أن يتولوا أمرها وأمر التشويهات التي يمكن أن تسببها على الخرائط.

هناك مسألة أخرى جديرة بالذكر وهي التطور الثوري الذي حصل في تكنلوجيا الحفر المائل والأفقي لآبار النفط، بحيث يمكن الإنتاج من مناطق تبتعد عن موقع رأس البئر بمسافة قد تزيد على سبعة كيلومترات، وهذه مسافة كبيرة جدا في موضوع تطوير الحقول النفطية التي تقع محاذية أو على الحدود السياسية بين بلدين.

صحيح أن العراق قد أصبح نهبا لكل من هب ودب من دول الجوار، لكن ما كان متوقعا من الكويت بالذات أن تتجاهل الحق العراق وحقوق الجوار، وإن تكون أكثر تعقلا في هذه الأمور، لأنها خطيرة جدا ولها تداعيات لا تحمد عقباها على المستوى الرسمي والشعبي، فلو كانت الحكومة العراقية تعاني حاليا من ضغوط كبيرة وتحديات لا قبل لها على موجهتها، لذا يتوقع الأخوة في الكويت تغافلا عن هذا الأمر من قبل الحكومة، لكن ربما نسي الأخوة أن هناك دورا فاعلا للمجتمع المدني الحديث العهد في العراق قد أصبح حقيقة لا يمكن تجاهلها، ولا يجد الشعب العراقي بدا من اتخاذ المواقف المناسبة في حال وصل الأمر إلى ثروته الوطنية، هذا فضلا عن التضامن المتوقع من قبل جميع الأطراف في العراق حول هذه المسألة، فربما ستكون هي الوسيلة التي توحد الفرقاء من جميع التكوينات المدنية على الساحة السياسية العراقية.

قد تضيف هذه الحقول شيئا من الثروة لدولة الكويت، لكنها لا تزيد من حالة الاطمئنان لجارتها التي سوف تعود يوما ما قريب جدا قوية وذات باس، أرجو أن لا يعتبر الأخوة في الكويت هذا الأمر تهديدا، أبدا، لأن كاتب هذه السطور لا يمثل إلا نفسه، ربما يمثل رأيا عاما لبعض العراقيين، لكن القصد من وراء كتابة الموضوع هو إبداء النصيحة الفنية من حيث الأساس، والرجوع إلى منطق العقل، والتريث قليلا، أو على الأقل الاتفاق مع الحكومة الحالية على أسس ومبادئ عامة بشأن التطوير كونها حكومة تعتبر كاملة الشرعية.

ـــــــــــــــــ

*مهندس نفط متخصص بإنتاج وتطوير الحقول النفطية والغازية
 


 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com