المكرمات في موت البنات!

بلقيس حميد حسن

رئيسة المنظمة العراقية للدفاع عن حقوق الإنسان في هولندا

balkis.h@wanadoo.nl

كنتُ قد نشرت قبل أيام مقالا تحت عنوان "من لوجع المرأة العربية؟ وقد جاءتني رسائل كثيرة من نساء ورجال تشد على يدي، كذلك كانت هناك ردودا رائعة من بعض الاخوة والأخوات استجابة لصرختي، لكنني عجبت من بعض الأصوات التي اعتبرت صرخات النساء مهانة لهن وسأتحدث عنها رغم قلتها، إذ كيف يمكن أن تكون صرخة المظلوم مهانة له؟ فهل لابد للمظلوم أن يصمت كي لا يقال انه مهان؟ وكالنعامة التي تغطي رأسها بالرمال؟هل لابد من أن نعيش بلهاء وننسى عقولنا وأحلامنا وأفكار درسناها وتعلمناها وآمنا بها لان علينا أن ننتظر ما قالته المادية التاريخية من تلقائية الوصول إلى المجتمعات اللاطبقية؟

هناك من يـنــّظر بعيدا عن الواقع وعن النظريات ذاتها، فنحن لم نطالب المرأة بان ترفض الزواج والإنجاب ولست ادري من أين جاء البعض بهكذا طلب لم أر امرأة عربية واحدة طالبت به, كما أن هناك من يريدنا أن نصمت وننتظر الزمن الكفيل بالتغيير.

 آسفة أقول إن البعض من المثقفين ولربما بحسن نية والذين يُحسبون على اليسار أو التقدميين كما نسميهم أحيانا, يتطرفون أو يخطئون فهم الأفكار الماركسية حتى يتساوون مع اليمين تماما .

فمن يعتقد أن قضية المرأة قضية مفتعلة وليس للمرأة سوى أن تنتظر القرون بعد القرون من السنين حتى يتم الإجهاز على رؤوس الأموال وتتوزع بالتساوي بين الناس، وحتى يتم القضاء على القوى الكبرى المتحكمة بالعالم وحتى يتم إشاعة وسائل الإنتاج وتقسيمها بين الناس بالتساوي وحتى تؤسس الجنة على الأرض, وان ننتظر الحتميات التاريخية ليحررنا الزمن نتيجة ما سيحصل من تناقضات وسقوط الطبقات تلقائيا, وان البرجوازية تحفر قبرها بيدها وما إلى هناك من أفكار آمنا بها، لكنها أيضا لا تقول أن حياة الإنسان لا بد أن تكون رهينة انتظار قد لا يجيء حتى تنتهي الحياة على الأرض، وتقول هذه الأفكار والنظريات أيضا أننا إن لم نفعل شيئا لدفع عجلة التطور إلى الأمام سنكون كأنما نقف مع اليمين المتطرف الذي ينتظر الرحمة من السماء أو ينتظر المنقذ الذي يملأ الأرض عدلا ويخلصها من الشر، وما علينا إلا التسليم، وهناك مقولة للينين " اليسار المتطرف يمين" ويقول أيضا " ضع الرجل على المحك من قضية المرأة تكتشف تقدميته" إذن تحصيل ذلك هو أن من لم يؤمن بقضية المرأة ويعمل لمساندتها يقف بالضد من التقدم الذي ترجوه شعوب الأرض جميعها, بل لا يمكن أن تصل المجتمعات إلى السعادة والرفاه دون أن يكون للمرأة دورا محترما في كل ما يجري ..

لقد قرأنا كتبا للاشتراكيين والفلاسفة وحفظنا مقولاتهم بإرادتنا وبوعينا كبارا وبرغبة منا للفهم والاطلاع وللوصول إلى الحقائق وفهمها خدمة للإنسان، لا كما حفظنا القرآن صغارا وغصبا ومقررا في المدارس والكتاتيب، وقد مر بذلك اغلب المثقفين العرب و منهم النساء طبعا مع اختلاف بالظروف جعلت الغالبية منهن بسيطات وبعيدات عن الفكر وهذا الأمر نقر انه مسالة تتعلق بالطبقات والتكوينات الاقتصادية الاجتماعية في المجتمعات، لكنها أيضا تتعلق بالموروث الاجتماعي والديني الذي يصر البعض على التمسك به والإبقاء عليه كقوانين يراد منها تنظيم حياتنا اليوم وفي عصر المعلومات بعد أن عجزت حتى عن تنظيم حياة أسلافنا قبل اكثر من أربعة عشر قرنا بشكل كلي وأفرزت اختلافات مذهبية وطائفية نحصد آثارها اليوم موتا وألما وعنفا وتخلفا، حيث إننا أبقينا على شرع القدماء مهما كان ظالما وقاسيا ومؤديا بمجتمعاتنا إلى الهلاك.. وهذا الذي لم تسكت عنه المرأة في دول الغرب, ولم يسلـّم المثقف الغربي بهذا الاختلاف فأقر حقوقا للمرأة مساوية للرجل ......

ويحسبون موتـنا ثانويا

 للأسف هناك من يعتقد أن قضية المرأة لا ترقى لان تكون قضية حقوقية ثم يعودون لذات الطرح الذي يطرحه شيوخ السلفية في الاختلاف الفسلجي بين المرأة والرجل والذي لا نعتبره نحن النساء نقيصة, إنما هذه هي طبيعة المرأة, ونحن نعتز بكوننا نـُـنجب الحياة والحب، وهو قوة لنا لا ضعفا، وهذا يبرهن اكثر على أحقيتنا بالحقوق والاحترام لتستمر الحياة بشكل لا تهان به المرأة ولا تعطى صفة الدونية والحيوانية وقلة الانسنة كما يطرحها البعض, الذي يؤكد أن الاحتكاك بالآلة هو الذي يحدد مدى إنسنة الفرد ذكرا أم أنثى وبما أن الرجل سبق المرأة بذلك فهو اكثر إنسنة ..... أمر يدعو للضحك واستنتاجات وأفكار غريبة اغرب من خرافات الشعوب الآكلة للحوم البشر, فما طرحه الاشتراكيون والماركسيون من الاحتكاك بالآلة كان في مجال الحديث عن تطور الوعي العصري بأهمية الآلة ولم يدخل ضمن تصنيف الإنسان إن كان إنسانا أم أقل صفة من ذلك، ثم أن الاشتراكية جاءت بداية من منظور إنساني إذ هي أرادت المساواة بين بني البشر ومحاولة التخفيف من آلام وظلم التفاوت الطبقي، لا أن تفرق بين الذي يحتك بالآله معتبرة اياه إنسانا وآخر غير محتك بها اقل منه أنسنة، وهل أن المفكرين والأدباء الذين لا يحتكون بالآلة هم اقل أنسنة من العمال؟ ..

وهنا يتساوى أصحاب هذا الطرح للأسف مع اشد السلفيين تطرفا في النظرة الدونية للمرأة وللطبقات المسحوقة، وهي مغالطة عجيبة !

فإن كانت قضية المرأة لا ترقى أن تكون حقوقية، فهل أننا لابد من أن نسكت عن قانون قتل الزانية ولو كان بشبهة وادعاء ينفذ على يد رجل جاهل ينصب نفسه كسلطة شرعية وقضائية وتنفيذية؟ وحينما يقتل أخته أو أمه أو أية امرأة من أقاربه بتهم ما انزل الله بها من سلطان سوى عقله المريض أو المجرم ونواياه العدوانية التي لا تمت للانسنة بشيء مع أن الأديان السماوية وخاتمتها الدين الإسلامي الذي يضع شروطا تعجيزية لن تطبق مثلما أقرها الدين يوما منذ الدعوة الإسلامية حتى ألان؟ إذ لم نقرأ عن حادثة زنا أثبتت بأربعة شهود رأوا العملية الجنسية كالميل في المكحلة كما يصفها أصحاب الضمائر الورعة من رجال الدين إمعانا منهم بالحفاظ على حياة المرأة وكرها منهم بالقتل العشوائي, وما أحوجنا لأمثال هؤلاء اليوم؟

هل نسكت عن حرمان امرأة من العمل على يد زوجها الجاهل وهي التي حصلت على شهادة عليا لمجرد أننا لابد من أن ننتظر المتغيرات الطبقية والتغيرات البنيوية بالمجتمعات وبلوغ مجتمع تتلاشى به كل الحقوق بالعلاقات الإنسانية؟

