الرافضة للدستور، هم الرافضة لخروج المحتل

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

 

ثمة سؤال يطرح نفسه، هل الهدف هو إسقاط الدستور لأنه لا يلبي الأهداف لأي كيان سياسي رافض؟ أم أن الهدف هو إسقاط العملية السياسية برمتها في البلد؟

فإذا كان الهدف هو إسقاط الدستور لأنه لا يرتقي للطموحات، فإنه، وبعد التعديلات الأخيرة، كأن الدستور لم يكتب لحد الآن، حيث سوف تتم مراجعته على مدى أربعة أشهر من قبل هيئة منتخبة يفترض أنها تمثل جميع مكونات الشعب، تليها تعديلات لمدة ثمانية سنوات متواصلة (دورتين انتخابيتين) لعدة أبواب منه، ومن ثم وبعد دورتين انتخابيتين سيكون الجزء الآخر من الدستور عرضة للتغيير أيضا، فهو إذا مازال في مرحلة الكتابة والتي يجب أن تستمر إلى أثني عشر سنة متواصلة، ولكن على مراحل.

أما لو كان الهدف هو إفشال العملية السياسية برمتها، فإننا قد نفهم هذا التوجه من قبل البعثيين مثلا أو من قبل السلفيين، ولكن لا نستطيع أن نفهمه إذا كان الرافض للمسودة علماني مثلا، ويحق لنا السؤال، لم يرفض هؤلاء سواء بكلمة "لا" أو الدعاية والترويج لرفضه والدستور مازال تحت الكتابة وسوف يعاد النظر بجميع فقراته، تقريبا بالكامل؟ ربما يجد البعض أنه لا يحقق لهم كل ما يرغبون به، وإن العراق سوف يكون أفضل فيما لو كان الدستور على غير ما هو عليه الآن، وهنا يحق لنا أن نسأل أيضا، هل عراق الدستور والقانون سيكون بلدا لشخص واحد يعيش لوحده على جزيرة كما عاشت تلك الشخصية الخرافية، ربنسن كروزو؟ فلو سألنا أي إنسان على الكرة الأرضية ممن يوجد في بلدانهم دساتير، سألناه عن التعديلات التي يرغب أن يجريها على دستور بلده، فإن قائمة الفقرات التي لا تعجبه، بلا شك، سوف تكون طويلة، وهل يشك أحد أن الرئيس الأمريكي بوش، مثلا، لا يرغب بتعديل بعض فقرات دستور الولايات المتحدة؟ وهذا شأن جميع الدساتير الديمقراطية التي جاءت لأجل التوافق بين مكونات شعب يفتقد التجانس الكامل بين مكوناته، فما بالك والحالة في العراق أعقد بكثير كنتيجة لأزمة الثقة المستحكمة بين هذه المكونات، وهذا ما لا يحتاج إلى توضيح ولا إثبات.

في الواقع، إن الدستور الجديد توافقي بين مكونات تتباين فيما بينها في الرؤى والمذاهب والأهداف والوسائل التي يتبعوها لتحقيق رغباتهم كما نعرف، لذا فإنه دستورا لا يحقق كامل الرغبات لأي طرف من الأطراف، ولكن على الأقل يقر بأن هناك ثوابت لا ينبغي لأي طرف من الأطراف أن يعترض عليها، وهذا بالطبع ما لا يرغب به من يتمسك بفرض ثقافة القطيع، أي اقتياد المجتمع نحو أهداف محددة مهما كانت شريفة أو مريضة، فما بالك والأهداف معلنة ومرعبة في مضامينها؟

من هنا نستطيع أن نستنتج جازمين من أن الرفض لابد ورائه أهداف غير مشروعة.

من خلال إجراء مسح للقوى الرافضة للدستور، هذا المشروع الحضاري في العراق، نستطيع أن نحددهم بأسرع ما يمكن بعد الفرز الأخير.

هم أولا البعث وواجهاتهم المعروفة من أحزاب خرجت كما الفطر مرة واحدة بعد سقوط النظام مباشرة، وتشكل منها لجان وكتل سياسية كهيئة الحوار الوطني التي تضم عشرات التنظيمات التي لا ترى بالعين المجردة، كما البكتيريا لا يمكن أن ترى إلا بأقوى المجاهر الحديثة، لها أكثر من ناطق رسمي واحد، جميعهم بعثيين، ولا يعرفون من اللغة سوى كلمة "لا"، وهناك في الظلام تتحرك فلول البعث مدججة بالسلاح ظنا منها أنها سوف تملي إرادتها على الشعب بقوة السلاح إلى الأبد ودجل المتحدثين البعثيين!!! هذه المجموعة الرافضة لا ولن تقبل بأي دستور سوى دستور صدام الذي كتبه هو، وعدله هو، ليمنح نفسه حق قتل الشعب بلا حساب، وأي دستور غير هذا الدستور لا يقبلون به بأي حال من الأحوال.

الجهة الثانية من الرافضة هي هيئة علماء المسلمين التي تتبنى مواقف الطرفين البعث من ناحية والأزارقة من ناحية أخرى، فهم مع أي جهة ستكون الغالبة لا سامح الله، هذه الهيئة قد عودتنا على رفضها لكل شيء منذ اليوم الأول الذي أنشأت به بعد سقوط نظام البعث، هذه الجهة لا تقبل بأي دستور مهما كان، سوى ذلك الدستور الذي كتبه صدام وحفظه في مكتبه، ليس لأنه غير معلن، ولكن لأنه يبيح للدكتاتور ومن بعده ذريته قتل العراقيين بلا حساب على أساس من الهوية.

أما ثالث الرافضة هم السلفيين التكفيريين من الأزارقة الغرباء على العراق، بل الغرباء على الإنسانية كلها، هذه المجموعة لا تقبل بأي دستور سوى دستورها الهمجي ونظامها الذي تعد له بهدي من قادتهم القابعين هناك في كهوف أفغانستان. إذا هذه الجهة لا يحق لها الرفض، ولا يحق لها أن تكون أصلا في العراق، ولكن علينا أن نفهم ما الذي تهدف له هذه الجماعة من خلال عملها في العراق؟ لعل رسالة أيمن الظواهري للزرقاوي والتي كشف عنها أخيرا تعطينا الجواب الواضح، حيث تحدد برنامج القاعدة والأهداف المرحلية في العراق وهي:

""المرحلة الأولى: إخراج الأمريكان من العراق.

المرحلة الثانية إقامة سلطة أو إمارة إسلامية، ثم تطويرها وتدعيمها حتى تبلغ مرتبة الخلافة على أكبر جزء تستطيع أن تبسط سلطانها عليه من العراق، وبالذات في مناطق أهل السنة العرب، وحتى تملأ الفراغ الناشئ عن خروج ألأمريكان فور خروجهم، قبل أن تحاول ملء هذا الفراغ قوى غير إسلامية، سواء من سيتركهم الأمريكان خلفهم أو من يسعى للقفز على السلطة من القوى غير الإسلامية (ربما يقصد هنا البعثيين). ولاشك أن هذه الإمارة ....."" ويستمر الظواهري ليحدد أربعة أهداف رئيسية للمرحلة القادمة.

في الواقع الذي نعيشه اليوم نرى أن هؤلاء يستطيعون أن يسيطروا على أكثر من مدينة وقصبة بتلك المنطقة في آن واحد بالرغم من وجود الأمريكان وقوى الأمن العراقية بمختلف أنواعها، وها هي العمليات التي يقوم بها الجيش الأمريكي في تلك المنطقة لا تحقق النجاح المطلوب، وسرعان ما تعود قطعان الشر لتسيطر على المدن والقصبات العراقية حال خروج القوات الأمريكية منها، فهل يحق لهم الحديث عن جاهزيتهم لمواجهة المرحلة التي تعقب خروج الأمريكان؟ فإن ما نراه فعلا على أرض الواقع، أنهم قد حققوا المرحلة الأولى والثانية من الأهداف المرحلية، حتى من قبل أن يأتي اليوم الأول وهو خروج الأمريكان من العراق.

