رباه .. كيف يضيع الزمن بين ومضة عين وإنتباهة ؟

بقلم : أحمد عبد الهادى

رئيس حزب شباب مصر

editor@shbabmisr.com

 

قادما أنا الآن من أقاليم مصر .. الجولة كانت بين محافظات الغربية والشرقية والدقهلية ..
عادتى عندما أصل إلى هناك أخلع البدلة وألقيها جانبا وأتحرر من قيود المثقفين .. وأرتدى الجلبات الفلاحى .. وأعيش وسط الناس وهمومهم وأشياؤهم البسيطة ..
لا أتحدث عن أمريكا أو لندن أو الدستور العراقى ..أتحدث معهم عن أسعار القمح والأرز .. عن المياه التى تنقطع كثيرا من بعض الترع وتسبب جفاف لأراضيهم .. عن الدودة التى أكلت القطن هذا العام .. وتطهير المصارف .. أعيشهم وأعيش حياتهم فهذه متعتى عندما أكون هناك وسط الأهل والأصدقاء فى الأقاليم ..
فى زيارتى الأخيرة لقريتى ـ السمارة ـ بالدقهلية قررت أن أحصل على أجازة كاملة من السياسة وإرهاقاتها .
كان هناك مولد الشيخة سلمى .
حرصت على أن أستعيد ذكريات الطفولة داخله ..
داخله تجولت
تجولت فى كل مكان به
كان يحيط بى الأهل والأصدقاء وهم يضحكون من جنونى
تجولت وسط المقابر التى تحيط بالضريح . .
وسط الزحام والناس ..
وسط " المراجيح " .. والألعاب البسيطة .. وضرب النار ..
حرصت على أن أذهب إلى الضريح وألقى عليه نظرة ..
الناس لازالت تدور حوله ..
والنسوة العجائز لازلن يلتمسن المدد منها ..
والثوب الأخضر كما تركته منذ أكثر من عشرين عام كما هو نظيفا ..
تفوح منه رائحة المسك والعنبر والبخور الهندى ..
وطالبى الغوث والمدد يدورون حولها ..
وتمتد الأذرع الضعيفة من بين أجساد نهشتها البلهارسيا ولحى بازغة .. تستغيث بها ..
لاشئ قد تغير
كل الذى تغير أننى إكتشفت أن هذا الضريح صار أصغر كثيرا مما توقعت
أصبح صغيرا
كيف كان كبيرا جدا ذات يوم ؟
كيف كنت أحاول مد الرأس والعنق فى محاولة لإستطلاع ماهو موجود أعلى قبة المقام الأخضر مع أنه لايتجاوز متر واحد فقط أعلى سطح الأرض ؟
لقد إكتشفت أننى أنا الذى كنت صغيرا فرأيته عملاقا ذات يوم ..
أصبح الضريح أصغر
والمقام أيضا
بحثت عن فرحتى بالاشياء الصغيرة..
بحثت عن الطفل الذى كنته ذات يوم ؟
بحثت عن ضحكاتى
عن أمسى
عن الطفل الذى عاش ورأى وقاوم وتمرد ..
وفرح
ولعب
وسخر
عن الصحبة والرفاق
عن أوراقى التى ملأتها بآلاف الحكايات والقصص واليوميات
عن نفسى
عن أملى وعشقى وجنونى
بحثت عن طفلى الذى نشأ بين ضلوعى
إكتشفت أن كل شئ أصبح مجرد ذكرى
وأن الذى تغير هو أنا
وأن الذى شاخ وهرم بعد آلاف الحكايات هو أنا ..
ضحكت وأنا أدقق النظر فى الضريح وصاحبة المولد الذى حضرته وسط نظرات ترمقنى فى دهشة وهمست فى سرى :
يارب .. كيف يضيع الزمن بين ومضة عين وإنتباهة ؟

نقلا عن جريدة شباب مصر
www.shbabmisr.com

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com