هل نسكت على اعتداءات يومية تتعرض لها النساء في مجتمعاتنا المتخلفة في الشوارع والمدارس والجامعات وفي الأماكن العامة وغير العامة وبوسائل الإعلام لتؤثر على صحة المرأة نفسيا وتؤثر بالتالي على كل الأجيال المقبلة التي تتربى على يدها؟

 هل ننتظر سيطرة الرداءة على الكفاءة بحجج رجولية واهية ونسكت على تشويه الحقائق؟

هل ننتظر ما نراه من فواجع تتعرض لها حتى صغيرات السن من النساء لتمسخ طفولتهن ويحولن إلى جوار وإناث بالمعنى الفسلجي فقط لا بالمعنى الإنساني؟

أية انسنة يتحدثون عنها؟ وألام هي الكلمة الوحيدة أو الأولى التي تتردد على السنة الأطفال في كل بقاع الأرض مهما اختلفت لغاتهم، فمن ألام يتعلم الأطفال معنى الحب والإنسانية والحنان ومعنى الحياة، وقبلة ألام أو المرأة هي القبلة الأولى التي يتلقاها كل إنسان على هذه الأرض تقريبا في أول يوم يرى به الحياة؟ أية انسنة يمتاز بها الرجل على المرأة والقتل ابتدعه رجل بالتأريخ حيث ألام حصدت نتاج أول جرم وقع على الإنسان من أخيه الإنسان؟

 هل نسكت على ظلم موروثات قديمة؟

 إن نحن سلمنا بأن حرية المرأة تأتي ضمنا ومع حرية الرجل عندما تتحرر المجتمعات جميعها من التناقضات الطبقية، هنا نسلم أن المرأة تابع للرجل فإن تحرر هو ستتحرر هي وان لم يتحرر فلابد لها من التحمل صاغرة، وهذا الحكم يشبه حكم بعض القبائل الهندية سابقا والذين يحرقون المرأة مع زوجها حينما يموت، وان سكتنا عن كل هذا هل ترانا لابد وان نسكت عن أبيات شعر تتبجح بالمكارم وتعتبر قتل المرأة غاية المكرمات مع أنها تؤدي إلى إبادة الجنس البشري كما في هذا البيت الشعري الذي يقول :

 ومن غاية المجد والمكرمات ××× بقاء البنين وموت البنات.....

 أو قول:

تهوى حياتي وأهوى موتها شفقا ××× والموت اكرم نزّال على الحرم...

 لا ادري لم يصر البعض من مثقفينا على احتقار أو استصغار قضية المرأة مع أنها من أهم القضايا، فكل القضايا الأخرى إن كانت قضايا الطبقات من العمال أو الفلاحين أو الطبقات الوسطى أو قضايا القوميات أو الشعوب عموما، لا يمكن أن تشكل نسبة اكبر من نسبة قضية المرأة, بل لا يمكن فصلها عنها أصلا لان كل القضايا نصفها امرأة والانتصار لقضية المرأة هو بالتالي انتصار لكل هذه القضايا الإنسانية .

أخيرا أقول أن قضية المرأة هي أهم مفصل يقود المجتمعات إلى التطور، وان جميع الشعوب التي انتبهت لهذه المسألة وساوت المرأة مع الرجل بالحقوق وصلت إلى دولة العدالة والقانون واستطاعت أن تبني سلاما واقتصادا راسخا جعلنا نحن أبناء الشعوب المقهورة نلجأ لهم واجدين عندهم بعضا من الكرامة والإنسانية التي افتقدتها مجتمعاتنا، كما أننا كنساء مدافعات عن حقوقنا لم نقل يوما مساواتنا بالرجل جسديا، بل طرحنا اعتزازنا بأمومتنا وأنوثتنا التي نراد لها الاحترام من اجل أن يكون عطائنا اكبر .

إذن فان اعتبار قضية المرأة قضية ثانوية, وحرية المرأة تأتى لوحدها مع التطور هو الإقرار بحتمية بقائنا أكثر الأمم جهلا وتخلفا وتعاسة ......

 



 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com