طبعا يدعي البعثيين والزارقة أن هذه الوثيقة ملفقة، وإن من أعدها هو الأمريكان لكي تكون مبررا لبقائهم في العراق،  وما يهمنا في هذا المقال من هو مناقشة الرفض للدستور الجديد، لذا لا نريد أن نكذب أحد من الطرفين، لا الأمريكان ولا الأزارقة، لأن هذه الوثيقة سوف تساعدنا على بناء استنتاج مهم جدا يتعلق بهوية من يرفض الدستور.

على افتراض أن هذه الوثيقة صحيحة، فإن ذلك يعني إن بقاء الأمريكان في العراق أمر مبرر لهم وللعراقيين أيضا، لأنهم المستهدفين من الذبح البعثي أو ذبح السلفيين الأزارقة القاعديين لنا، واتخاذهم من مدننا في المنطقة الغربية مناطق نفوذ لهم، وكذا من سكنها المغلوب على أمرهم، دروعا بشرية تقيهم من قصف الأمريكان، وباقي سكان العراق أهدافا لعملياتهم القذرة.

أما إذا كانت الوثيقة ملفقة من قبل الأمريكان لتبرير بقائهم في العراق، أليس رفع السلاح والسيطرة على مناطق واسعة من العراق ورفض الدستور الجديد هو ما يعطي الأمريكان هذه الذريعة القوية والواقعية للبقاء؟ أو ليس من حقنا نحن المستهدفين أن نطالب الأمريكان بعدم الخروج من العراق حتى نأتي على آخر سلفي تكفيري وبعثي من فلول النظام المقبور في أرض العراق؟

وهكذا نرى، سواء كانت هذه الوثيقة صحيحة أم ملفقة، فهي في كلتا الحالتين تدعوا العراقيين للتمسك بالدستور الجديد والتمسك بالأمريكان حتى الانتهاء من أعدائهم المشتركين الأكثر همجية عبر تاريخ الإنسانية على الأرض.

الإعلام العربي الذي يعبر عن رغبات الدول التي ينتمي إليها ويعبر عن مخاوفها من أي مشروع حضاري ديمقراطي دستوري في العراق يكتسب شرعيته من الشعب، مصدر السلطات الحقيقي، وليس من قبل شلة مغامرة من العسكريين بعد الاستيلاء على السلطة، أو أنظمة تضطهد مواطنيها على أساس من انتمائهم العرقي أو الطائفي، لذا نعتبر انحياز الإعلام العربي نحو القتلة في العراق هو انحياز لهذه البلدان ضد طموحات الشعب العراقي، وهذا هو بالتحديد ما يعطينا أيضا الحق برفض أي جهة عربية تدعم الإرهاب في العراق وتساهم بتنفيذ مخططات القاعدة، أو بأحسن حال عودة البعث الهمجي من جديد للسلطة في العراق، وهو أيضا يدعونا للتمسك برفض الجامعة العربية ومشاريعها في العراق تحت مسميات المصالحة أو الوحدة الوطنية، فأن الجهات الرافضة للدستور حاليا لا يمكن أن تكون جزءا من النسيج العراقي بأي حال من الأحوال، لأنها هي التي لا تقبل بأي شريك، وأي محاولة من أي جهة تدعوا للتصالح مع من يرفع السلاح ويرفض الدستور، فهذا التوجه يعني توفير الأرضية اللازمة لتنفيذ باقي فصول المؤامرة المرسومة ضد الشعب العراقي، لأن لم يبقى ثمة سبب لرفع السلاح وإرهاب العراقيين وقتلهم.

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com