|
المصالحة و الضحك على الذقون
زهير كاظم عبود
في قانون العقوبات العراقي ثمة افعال مخالفة للقانون تمس احد الأشخاص، يحق للمتضرر او المجني عليه أن يتنازل عن حقه، و يمكن معها للمحكمة أن تقبل الصلح الواقع بين الطرفين، اذا وقع الصلح من المجني عليه او ممن يقوم مقامه قانونا وكانت الدعوى من النوع الذي يجوز ان يتم قبول الصلح فيها، اي ان الشكوى اصلا يتوقف تحريكها على شكوى من المجني عليه، فتقبل المحكمة هذا الصلح وتقوم بغلق الدعوى. ويتم قبول الصلح دون موافقة المحكمة او القاضي اذا كانت الجريمة معاقبا عليها بالحبس مدة سنة او اقل او بالغرامة المالية، وفي حال كون الجريمة معاقبا عليها بالحبس مدة تزيد على السنة، فلا يقبل الصلح الا بموافقة المحكمة والقاضي. غير أن العديد من الأفعال الجرمية لايؤثر في قرار حكمها الصلح الواقع بين الطرفين. وتثار بين فترة وأخرى قضية مهمة من أكثر القضايا أهمية بعد قضية الأمن جدالا بين العراقيين، وطرحت وجهات نظر تتعكز على مقولات وأسانيد مثالية، وعلى تعابير تدعو للحق والأنصاف ولكنها مبطنة بوجهة نظر تدعو للأستكانة وقلب الحقيقة. المصالحة تلك الكلمة الجميلة والوديعة والتي تدعو للمحبة والسلام، والمصالحة تدعو الى تهدئة الحال والتراضي بين المتخاصمين، والمصالحة تعني عودة المياه الى مجاريها، واعادة العلاقة الانسانية بين المتخاصمين، والمصالحة أن يكون العقل حاضراً بين المتداعين فيتنازل أحدهم عما يمكن التنازل عنه ويتبادل مع الخصم الاخر مشاعر الود والأحترام والمودة. والمصالحة دعوة أنسانية نبيلة، وينبغي أن تكون على أسس واضحة ومشرفة ليس فيها غبن لأحد على حساب الاخر، ولاتغليب لمصلحة على الاخرى، وأن لاتكون مبطنة. وفي القضية العراقية ليس ثمة أشكالية لو كانت الأفعال المرتكبة بحق العراقيين من زمرة البعث وأذناب الطاغية مما يكون الصلح والتراضي فيها مقبولا، ولكن أن تتم الدعوة بين المذبوح ولم تنشف دماءه، والقاتل لم يزل ممسكاً بالسكين يشرع في ذبح اولاد وأخوة القتيل دون توقف، فهذا لايعني سوى الأستسلام والخنوع والقبول بالذبح المستمر، وان تتم الدعوة للمصالحة بين القاتل والقتيل فتلك دعوة ساذجة ومهمة غير نبيلة وأنتصار للمجرم وأقرار بقبول الفعل. أن تصير الدعوة للمصالحة بين المتهمين بقتل العراقيين في مؤسسات الأمن العامة والمخابرات والأمن الخاص والأستخبارات العسكريــة، فتلك دعوة لأنتصار الباطل على الحق، والشر على الخير، وتغليب للظالم على المظلوم. وأن تصير الدعوى للمصالحة بين رفات الشهداء في المقابر الجماعية وبين من قام وساهم وأشرف على دفنهم أحياء، او من بين المتهمين بأطلاق الرصاص على جثث الشهداء وبين المتلقين للرصاص، وأن تصير المصالحة مشروعاً للخنوع وبلع المحنة وقبول المصيبة وأعتذار القتيل من القاتل وفق معادلة مقلوبة في زمن مقلوب. يقول الشاعر الكبير مظفر النواب : (( لاتصالح على الدم.. حتى بدم لاتصالح ولو قيل رأس برأس ! أكل الرؤوس سواء أقلب الغريب كقلب أخيك أعيناه عينا أخيك وهل تتساوى يد.. سيفها كان لك بيد سيفها أثكلتك !! )) وفي لغة قلب الحقائق يترتب على اهل العراق لكي تستقيم حياتهم ان يعتذروا من القتلة، وأن يتقبلوا عودتهم الناعمة الى أجهزة السلطة والحكم، وأن يتقبلوا مشاهدة قتلة اخوتهم يتبخترون في الشوارع والمدن بكل حرية، وأن يتم غلق التحقيق وعدم محاكمتهم عن أية جريمة مخالفة للقانون، حتى نرضخ لنظرية واهمة ارادوا تحويلها الى حقيقة هي أن دونهم لن يستقر العراق وهم حماة الوطن ودعاة الأمة الصامتة. تعرض العراق لفترة مظلمة غاب فيها الحق والمنطق، وصار فيها المواطن العراقي متهما دون تهمة، وتعرضت فيها صدور الشباب العراقي للرصاص وهم أبرياء، وتم تسفير العوائل العفيفة والشريفة دون سبب أو منطق، وتم تشريد الكرد الفيلية وهم تاج رأس العراق ومن العراقيين الأصلاء دون قرار او حكم او منطق يقضي بأن يصير عليهم ماصار، حتى أن القائد الضرورة أمر بأن يتم اتلاف كل الأصول الرسمية التي تثبت عراقيتهم وأصالتهم، وان تجري على الكرد عمليات الانفال وذبح اولادهم وتشريد عوائلهم، وان تضرب حلبجة بالكيمياوي، وأن يتم نفي مئات الالاف ويتم تشريد مئات الالاف منهم، وان ننبش في المقابر الجماعية التي سيصل عدد المكتشف منها 300 مقبرة أو تزيد من فلذات اكبادنا واطفالنا وأخواتنا، وأن تعم المصيبة كل بيت في العراق حيث يجلل السواد بيوت العراقيين بفقدانهم احبتهم، وأن تصدر القرارات الظالمة والجائرة وغير العادلة تستبيح رقاب العراقيين والعراقيات، وأن تستباح الخزينة ويتشرد اربعة ملايين عراقي في مجاهل الارض بالوقت الذي كان معوق النطق والخلق عدي بن صدام يقيم الليالي الحمراء الماجنة مع عاهرات العروبة وغجريات العراق. فعن أي مصالحة يتحدثون، وعن أي مشروع يريد بعض النابشين في قبور أهلنا أن يلبسوا رداء الانسانية والحقوق ليقدموا مشاريع تضحك على ذقوننا وتشتم شهدائنا وتاريخنا. أي مصالحة يريدون ونحن بعد لم ننبش جميع مقابرنا، ولاعثرنا على جثث أولادنا، ولاكفت ايادي الشر من الأستمرار بذبح أولادنا، ولاأعادوا أموالنا وحقوقنا، ولااعادوا البيوت المنهوبة والمسلوبة، ولاكفوا عن قتل اخوتنا واهلنا، فعن أي مصالحة يتحدثون ؟ أي مصالحة وهي التي لايقبلها القانون ويرفضها القضاة ولاتعتد بها النصوص القانونية ولم يسلم القاتل نفسه للعدالة بعد ولم يجر التحقيق معه !! أي مصالحة هذه لم تزل أعداد القتلة تتضامن وتجد من يمدها بالعون والمال والسلاح لقتل الأفواه التي تنفتح تطالب بحقها أو دماء أولادها ؟ أي مصالحة ولم تزل بعض الفضائيات تفتح صدرها وحضنها لهم يتقيئون مايريدون بحق شعبنا المكلوم والممتليء بالغيض والظلم. أي مصالحة والعراق المستباح لم تزل دماء أولادة اللزجة لم تجف بعد ولاأنتهت مراسيم العزاء وهم يضحكون ملء افواههم على أحزاننا وخيبتنا بسلطاتنا وأحزابنا الوطنية التي أتخذت من اللطم شعاراً ومنهجاً وتركت بحثها عن القتلة وملاحقتها للسفلة، ونست كل وعودها ونشراتها في ذلك. أي مصالحة والقتيل لايوافق أن يسقط حقه ومطالبته على الأقل أن يقوم الحق العام بملاحقة القاتل أذا كان اهله يخافونه لحد الان ؟ أي مصالحة وهم كالعقارب الممتلئة بالسم والعمياء التي لاتنفك تلدغ كل ماتجده بطريقها، وليس لهم عمل سوى القتل والأيذاء والخراب ؟ أي مصالحة وهم يتربصون بنا المنون، ويستغلون أي فرصة للعودة بيننا ينسلون مثل الافاعي الرقطاء يلدغون ويختبئون، ويصيرون نعاجاً حين نشتد، وحين يتمكنون منا تكون هجمتهم علينا كما تهجم المخانيث. أي مصالحة وترفضها القوانين والمنطق وكيف يمكن أن نجعل من القتيل يتساوي مع فعل القاتل ؟ وبعد كل هذا ندعوكم للمصالحة والاعتذار ممن تلطخت أياديهم بالدماء وممن خربوا حياتنا وسرقوا البسمة من شفاه اطفالنا، ممن حسبوا انفاسنا وسلطوا علينا الأفاعي البشرية والذئاب، ممن سرقوا خزائن العراق ووظفوها لقتلنا وحفلاتهم الماجنة وخربوا قيمنا ومستقبلنا، ممن شردونا في أصقاع الأرض نضيع حياتنا وأستقرارنا، و بعد كل هذا ندعوكم للمصالحة قبل ان تتمكنوا من تشخيص القتلة أو تشيروا لهم بالأتهام. مصالحة هذه أم ضحك على ذقوننا !!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |