مهزلة الانقلابات المسلحة في جريدة الصباح

 

 

 

جودت هوشيار

1- مقدمة

 لم تعرف الأحزاب العراقية السرية ( التي نشأت في ظروف قاسية، بالغة التعقيد ) ، الديمقراطية في حياتها الداخلية و ممارساتها الفعلية،على الرغم من  الشعارات التي كانت ترفعها على مدى عدة عقود من الزمن،وقد سقط النظام الفاشي بدخول دبابتين أميركيتين لاغيرالى وسط مدينة بغداد،لأن الاستياء الشعبي الشديد من النظام الفاشي كان قد بلغ مداه الأقصى  . وكانت الجماهير المغلوبة على أمرها والتي عانت طويلا من حكم دموي جائر، على استعداد نفسي لمنح ثقتها لأحزاب عريقة قارعت هذا النظام وقدمت تضحيات  سخية  في سبيل إسقاطه ، عبر صراع دموي امتد لأربعين عاما و لكن مما يؤسف له حقا إن أحزاب المعارضة التي ملأت الفراغ السياسي بعد سقوط النظام العفلقى، لم تحول شعاراتها إلى ممارسات فعلية على ارض الواقع. وقد يقول قائل إن سلطة الاحتلال قد حالت دون ذلك،بيد أن  الأحداث والوقائع وسلوك بعض السياسيين من  النخبة الحاكمة تؤكد إن أصل البلاء يكمن في  الصراع الحزبي على السلطة والنفوذ من اجل تحقيق المصالح الفئوية والحزبية،ويستنزف هذا الصراع شبه العلني -على الرغم من محاولات التعتيم عليه- معظم طاقة وجهد ووقت قسم كبير من أفراد النخبة السياسية الحاكمة                                                                              

.وكما كان الأمر في ظل النظام السابق ،فأن هذه النخبة تدرك جيدا مدى خطورة الدور المؤثر والفعال الذي تلعبه وسائل الأعلام في صنع وتشكيل ألرأي العام ،لذا تحاول جاهدة ترويض  الإعلاميين واستمالتهم سواء بالترغيب ( منح الامتيازات والمناصب) أو بالترهيب ( الطرد من المؤسسات الإعلامية الحكومية أو حرمان المؤسسات الإعلامية الخاصة من الدعم الحكومي بشتى أشكاله مثل الإعلانات ومرافقة الوفود الحكومية إلى الخارج و دعوتها إلى المؤتمرات الصحفية و إجراء اللقاءات معها وغير ذلك من العقوبات).

وفى ظل ضعف الأداء الحكومي وتعدد مراكز القوى والصراع الحزبي والطائفي والتدخل الفاضح لدول الجوار في الشؤون الداخلية العراقية ودعمها المالي والتسليحى لهذه الجهة أو تلك و في أجواء غياب القانون ،عندما تفشل هذه المراكز في تحقيق إغراضها بالوسائل السلمية تلجأ إلى استخدام  العنف والقوة المسلحة بما لا ينسجم مطلقا مع شعارات الديمقراطية والأعلام المستقل االتى ترفعها لتضليل الجماهير،وهذا الطلاق بين القول والفعل هو ابرز ما يتميز به معظم أمراء السياسة الجدد من النخبة الحاكمة  بشتى اتجاهاتهم الفكرية والسياسية.

ومهزلة الانقلابات المسلحة في جريدة الصباح الحكومية مثل صارخ على هذا الطلاق بين القول والفعل، ولكن لنبدأ الحكاية من أولها.

2- بداية الحكاية :

بعد سقوط النظام الفاشي تسابقت الأحزاب (التي ملأت الفراغ السياسي) في الاستيلاء على الممتلكات العامة،حيث استولى حزب احمد الجلبى على مباني ومطابع جريدة الثورة واستولت حركة الوفاق على مباني ومطابع مدرسة الأعداد الحزبي( وهى مدرسة تخرج فيها العديد من قيادي الحركة)واستولت أحزاب وحركات أخرى على نصيبها من الغنائم، لأنها تعتبر هذه الغنائم تعويضا ماديا عن نضالها ضد النظام الدكتاتوري و هي لا تريد أن تميز بين المال العام والخاص ما دامت تمسك بزمام الأمور( وكما كان يفعل النظام الساقط،).

 وفى الأيام التي أعقبت سقوط  هذا النظام  ملأ الأعلام الحزبي الجديد  بإمكانياته المالية الكبيرة الفضاء الأعلامى العراقي وقامت سلطة الاحتلال اثر حل وزارة الأعلام  ومؤسساتها الصحفية بإصدار جريدة ( الصباح ) لتصبح الناطق الرسمي للحكومة التي تشكلت في ظل مجلس الحكم الملغى، وكان الصحفي  إسماعيل زاير(العائد توا من الخارج) أول رئيس تحرير لها، وقد وضعت إمكانيات ضخمة تحت تصرف زاير من مباني ومطابع حكومية وأجهزة  واليات وراتب مغرى ،وصلاحيات واسعة،بيد أن زاير ترك العمل في الجريدة

 وقام بإصدار  جريدة جديدة تحت اسم ( الصباح الجديد) وبتمويل مجهول لحد الآن، وعلى الرغم من أن زاير قال بأنه يريد جريدة مستقلة لا تخضع للأشراف الحكومي ، إلا أن الجريدة الجديدة لا تختلف عن جريدة الصباح( من حيث المنحى وألأتجاه والتحرير) ، وان كانت متخلفة عنها بمراحل من حيث المستوى الحرفي والاستقلالية ، فالجريدة الجديدة تنعم بمباركة السلطات التي تغدق عليها الإعلانات الحكومية ، على الرغم من محدودية انتشارها

وقد تولى محمد عبدا لجبار الشبوط (وهو من كتاب الإسلام السياسىومنشق عن حزب الدكتور الجعفري) رئاسة تحرير ( الصباح ) بعد خروج زاير منها.حيث انحازت الجريدة إلى جانب رئيس الحكومة القائمة في ذلك الحين الدكتور أياد علاوى وأصبحت أداة لتلميع صورته خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في الثلاثين من شهر كانون الثاني الماضي كما سخر الدكتور علاوى محطات الإذاعة والتلفزة الحكومية لصالح حملته الانتخابية، ولم يكتف بذلك ، بل دفع ( كما يقال ) ملايين الدولارات من خزينة الدولة للقنوات التلفزيونية العربية لقاء  الدعاية الانتخابية له ولقائمته المسماة العراقية ولعل القارئ يتذكر سلسلة حلقات (سيرة رجل ووطن ) في فضائية ( العربية ) التي دفعت تكاليفها من خزينة الدولة .

صحيح أن جريدة ( الصباح ) خطت بعض الخطوات المهمة نحو التطوير والإخراج الصحفي في الفترة الشبوطية الأولى  بفضل إمكاناتها المادية الكبيرة، ولكنها ظلت ناطقة باسم حكومة علاوى، تبرز انجازاتها المزعومة و تنشر صور رئيسها على الصفحة الأولى للجريدة على نحو لافت للنظر، وحين تولت الحكومة العراقية الحالية ( وهى أول حكومة منتخبة في تأريخ العراق) مقاليد السلطة ، تم عزل الشبوط من رئاسة تحرير الجريدة بقرار صادر من المدير العام لشبكة الأعلام العراقي في 29/6/2005 وبطريقة غير لائقة، حيث احتلت ميليشيا مسلحة مقر الجريدة وأمهلت رئيس تحريرها بضع ساعات لإتمام إجراءات التسليم  إلى نائبه الشاعر جمعة الحلفى الذي كلف برئاسة تحرير الجريدة دون أن يسعى أليها، وبعد هذا التغيير الدراماتيكي، تسابق بعض المحررين في الجريدة في الكشف عن الخروقات الإدارية والمالية لرئيس التحرير المعزول والامتيازات المزعومة التي كان يتمتع بها وضخامة راتبه الشهري البالغ عشرة ألاف دولار والسيارات الخمس الفارهة التي كانت تحت تصرفه وأسلوبه التعسفي في إدارة الجريدة وتفضيله للمحررين البعثيين الذين طالما طبلوا وزمروا للنظام المقبور، كما أفاضوا في كيل المديح لرئيس التحرير الجديد الشاعر الرقيق والمناضل الثوري جمعة الحلفى وقد نشرت الجريدة آراء هؤلاء المحررين في مكان بارز من الجريدة، كما نشر احد المحررين العاملين في الجريدة  مقالا في موقع الكتروني عقب إقصاء الشبوط  قال فيه إن صيغة العقد الموقع بين العاملين في الجريدة غامضة ، حيث لم يحدد فيها اسم الطرف الأول ، والمنتسب لا يعلم هل الطرف الأول هو شركة أم شبكة الأعلام العراقي وإن البند الخامس من هذا العقد العجيب ينص على حق الطرف الأول أن يطرد الطرف الثاني( اى المنتسب) دون سابق إنذار. ويعتقد كاتب المقال أن هذا البند التعسفي من ابتكار الشبوط. ومهما يكن الأمر فأن إقصاء الشبوط من الجريدة قد تم بطريقة مهينة واستنادا إلى البند الخامس المشئوم الذي سعى الشبوط لتطبيقه على العاملين المعارضين لدكتاتوريته ، فوقع فيه قبل غيره،  وحسب رواية هذا المحرر إن الحلفى قد دعي بعد تبلغه بألأمرالى اجتماع للعاملين في الجريدة وطالب بان يتولى رئاسة التحرير فورا ودون إبطاء، لأن الأمر الحكومي الصادر بتعيينه، أمر رسمي واجب التنفيذ.

