|
إذا ما حيّد المتابع والمراقب للشأن العراقي عواطفه ومشاعره – وهو أمر إفتراضي مستحيل لمن كان له قلب او أدنى إحساس بالانسانية- لوجد ما يجري على ارض العراق أشبه بمسرحية كوميدية فاشلة غير أنها مضحكة للغاية. اجتماع الكوميديا السوداء مع الضحك هنا ليس لإن الاداء رائع او لإن الحبكة الروائية رفيعة المستوى, بل لإن الابطال الرئيسيين في هذا المشهد -المضحك نظريا والذي يدمي القلب فعليا- يبدلون مواقفهم وجلودهم بأسلوب هوائي شبيه بأحوال رواد الفضاء المتأرجحون في مجال انعدام الجاذبية حيث يفقد الانسان القدرة على التوازن فتجد الرأس في الاسفل حينا والاقدام الى الاعلى وتنعكس الصورة في أحيان أخر دون ان تستطيع أن تتوقع حالة المشهد بعد ثوان معدودات. العراق الديمقراطي الجديد تحكمه وتتحكم فيه ميليشيات ,يفترض أنها خارج القانون, تعيث في الارض فسادا وارهابا. الشخصيتان الاكثر تأثيرا في المشهد العراقي هما الزرقاوي والسيستاني, وعلى الرغم من التناقض الكبير بين الشخصيتين ووقوفهما على طرفي نقيض إلا ان هناك عوامل وقواسم مشتركة بينهما, فالرجلان على الرغم من ادوارهم الرئيسية على الساحة العراقي – نظريا على الاقل- ليسا عراقيين ولا يمكن رؤيتهم بالعين المجردة من قبل عموم العراقيين. والرجلان يملكان من المساعدين اعداد غفيرة لم يسبقهما الى ذلك أحد لا في ما مضى ولا في وقتنا الحاضر, فكبار مساعدي الزرقاوي يقبض عليهم وبشكل دوري اما مساعدي السيستاني الكثر فقد تخصصو باصدار الفتاوي والمواقف والتصريحات السياسية الغريبة والمتناقضة. السيستاني والزرقاوي يسيران بالعراق نحو التفتيت والحرب الاهلية, فالاول تورط في دعم أحزاب طائفية وظلل بعباءته قائمة تحوى على متهمين بالسرقة والاختلاس وسخّر المرجعية ومكانتها للتغطية على تقصيرهم وتجاوزاتهم ودعم وما يزال الخطط الامريكية والتي تهدف كما يبدو لتفكيك العراق, أما الثاني فقد أصدر الفتاوي العجيبة والمُستنكرة التي تشمل عموم الشيعة قتلا واستهدافا مما سيؤدي في نهاية المطاف الى فرز طائفي وتقسيمات مذهبية تؤدي بالعراق الى التقسيم والتفتيت. في العراق الجديد والذي للمرجعية فيه مكانها الارشادي حسب مسودة الدستور المفخخ تنتشر مظاهر وظواهر لم تعرفها البلاد لا في حكم العلمانيين ولا غيرهم كانتشار الفساد الاخلاقي والمخدرات والحشيش لدرجة ان كربلاء مدينة القباب اصبحت عاصمة الافيون حسب تقرير حديث لوكالة قدس برس, المخدرات التي غزت العراق مصدرها الرئيسي الحجاج الايرانيين للمزارات المقدسة حسب تقرير للامم المتحدة. سياسيو الاحتلال, قادة العراق الامريكي الجديد, يتصرف السواد الاعظم منهم كطلاب المراحل الابتدائية الاولى فهم سريعوا التقلب في تحالفاتهم تراهم يصرحون التصريحات النارية بإتجاه منافيسهم على قطع الحلوى الامريكية ومن بعد ذلك ينقلبون عن مواقفهم ويتحالفون مع من استهدفتهم تصريحاتهم ومواقفهم. العراق الدولة الوحيدة التي تمثلت في جنازة الملك السعودي الراحل فهد بوفدين منفصلين طارا الى السعودية - بلاد البدو والجمال حسب وزير الداخلية صولاغ- بطائرتين مختلفتين على الرغم من الاوضاع الاقتصادية الصعبة لعموم الشعب العراقي. رئيس الوزراء العراقي والذي يحمل الجنسية البريطانية والذي تلقى لإعوام طوال المساعدات الاجتماعية من حكومتها يطير على عجل الى لندن ليعلن ان قضية الجنديين البريطانيين المشهورة لن تؤثر على العلاقة مع المحتل البريطاني المُنعم على سيادة رئيس الوزراء على الرغم من التصرف البريطاني الارعن لتحرير الجنديين رغم قتلهم لعناصر من الشرطة العراقية وقيامهم بمهمة مشبوهة تم التكتم عنها وان كانت على الارجح تستهدف إشعال التوتر وتأجيجه بين السنة والشيعة وعلى الرغم من صدور قرار قضائي يطالب بتوقيفهما والتحقيق معهما. أما القضاء العراقي فهو آلاخر واحد من الضحايا البارزين لمرحلة ما بعد تحرير العراق من عروبته وإسلامه. فالقرارت القضائية تتخذ بحق سياسيين تحت مسميات وإتهامات خطيرة كما حصل مع مقتدى الصدر واحمد الجلبي ومن بعد تُنسخ تلك القرارات وكأن شئيا لم يكن. الصور والمآسي في العراق الجديد والتي تشكل فصولا وعرضا متواصلا للكوميديا السوداء الدامية أكبر بكثير من ان يحتويها كتاب او مجلد ناهيك عن مقال عابر غير أنني سأختم بعرض هازل تم منذ أيام في بغداد المحتلة ولم يتوقف عنده الكثيرين على الرغم من خطورة دلالاته ومؤشراته. فلقد اتخذت الجمعية الوطنية العراقية -والتي جاءت عبر ما أسموه الثورة البنفسجية التي انتخب فيه قطاع من الشعب قوائم مجهولة الاسماء واحيانا الانتماءات- قرار وبأغلبية كبيرة لتعديل القانوني الانتخابي وبشكل يجعل من رفض الدستور في الاستفتاء القادم أمرا عسيرا ولما كان القرار فجا يعبر عن رعونة سياسية فلقد إحتجت الامم المتحدة عليه مما سبب إحراجا للادارة الامريكية والتي أصدرت أوامرها بإلغاء القرار فما كان من الجمعية الوطنية إلا أن إجتمعت وتم بث الحدث على الهواء ومع رفع الايدي وبأغلبية ساحقة تم إتخاذ قرار يلغي القرار السابق والذي تم استصداره من إيام معدودات. إنّ أكثر الدكتاتوريات تعسفا وقمعا في التاريخ المعاصر والتي يشكل البرلمان فيها ديكورا لتمجيد الصنم الحاكم لتأنف من القفز على قرارات برلماناتها على انحطاط مكانتها في النظام السياسي بالشكل الذي تم في بغداد. فإذا كانت الجمعية الوطنية العراقية والتي صاغت مفخخة الدستور تعمل بنظام الريموت الكونترول الامريكي فأي معنى للسيادة وأي مكانة ومنزلة لهذه الجمعية والتي جاءت كجزء من برنامج الاحتلال والذي استهدف وما يزال العراق دولة وانسانا ومقدرات.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |