|
مهزلة الانقلابات المسلحة في جريدة الصباح
جودت هوشيار 1- مقدمة لم تعرف الأحزاب العراقية السرية ( التي نشأت في ظروف قاسية، بالغة التعقيد ) ، الديمقراطية في حياتها الداخلية و ممارساتها الفعلية،على الرغم من الشعارات التي كانت ترفعها على مدى عدة عقود من الزمن،وقد سقط النظام الفاشي بدخول دبابتين أميركيتين لاغيرالى وسط مدينة بغداد،لأن الاستياء الشعبي الشديد من النظام الفاشي كان قد بلغ مداه الأقصى . وكانت الجماهير المغلوبة على أمرها والتي عانت طويلا من حكم دموي جائر، على استعداد نفسي لمنح ثقتها لأحزاب عريقة قارعت هذا النظام وقدمت تضحيات سخية في سبيل إسقاطه ، عبر صراع دموي امتد لأربعين عاما و لكن مما يؤسف له حقا إن أحزاب المعارضة التي ملأت الفراغ السياسي بعد سقوط النظام العفلقى، لم تحول شعاراتها إلى ممارسات فعلية على ارض الواقع. وقد يقول قائل إن سلطة الاحتلال قد حالت دون ذلك،بيد أن الأحداث والوقائع وسلوك بعض السياسيين من النخبة الحاكمة تؤكد إن أصل البلاء يكمن في الصراع الحزبي على السلطة والنفوذ من اجل تحقيق المصالح الفئوية والحزبية،ويستنزف هذا الصراع شبه العلني -على الرغم من محاولات التعتيم عليه- معظم طاقة وجهد ووقت قسم كبير من أفراد النخبة السياسية الحاكمة .وكما كان الأمر في ظل النظام السابق ،فأن هذه النخبة تدرك جيدا مدى خطورة الدور المؤثر والفعال الذي تلعبه وسائل الأعلام في صنع وتشكيل ألرأي العام ،لذا تحاول جاهدة ترويض الإعلاميين واستمالتهم سواء بالترغيب ( منح الامتيازات والمناصب) أو بالترهيب ( الطرد من المؤسسات الإعلامية الحكومية أو حرمان المؤسسات الإعلامية الخاصة من الدعم الحكومي بشتى أشكاله مثل الإعلانات ومرافقة الوفود الحكومية إلى الخارج و دعوتها إلى المؤتمرات الصحفية و إجراء اللقاءات معها وغير ذلك من العقوبات). وفى ظل ضعف الأداء الحكومي وتعدد مراكز القوى والصراع الحزبي والطائفي والتدخل الفاضح لدول الجوار في الشؤون الداخلية العراقية ودعمها المالي والتسليحى لهذه الجهة أو تلك و في أجواء غياب القانون ،عندما تفشل هذه المراكز في تحقيق إغراضها بالوسائل السلمية تلجأ إلى استخدام العنف والقوة المسلحة بما لا ينسجم مطلقا مع شعارات الديمقراطية والأعلام المستقل االتى ترفعها لتضليل الجماهير،وهذا الطلاق بين القول والفعل هو ابرز ما يتميز به معظم أمراء السياسة الجدد من النخبة الحاكمة بشتى اتجاهاتهم الفكرية والسياسية. ومهزلة الانقلابات المسلحة في جريدة الصباح الحكومية مثل صارخ على هذا الطلاق بين القول والفعل، ولكن لنبدأ الحكاية من أولها. 2- بداية الحكاية : بعد سقوط النظام الفاشي تسابقت الأحزاب (التي ملأت الفراغ السياسي) في الاستيلاء على الممتلكات العامة،حيث استولى حزب احمد الجلبى على مباني ومطابع جريدة الثورة واستولت حركة الوفاق على مباني ومطابع مدرسة الأعداد الحزبي( وهى مدرسة تخرج فيها العديد من قيادي الحركة)واستولت أحزاب وحركات أخرى على نصيبها من الغنائم، لأنها تعتبر هذه الغنائم تعويضا ماديا عن نضالها ضد النظام الدكتاتوري و هي لا تريد أن تميز بين المال العام والخاص ما دامت تمسك بزمام الأمور( وكما كان