ولكن من الأنصاف القول إن الجريدة في عهد الحلفى شهدت تطورا نوعيا لا مثيل له في تأريخ الصحافة العراقية، من حيث التحرير والإخراج الصحفي ، ثم أن  الجريدة و ملا حقها الخمسة ، ثرية بموادها العلمية والثقافية، وهى أفضل وارقي ما هو موجود في ميدان الصحافة العراقية  في الوقت الراهن.

وخلال الأشهر الثلاثة التي مضت على إقالة الشبوط ، لم يتوانى هذا الأخير من استخدام علاقاته بالشخصيات السياسية من اجل التوسط لأعادته إلى إمبراطوريته السابقة ويقال انه بذل المستحيل من اجل استعادة المجد المفقود، وعلى الرغم من تعيينه مستشارا إعلاميا لوزير الدفاع( وهو ليس بالمنصب الصغير وراتبه وامتيازاته معروفة) ولكنه لا يقارن بالعشرة آلاف دولار ولا السيارات الخمس الفارهة ولا بلذة التحكم بالمنتسبين ، وقد نجح الشبوط أخيرا فأستعاد منصبه في مسرحية معادة أشبه بمسرحية عزله ، حيث قام المدير العام لشبكة الأعلام العراقي حبيب الصدر( الذي عينه الدكتور علاوى في هذا المنصب عندما كان رئيسا للحكومة وهو شقيق حسين الصدر، عضو الجمعية الوطنية  عن القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور علاوى) بإصدار فرمان في 28/9/2005 وإرسال قوة مدججة بشتى أنواع الأسلحة لاقتحام مقر الجريدة وإخراج الحلفى منها بقوة السلاح وتنصيب الشبوط مكانه،ولم تعطى أية فرصة للشاعر الرقيق والمثقف الهادئ المتواضع الأستاذ جمعة الحلفى ، حتى لجمع إغراضه الشخصية.

 ويوجد في عراقنا المبتلى بالانتهازيين والنفعيين أناس يركبون الموجة ويميلون معها أينما اتجهت وجريدة الصباح ليست استثناءا ولكنها منبر اعلامى لا يمكن إخفاء أمورها طويلا، فقد صدرت الجريدة في الأول من تشرين الأول الجاري وهى تحمل في صدر صفحتها الأولى توضيحا تحت عنوان"حقيقة ما حدث في الصباح " مليئا بتبريرات غير مقنعة ونفاق مفضوح  ومديح لمدير التحرير الخبير في فض النزاعات الصحفية المسلحة ويعتقد بأنه بقلم الشبوط نفسه أو احد رجاله المخلصين في الجريدة ونرى من المفيد أن ننقل للفارىء تفاصيل الانقلاب الجديد من وجهة نظر الشبوط أو احد مؤيديه ورد الأستاذ الحلفى عليه: .

3-حقيقة ما جرى فى الصباح من وجهة نظر الشبوط:

صباح الأربعاء 28 / 9/ 2005 تبلغ الزميل جمعة الحلفي بإعفائه من رئاسة تحرير”الصباح “ التي أوكلت إليه بعد خروج الزميل محمد عبد الجبار الشبوط، وكان التبليغ مباشراً من قبل الأستاذ حبيب الصدر مدير عام شبكة الاعلام العراقي، والذي أبلغنا هاتفياً بأنه قدّم للزميل الحلفي أكثر من عرض مغر للاستمرار بالعمل في الشبكة، (نائب رئيس التحرير، رئيس تحرير مجلة جديدة تصدرعن الشبكة) لكنه رفض كل العروض واستدعى عدداً من المحررين وطلب منهم الموافقة على بيان يدعو للانفصال عن شبكة الاعلام وعدم الامتثال للأوامر والتبليغات التي تأتيه من الشبكة، ولا يعترف بحبيب الصدر وسلطة المدير العام. وقد تدخل أكثر من شخص في الجريدة لإقناعه بضرورة العدول عن موقفه، بما في ذلك الزميل فلاح المشعل مدير التحرير الذي طلب منه المثول للأمر والذهاب معاً إلى مقر الشبكة والحديث مع مديرها العام بغية الخروج بتسوية ترضي جميع الأطراف، لكن المؤسف أن الزميل الحلفي قد رفض كل المحاولات الودية وركب موجة الغضب، متوعداً الجميع بالعقوبات إذا لم يتفقوا معه بالموقف والرأي، وأنه مدعوم من مجلس الوزراء، وأن هناك قوة عسكرية سوف تحضر لإسناد موقفه الداعي للانفصال عن الشبكة وأوامرها، عند ذلك حضر مسئول أمن الشبكة وبروح من الودية والاحترام قدم للزميل الحلفي أمر إعفائه من رئاسة التحرير وتبلغ الزميل المشعل برئاسة التحرير وكالة لحين حضور رئيس التحرير المعين.عند ذلك ثارت ثائرة الزميل الحلفي واستدعى سكرتير التحرير التنفيذي طالباً منه إيقاف طبع الملاحق والاكتفاء بملحق واحد يحمل بيان الفصل عن الشبكة.. وهو ما دعا سكرتير التحرير التنفيذي إلى الامتناع وتقديم استقالته احتجاجاً على هذا الإجراء اللا مهني، وقتها تدخل مدير التحرير المكلف وكالة برئاسة التحرير وأخذ بزمام الأمور وتوجيه العمل وجهته اليومية الصحيحة، وقد لاقى هذا التدخل ارتياحاً نفسياً لدى العاملين، وعاد كل منهم لممارسة عمله الموكل إليه.في هذه الأثناء كانت ترد للزميل المشعل استفسارات من القنوات الإعلامية العربية العراقية، تسأل عن حشود عسكرية واحتلال مسلح، وكان يرد عليها بأنها محض أوهام ويطلب منهم الحضور لمبنى الجريدة للتأكد من ذلك... وعند الساعة الخامسة والنصف حضر الزميل الأستاذ محمد عبد الجبار الشبوط حاملاً معه الأمر الصادر عن شبكة الاعلام العراقي، القاضي بتعيينه رئيساً للتحرير، وكان برفقة الزميل الشبوط ثلاثة أفراد لحمايته الشخصية، وقد سبق لاثنين منهم أن عملوا معه كحماية عندما كان رئيساً لتحرير” الصباح “.وللعلم، فان أمن الجريدة منع دخول المرافقين المسلحين إلى قاعة التحرير سبقها دخول الزميل الشبوط ومصافحة الزميل الحلفي وبقية العاملين، ولم تمض دقيقة على الموقف حتى خرج الحلفي إلى وسط قاعة التحرير وفي حالة من الغضب والهيجان ووجه كلمات نابية للزميل الشبوط الذي امتص غضبه بهدوئه المعتاد.. وبعد نصف ساعة من ذلك الموقف كان الحلفي مشغولاً بمهاتفة أطراف سياسية وإعلامية مدعياً بأن الجريدة تعرضت إلى هجوم مسلح وأنها تعرضت إلى احتلال وغيره من كلام لا يحمل من الصدق أي شيء.. ثم غادر الزميل الحلفي وعادت الأمور إلى طبيعتها وانصرف العاملون إلى العمل.

4- رد الأستاذ جمعة الحلفى

اخترع الفريد نوبل الديناميت وكان غرضه من ذلك خدمة البشرية. ولم يمض طويل وقت حتى تحول الديناميت إلى اخطر سلاح ضد البشرية بعد أن وقع بيد الأشرار.

وسيلة الاعلام سلاح يشبه، في خطورته، اختراع نوبل، يمكن استخدامه لخير الناس ويمكن تحويله ضد هؤلاء الناس، والفيصل في ذلك هو من يملك ومن يتحكم بهذه الوسيلة، الأخيار أم الأشرار.

” الصباح “ وحتى الأمس القريب، لم تقدم على تشويه الحقائق، أو اختلاق القصص الكاذبة، أو الإساءة المقصودة لأحد، وهذا ما أتمنى، من القلب أن يستمر ويتعزز، لان” الصباح “ ليست ملكاً لرئيس تحريرها سواء أكان إسماعيل زاير أو محمد عبد الجبار الشبوط أو جمعة الحلفي، أو سواهم ممن سيساعده الحظ والقدر على الاقتران برئاسة تحريرها.

لكن هل قالت” الصباح “ الحقيقة في روايتها لـ” حقيقة ماحدث في”الصباح“؟

إذا كان بوسع الأخيار من أسرة تحريرها، رواية ماحدث، بتجرد وبصدق، أو بدون ضغوط أو مخاوف على لقمة العيش، فاعتقد أنهم سيعيدون رواية ماحدث بطريقة أخرى أكثر صدقيه وأكثر أمانة لشرف المهنة. فالجميع يعلم إنني لم اخرج من” الصباح “ مسروراً أو مبتهجاً ولا مهزوماً كذلك، فقد خرجت بعد أن رابطت ميليشيا السيد حبيب الصدر في جوار الجريدة وداخل مكتب استعلاماتها، منذ الصباح، وكانت تريد مني مغادرة الجريدة وتسليم مفاتيح مكتبي، أو اعتقالي، وليس هناك أي معنى وأي مغزى، خارج هذين الاحتمالين لمرابطة هذه الميليشيا في باب الجريدة، وإلا هل جاء هؤلاء المدججون بالسلاح والدروع ليقدموا التهنئة لرئيس التحرير الجديد؟

وإذا افترضنا جدلاً، إنني وحفنة من المحررين منزوعي السلاح، قررنا التمرد وإعلان العصيان المدني أو العسكري، كما يردد البعض، فهل كان ذلك يستوجب كل قعقعة السلاح هذه؟ أم أن ميليشيا السيد المدير العام كانت ذاهبة لوكر إرهابي فضلّت طريقها، إلى وكر جريدة الصباح؟
نعود لـ”حقيقة ما حدث في الصباح “ ونسأل هل كان كاتب أو كتاب هذه الحقيقة أمناء في قولهم إنني”استدعيت”المحررين وتوعدت الجميع بالعقوبات إذا لم يتفقوا معي، أم إنني دعوت (وهناك فارق ساطع بين العبارتين) هؤلاء الزملاء كما ادعوهم يومياً، أو كما يدخلون على مكتبي دون استئذان، لأتباحث معهم في أمر إقالتي من منصبي لأنه لا يحمل أية أسباب موجبة لذلك، وهو صادر عن جهة لا تربط الصباح بها أية رابطة قانونية أو نص إداري من أية جهة حكومية صادر. وهل خرجنا حقا ببيان يدعو للانفصال أم بنداء يناشد الجهات المسؤولة في الدولة إعادة النظر في الطبيعة الإدارية والقانونية لارتباط الصباح بالشبكة؟

ثم هل حقا أنني صرحت وقلت على رؤوس الأشهاد”إنني مدعوم من مجلس الوزراء “ ومتى سمع مني شهود الزور هذه العبارة؟ ثم هل أصبح دعم مجلس وزراء منتخب ويمثل قوى وطنية، تهمة يحاسب عليها؟ وكيف أصبح”مسئول الأمن “ بفضل الديمقراطية الجديدة، أكثر ودية واحتراما من صحفي وشاعر ورئيس تحرير جريدة الصباح؟ ومن أين أتى الزميل المشعل بكل هذه الكياسة ورباطة الجأش، بحيث يتدخل للخروج بتسوية ترضي الجميع وهو كان يلعب دور المخبر الطريق، بين الجريدة والشبكة منذ أشهر؟ فلاح المشعل هو الوحيد الذي توعدته بالفصل لأنه لم يكن أمينا لأسرة تحرير الصباح إنما لمصالح وغايات هو الذي يعرفها جيدا.

باختصار، ما حدث حدث وهو سيؤسس، للأسف، لما يمكن تسميته بإرهاب المؤسسة، بحيث سيتمكن كل مدير عام، لديه ميليشيات، إرسالها لتنفيذ أوامره الإدارية بقوة السلاح، وما ارجوه وأتمناه للصباح أن لا تؤسس، هي الأخرى، لسابقة مماثلة، في تشويه الحقائق ولعب دور الشرطي فهي اكبر من ذلك بكثير.

5-البيان الصحفى لهيئة الأعلام العراقية

ولا تكتمل الرواية إلا بأيراد نص البيان الصحفي التالي، الذي أصدره مجلس أمناء هيئة الأعلام العراقية في الثالث من شهر تشرين الأول الجاري:

"ورد في إجراء إدارة شبكة الأعلام العراقي، المتضمن إقصاء السيد جمعة الحلفى من رئاسة تحرير جريدة الصباح وتنصيب السيد محمد عبدا لجبار الشبوط رئيسا للتحرير

 بديلا له، إن هذا الأجراء اتخذ –بالنظر إلى مقتضيات المصلحة العامة وبناء على ما اتفقت عليه هيئة الأمناء---الخ—

وقد رافق هذا الأجراء تسريب معلومة تفيد أن هذا الأجراء اتخذ بقرار من رئيس الجمهورية الأستاذ جلال الطالبانى.

لقد اصدر المكتب الصحفي الخاص لرئيس جمهورية العراق الفدرالي بيانا نفى فيه بشدة أن يكون السيد رئيس الجمهورية قد اصدر مثل هذا القرار، باعتبار ذلك ليس من صلاحياته.

ونحن بدورنا إذ ننفى أيضا، نفيا قاطعا علمنا بهذا الأجراء وننفى اى اتفاق معنا حول هذا الأجراء.

نعبر عن أسفنا الشديد لهذا التزوير السافر لموقفنا ونود التذكير أيضا بأننا قد رفضنا الأجراء الذي اتخذه السيد حبيب الصدر في 29 حزيران الماضي والذي أقصى بموجبه السيد محمد عبدا لجبار الشبوط من رئاسة تحرير الصباح بطريقة مثيرة للدهشة والاستغراب ومخالفة للأصول والقواعد المعترف عليها.

إن كلا من الأجرائين غير نظاميين وغير شرعيين ،لأن الجهة التي اتخذتهما وهو المدير العام السابق ، قد أقصى من منصبه في  24/5/ 2005 بقرار من مجلس الأمناء،في اجتماع رسمي مثبت في المحضر ، وبذلك فأن جميع القرارات التي اتخذها المدير العام السابق للشبكة تعتبر باطلة ولاغيه بما فيها القرار بإقصاء السيد محمد عبد الجبار الشبوط في 29/5/2005 وكذلك القرار الأخير بإقصاء السيد جمعة الحلفى من رئاسة تحرير الصباح الصادر في 28/9/2005 "

                                       -انتهى بيان هيئة الأعلام العراقية-

6 - ملاحظات على البيان الصحفى لهيئة الأعلام العراقية

1- 6 إن حبيب الصدر على الرغم من إقالته في 24/5/ 2005 احتفظ بمنصبه و  استمر في عمله ، معتمدا على الميليشيا التي تسانده، واغلب الظن أنها ميليشيا احد مراكز القوى ،وهى حالة غريبة، لا أجد لها وصفا ،  لأن حبيب الصدر لم يكتف بعصيان الأوامر ، بل أرسل قوة مساحة لعزل مسئول اعلامى وتنصيب أخر مكانه  حسب ما تقتضيه المصلحة الحزبية و الشخصية بتعبير أدق.

2- 6 إن بيان الهيئة ، وكما يقول المثل العراقي ( يكسر ويجبر ) فهذه الهيئة التي تعتبر أعلى هيئة إعلامية حكومية في البلاد والمفروض أنها تشرف على شبكة الأعلام  العراقي لا احد ينفذ قراراتها، وفى هذه الحالة كان الأولى برئيس وأعضاء الهيئة الاستقالة من مناصبهم احتجاجا على عصيان المدير العام للشبكة  لقرار الهيئة بإقصائه واحتفاظه بمنصبه بقوة السلاح، لا أن تصدر بيانا صحفيا ، لأنه لا قيمة ولا معنى لوجود الهيئة ، إذا كانت عاجزة عن تنفيذ قراراتها.ومما يلفت النظر أن المدير العام للشبكة ومنتسبى الهيئة لم يعرف عنهم اى نشاط اعلامى قبل أن تحل عليهم بركة المحاصصة  ومراكز القوى.

3- 6 جاء البيان لصالح الشبوط ، لأن قرار إقالته في 29/6/2005 كان غير قانوني أصلا- حسب بيان الهيئة-وان الأمور رجعت إلى نصابها الآن اى أن الهدف من هذا البيان هو في واقع الأمر تبرير عودة الشبوط.

4-6  ليس في بيان الهيئة اى استنكار صريح لأستخدام القوة المسلحة لتنفيذ القرارات التي تتخذها الهيئات الحكومية ، وهو اخطر ما في المسألة.

7 -كلمة أخيرة                                                                                      

من الواضح تماما إن القوى التي تقف وراء هذا الانقلاب لا تؤمن ،بالديمقراطية واستقلالية الأعلام، واغلب الظن أن الجبهة العريضة التي يحاول تشكيلها خصوم الحكومة الحالية ، استعدادا لمعركة الانتخابات القادمة، هي التي دفعت حركة الوفاق الوطني برئاسة الدكتور علاوى( التي تشكل نواة هذه الجبهة )  إلى الأقدام على هذه الخطوة ، من اجل استخدام جريدة مقرؤة على نطاق واسع للدعاية لحملته الانتخابية.

. ومنذ عودة الشبوط إلى رئاسة تحرير الصباح، لوحظ  اختفاء صور الدكتور الجعفري وإخبار الحكومة من على صفحات الجريدة وهى جريدة حكومية تصدر بتمويل من خزينة الدولة، ونحن لا نقصد هنا أن تخضع الجريدة للتوجيه الحكومي ولكننا نستغرب تجاهل الجريدة للحكومة المنتخبة وتحولها إلى بوق لجهة معلومة وفقدانها لأهم سماتها المهنية وهى  الحيادية، التي اتسمت بها في عهد السيد الحلفى، ويبدو أن انحياز الجريدة إلى تلك الجهة هو ثمن لعودة الشبوط إلى رئاسة تحريرها، وهى نكسة حقيقية للجريدة العراقية الأولى وعلامة أزمة في أخلاقيات المهنة.

.كما لوحظ تغيير واضح لصالح الدكتور علاوى في الخطاب الأعلامى لمحطات الإذاعة والتلفزيون التي يشرف عليها السيد حبيب الصدر المدير العام( المعزو ل) لشبكة الأعلام العراقي.

والأمر الذي يثير القلق حقا هو أن  إخضاع الأعلام الحكومي للتوجيه الحزبي واللجؤ إلى العنف في تحقيق هذا الهدف ما زال يسيطر على أذهان بعض  أمراء السياسة الجدد في البلاد وهو أسلوب لا يبشر بخير للعراق المبتلى بمشاريع دكتاتوريين صغار لا يقلون خطرا على مستقبل العراق من الدكتاتور الساقط  . 

 

 

 

                                           

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com