تجفيف منابع الإرهاب يبدأ من السعودية

حميد الهاشمي

اكاديمي عراقي مقيم في هولندا

h.hashimi@lycos.com

 

 إن موجة الإرهاب التي تجتاح العالم الآن ومنطقة الشرق الأوسط خاصة مثار بحث ودراسة لدى الكثير من الجهات الحكومية ومؤسسات البحث العلمي، سعيا لإيجاد سبل علاج ووسائل وقاية للحد من هذه الظاهرة.

ومن هذه الوسائل الفعالة والشديدة التأثير، هي ما يطلق عليه "تجفيف منابع الإرهاب"، والتي تعني البحث عن مصادر تمويله البشرية والمادية وإيقافها.

ومن الضروري جدا هنا أن يضاف "الجانب الفكري" المشرعِن للإرهاب كأحد أجزاء ومفاصل هذه المصادر، بل المنبع الرئيس له. فالفكر هو الذي يصيغ مفاهيم الإرهاب ويكسبه الشرعية، ويترك للشريرين مهمة تنفيذه. وعليه فان الفكر يشكل مع المال ورأس المال البشري ثالوثا مكونا للإرهاب.

إن الإرهاب داء خطير في عالم اليوم ينتشر بسرعة ليصيب كل أجزاء جسد المعمورة. فالإرهاب وخاصة المبني منه على أسس عقائدية دينية أو مذهبية أعمى لا يرحم، وهو يبحث عن عدو دائما. وسيعود هؤلاء الذاهبون إلى "الجهاد" إلى بلدانهم ليزرعوا الرعب والموت والفرقة في صفوف مجتمعاتهم.

 

ينابيع الإرهاب، لماذا السعودية؟

للمملكة العربية السعودية خصوصية وتفرد تجعل من أراضيها المنابع الرئيسية للإرهاب وهذا ليس اتهام بل تشخيص. فالمجتمع السعودي يعتبر أكثر المجتمعات الإسلامية راديكالية وتقليدية، وهو ناتج عن وجود أقدس المقدسات الإسلامية على أراضيها، ولوقوعها في قلب صحراء العرب ذات الطابع البدوي والقيم التقليدية المتوارثة، والتي تزاوجت أو صبغت الكثير من التفسيرات الدينية بصبغتها، هذا بالإضافة إلى الثروة النفطية الكبيرة التي ساعدت على رفع المستوى المعيشي للمواطن العادي وزيادة ثقل الدولة السعودية في المنطقة والعالم، إلى جانب اعتبارات أخرى تتمثل في طبيعة السياسة السعودية التي عززت هذه الأدوار.

وهذه الأمور جعلت المواطن السعودي يشعر "بمركزية ودور محوري" في الحياة الدينية الإسلامية أو الحركات الدينية السياسية.

والسعودية لعبت دورا كبيرا في تجهيز وتنظيم مرور "المجاهدين" إلى أفغانستان إبان الوجود السوفيتي على أراضيها. وبعد تحرير أفغانستان من الوجود العسكري السوفيتي، وسيطرة نظام طلبان، كانت السعودية إلى جانب الأمارات وباكستان هما البلدان الثلاثة الوحيدة التي تحتضن سفارة لطلبان على أراضيها.

ومن الأسباب الأخرى التي نحن بصددها الآن هي إتساع حركة التكفير التي أصبحت العصب والعامل المغذي للإرهاب. فالتكفير يمنح الشرعية للقتل وبدون أدنى مراجعة للنفس حتى لو اقتضى الأمر قتل الأخ أو احد أفراد العائلة. وهي التي انتشرت على ارض السعودية أكثر من غيرها واتسعت بفعل وسائل الاتصال والإعلام (الثانوية) المعتمدة على شبكة الانترنت مثل المواقع الدينية والخبرية والمنتديات وغرف الدردشة.

وقد خلقت هذه الأمور ما يسمى ب"ثقافة الجهاد" بثوب معاصر، يتمثل في إنشاء صناديق تمويل تحت أغطية وذرائع متنوعة بعضها بحجة دعم الفقراء والآخر بحجة الدعوة والتبليغ وغيره بدعوى الإغاثة وهكذا، هذا إن لم يكن هناك عمل ومجاهرة ومتاجرة باسم الجهاد في العراق أو أفغانستان أو غيرهما.

كما يتم تجنيد الشباب السعودي بسرعة كبيرة وبأعداد اكبر من غيرها من المناطق الإسلامية، ويتم استغلالهم أبشع استغلال كما هو الحال في العراق، حيث يغرر بهم ويخدر بعضهم ليتم تفجيرهم دون رغبة الكثير منهم، ويبتز أهالي بعضهم طلبا للفدية بغية إرجاعهم أو الإبلاغ عن مصائرهم.

 إن السعودية مؤهلة أكثر من غيرها لتجفيف منابع الإرهاب وعلى أجل ليس طويل تماما، حيث جدية الحكومة السعودية وحزمها في التصدي لأي تهديد إرهابي على أراضيها، وخططها لتوسيع هذا التصدي عالميا من خلال دعوة الحكومة السعودية لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب. ولإمتلاكها الأموال اللازمة لذلك، وسيطرتها على إمبراطوريات إعلامية كبيرة في العالمين العربي والإسلامي، وكذا هيمنتها على محيطها الإقليمي.

ويتم هذا من خلال إستراتيجية تتضمن تضييق الخناق على الإرهابيين وعلى مؤسساتهم ومصادر تمويلهم، وعلى شيوخهم ومنظريهم، ومن خلال تقوية العمل الأمني والمخابراتي، وتعزيز التعاون مع دول الجوار عن طريق عقد الاتفاقات الأمنية الثنائية والتعاون المستمر.هذا بالإضافة إلى إعادة النظر في المناهج التعليمية التي تحتوي تأويلات التكفير وتشيعها منذ الصغر بين الأجيال. ولا نشك هنا بأن المذهب الوهابي السائد في المملكة قاصر عن التصدي لهذا الفكر، سيما وانه كان جريئا جدا في أطروحاته حين ظهر متمردا على واقع المنطقة. وقد شهدنا في الفترة الحالية أصوات متسامحة ومرنة تتجاوز على التعصب والفكر التكفيري الذي يتبناه الإرهابيون، ومن هذه الأصوات الشيخ العالم عبد المحسن العبيكان، و المفتي العام للمملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وكبار شيوخ السلفية في العراق ومن محافظة صلاح الدين (تكريت) تحديدا نخبة من الشيوخ الأفاضل مثل أبو منار العلمي والشيخ أبو صفوت وغيرهم، وكان هؤلاء قد نهجوا نهجا متعقلا فيما يخص القضية العراقية وكفروا دعوات قتل العراقيين تحت ذريعة محاربة الاحتلال.

إن المملكة مطالبة بدعم هذه التيارات المتسامحة، إلى جانب مواصلتها الإصلاحات الاجتماعية والسياسية ودعم التيارات الليبرالية بالجدية ذاتها، من اجل خلق نوع من الموازنة وإشاعة الوعي واحترام المغايرة الثقافية والفكرية.

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com