يفعل النظام الساقط،). وفى الأيام التي أعقبت سقوط هذا النظام ملأ الأعلام الحزبي الجديد بإمكانياته المالية الكبيرة الفضاء الأعلامى العراقي وقامت سلطة الاحتلال اثر حل وزارة الأعلام ومؤسساتها الصحفية بإصدار جريدة ( الصباح ) لتصبح الناطق الرسمي للحكومة التي تشكلت في ظل مجلس الحكم الملغى، وكان الصحفي إسماعيل زاير(العائد توا من الخارج) أول رئيس تحرير لها، وقد وضعت إمكانيات ضخمة تحت تصرف زاير من مباني ومطابع حكومية وأجهزة واليات وراتب مغرى ،وصلاحيات واسعة،بيد أن زاير ترك العمل في الجريدة وقام بإصدار جريدة جديدة تحت اسم ( الصباح الجديد) وبتمويل مجهول لحد الآن، وعلى الرغم من أن زاير قال بأنه يريد جريدة مستقلة لا تخضع للأشراف الحكومي ، إلا أن الجريدة الجديدة لا تختلف عن جريدة الصباح( من حيث المنحى وألأتجاه والتحرير) ، وان كانت متخلفة عنها بمراحل من حيث المستوى الحرفي والاستقلالية ، فالجريدة الجديدة تنعم بمباركة السلطات التي تغدق عليها الإعلانات الحكومية ، على الرغم من محدودية انتشارها وقد تولى محمد عبدا لجبار الشبوط (وهو من كتاب الإسلام السياسىومنشق عن حزب الدكتور الجعفري) رئاسة تحرير ( الصباح ) بعد خروج زاير منها.حيث انحازت الجريدة إلى جانب رئيس الحكومة القائمة في ذلك الحين الدكتور أياد علاوى وأصبحت أداة لتلميع صورته خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في الثلاثين من شهر كانون الثاني الماضي كما سخر الدكتور علاوى محطات الإذاعة والتلفزة الحكومية لصالح حملته الانتخابية، ولم يكتف بذلك ، بل دفع ( كما يقال ) ملايين الدولارات من خزينة الدولة للقنوات التلفزيونية العربية لقاء الدعاية الانتخابية له ولقائمته المسماة العراقية ولعل القارئ يتذكر سلسلة حلقات (سيرة رجل ووطن ) في فضائية ( العربية ) التي دفعت تكاليفها من خزينة الدولة . صحيح أن جريدة ( الصباح ) خطت بعض الخطوات المهمة نحو التطوير والإخراج الصحفي في الفترة الشبوطية الأولى بفضل إمكاناتها المادية الكبيرة، ولكنها ظلت ناطقة باسم حكومة علاوى، تبرز انجازاتها المزعومة و تنشر صور رئيسها على الصفحة الأولى للجريدة على نحو لافت للنظر، وحين تولت الحكومة العراقية الحالية ( وهى أول حكومة منتخبة في تأريخ العراق) مقاليد السلطة ، تم عزل الشبوط من رئاسة تحرير الجريدة بقرار صادر من المدير العام لشبكة الأعلام العراقي في 29/6/2005 وبطريقة غير لائقة، حيث احتلت ميليشيا مسلحة مقر الجريدة وأمهلت رئيس تحريرها بضع ساعات لإتمام إجراءات التسليم إلى نائبه الشاعر جمعة الحلفى الذي كلف برئاسة تحرير الجريدة دون أن يسعى أليها، وبعد هذا التغيير الدراماتيكي، تسابق بعض المحررين في الجريدة في الكشف عن الخروقات الإدارية والمالية لرئيس التحرير المعزول والامتيازات المزعومة التي كان يتمتع بها وضخامة راتبه الشهري البالغ عشرة ألاف دولار والسيارات الخمس الفارهة التي كانت تحت تصرفه وأسلوبه التعسفي في إدارة الجريدة وتفضيله للمحررين البعثيين الذين طالما طبلوا وزمروا للنظام المقبور، كما أفاضوا في كيل المديح لرئيس التحرير الجديد الشاعر الرقيق والمناضل الثوري جمعة الحلفى وقد نشرت الجريدة آراء هؤلاء المحررين في مكان بارز من الجريدة، كما نشر احد المحررين العاملين في الجريدة مقالا في موقع الكتروني عقب إقصاء الشبوط قال فيه إن صيغة العقد الموقع بين العاملين في الجريدة غامضة ، حيث لم يحدد فيها اسم الطرف الأول ، والمنتسب لا يعلم هل الطرف الأول هو شركة أم شبكة الأعلام العراقي وإن البند الخامس من هذا العقد العجيب ينص على حق الطرف الأول أن يطرد الطرف الثاني( اى المنتسب) دون سابق إنذار. ويعتقد كاتب المقال أن هذا البند التعسفي من ابتكار الشبوط. ومهما يكن الأمر فأن إقصاء الشبوط من الجريدة قد تم بطريقة مهينة واستنادا إلى البند الخامس المشئوم الذي سعى الشبوط لتطبيقه على العاملين المعارضين لدكتاتوريته ، فوقع فيه قبل غيره، وحسب رواية هذا المحرر إن الحلفى قد دعي بعد تبلغه بألأمرالى اجتماع للعاملين في الجريدة وطالب بان يتولى رئاسة التحرير فورا ودون إبطاء، لأن الأمر الحكومي الصادر بتعيينه، أمر رسمي واجب التنفيذ. ولكن من الأنصاف القول إن الجريدة في عهد الحلفى شهدت تطورا نوعيا لا مثيل له في تأريخ الصحافة العراقية، من حيث التحرير والإخراج الصحفي ، ثم أن الجريدة و ملا حقها الخمسة ، ثرية بموادها العلمية والثقافية، وهى أفضل وارقي ما هو موجود في ميدان الصحافة العراقية في الوقت الراهن. وخلال الأشهر الثلاثة التي مضت على إقالة الشبوط ، لم يتوانى هذا الأخير من استخدام علاقاته بالشخصيات السياسية من اجل التوسط لأعادته إلى إمبراطوريته السابقة ويقال انه بذل المستحيل من اجل استعادة المجد المفقود، وعلى الرغم من تعيينه مستشارا إعلاميا لوزير الدفاع( وهو ليس بالمنصب الصغير وراتبه وامتيازاته معروفة) ولكنه لا يقارن بالعشرة آلاف دولار ولا السيارات الخمس الفارهة ولا بلذة التحكم بالمنتسبين ، وقد نجح الشبوط أخيرا فأستعاد منصبه في مسرحية معادة أشبه بمسرحية عزله ، حيث قام المدير العام لشبكة الأعلام العراقي حبيب الصدر( الذي عينه الدكتور علاوى في هذا المنصب عندما كان رئيسا للحكومة وهو شقيق حسين الصدر، عضو الجمعية الوطنية عن القائمة العراقية التي يتزعمها الدكتور علاوى) بإصدار فرمان في 28/9/2005 وإرسال قوة مدججة بشتى أنواع الأسلحة لاقتحام مقر الجريدة وإخراج الحلفى منها بقوة السلاح وتنصيب الشبوط مكانه،ولم تعطى أية فرصة للشاعر الرقيق والمثقف الهادئ المتواضع الأستاذ جمعة الحلفى ، حتى لجمع إغراضه الشخصية. ويوجد في عراقنا المبتلى بالانتهازيين والنفعيين أناس يركبون الموجة ويميلون معها أينما اتجهت وجريدة الصباح ليست استثناءا ولكنها منبر اعلامى لا يمكن إخفاء أمورها طويلا، فقد صدرت الجريدة في الأول من تشرين الأول الجاري وهى تحمل في صدر صفحتها الأولى توضيحا تحت عنوان"حقيقة ما حدث في الصباح " مليئا بتبريرات غير مقنعة ونفاق مفضوح ومديح لمدير التحرير الخبير في فض النزاعات الصحفية المسلحة ويعتقد بأنه بقلم الشبوط نفسه أو احد رجاله المخلصين في الجريدة ونرى من المفيد أن ننقل للفارىء تفاصيل الانقلاب الجديد من وجهة نظر الشبوط أو احد مؤيديه ورد الأستاذ الحلفى عليه: .
|
||||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |